NB-125585-635793822631767411

(روسيا في سوريا.. شبح «الجنائية الدولية»)
جوش روجين*
– 14 تشرين الأول 2015 (الاتحاد) –
الآن، ومع انكشاف أمر الدعم الذي يتلقاه الجيش السوري من الحكومة الروسية، بات من المحتمل أن يتعرض كل المسؤولين الروس بدءاً من الرئيس فلاديمير بوتين ومن دونه في الرتبة، للمحاكمة بدعوى ارتكابهم جرائم حرب، وفقاً لما قاله مسؤولون أميركيون سابقون وخبراء في القانون الدولي. وبالإضافة إلى أكثر من 2000 برميل متفجر ألقاها نظام الأسد على المدنيين السوريين منذ شهر يوليو الماضي، تتوفر الآن قرائن تشير إلى أن النظام استخدم الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين ومارس أبشع صور التعذيب لقتل 11 ألف مدني كانوا رهن الاعتقال السياسي. ويمكن لكل هذه الممارسات أن تشكل أساساً لمحاكمة مقبلة لكبار العسكريين والمسؤولين المدنيين في نظام الأسد بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ويقول خبراء في محاكم جرائم الحرب إن روسيا التي تقف وراء الجيش السوري الذي ارتكب تلك الجرائم، عرّضت نفسها لتهمة «التشجيع والتحريض» على ارتكاب جرائم الحرب. وأصبحت هذه المحاكمات تستأثر بأهمية متزايدة على المستوى العالمي بعد أن نجحت في إصدار أحكامها ضد رئيس وزراء صربيا بسبب الأعمال الوحشية التي شجَّع على ارتكابها في يوغوسلافيا السابقة، وأيضاً إصدار الحكم على الرئيس الليبيري تشارلز تايلور بتهمة مساعدة «قوات الجبهة المسلحة المتحدة» بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال الحرب الأهلية التي شهدتها «سيراليون». وربما لا تتم محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب في سوريا إلا بعد بضع سنوات. وسبق لروسيا أن استخدمت «الفيتو» لإجهاض محاولات توجيه التهم لمسؤولين سوريين وإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولكن لو تمت المحاكمة، وفقاً لما يقوله خبراء، فإن بوتين قد يتحمل المسؤولية وفقاً لذات التهم التي حوكم بموجبها «تايلور».
وقال «ستيفن راب» الذي سبق له أن شغل منصب سفير الولايات المتحدة المفوّض للبحث في جرائم الحرب منذ عام 2009 وحتى العام الجاري: «يسير الروس بشكل حثيث نحو الوضع الذين سيتحملون فيه المسؤوليات القانونية. وإذا قمت أنت بمساعدة القوات الجوية السورية على ارتكاب جرائم حرب، مثل إلقاء البراميل المتفجرة على المدنيين، فسوف تجد نفسك وقد أصبحت تحت طائلة المسؤولية مهما كان منصبك». وأضاف «راب» الذي سبق له أن ترأس جلسات المحكمة الدولية التي نظرت في الجرائم المرتكبة في رواندا ثم المحكمة الخاصة التي نظرت في جرائم الحرب في سيراليون، إن هناك سابقة لاعتقال رئيس دولة بسبب مسؤوليته الجرمية عن مساعدة قوات دولة أخرى قامت بارتكاب جرائم حرب. وصدر في هذا الشأن حكم بالحبس 50 عاماً على «تايلور» في سجن بريطاني بتهمة واضحة هي «مساعدة وتحريض» الجبهة الثورية المتحدة على ذبح المدنيين.
وقال «راب» إن المساعدة التي تقدمها روسيا لسوريا لا يمكن التعامل معها كجرائم حرب إلا إذا تمكن القضاة من إثبات أن المسؤولين الروس كانوا واعين تمام الوعي بالممارسات الوحشية لنظام الأسد، وبأن المساعدة التي قدمت للنظام السوري ساهمت في هذه الممارسات بشكل أساسي. وقال: «فيما يتعلق بالمساعدة والتحريض، ليس مطلوباً منك أن تنتظر الأمور البشعة حتى تحدث، بل يكفيك أن تعلم أنها تحدث بالفعل. وهم مسؤولون وفقاً للقانون الدولي، كما أن القادة الذين ساهموا في هذه الأعمال في الميدان مسؤولون أيضاً».
وقال «شريف بسيوني» الرئيس السابق للجنة المنبثقة عن مجلس الأمن للتحقيق في خروقات القانون الدولي في يوغسلافيا السابقة، إنه من الواضح أن الحكومة السورية سجلت خروقات لقائمة طويلة من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بقوانين الحرب بما فيها (المادة3) من معاهدة جنيف و(البروتوكول2) المتعلق بمعاملة المدنيين وغير المسلحين. وقال بسيوني: «إن استخدام البراميل المتفجرة بحد ذاته يعتبر جريمة حرب. واللجوء إلى الهجمات العشوائية ضد المدنيين هو جريمة حرب أيضاً. وأما فيما يتعلق بمستوى المساعدات الاقتصادية والدعم العسكري ووجود المستشارين العسكريين، فإن أي جريمة ارتكبتها القوات السورية تنسحب على أولئك الذين ساعدوا على وقوعها وخاصة منهم الإيرانيون والروس».
ووفقاً لنظام «المسؤولية القيادية» الذي تم تأسيسه بناء على «معاهدة هاغ» عام 1899 وتعديلاتها في عام 1907، والتي دخلت حيز التطبيق بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، فإن كبار المسؤولين يتعرضون للمحاكمة إذا فشلوا في وضع حد لجرائم الحرب وبقية الممارسات الوحشية التي كانوا يعلمون بحدوثها. وتم الاستناد إلى نظام «المسؤولية القيادية» بنجاح في محاكمة جنرال ياباني عام 1945 بسبب الجرائم التي ارتكبها جنوده في الفلبين أثناء الحرب العالمية الثانية.
*محلل أميركي متخصص بقضايا الأمن الوطني
– ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»