بيان
 حول انتفاضة شعب العراق

 على مدى شهر وأكثر، يواصل الشباب العراقي، ومعه جموع العراقيين المهمشين والمكتوين بنار الجوع والبطالة والفساد، انتفاضته احتجاجاً على الأوضاع المعيشية الكارثية، في ظل تدهور غير مسبوق للخدمات العامة، وتفشٍ للفساد والمحسوبية ونهب للمال العام، وانسداد لآفاق التغيير في جميع مناحي ومستويات الحياة العامة كافة. لكنَّ الأمر بلغ ذروته حين واجه الشعب العراقي صيفاً لاهباً رافقه انقطاع للكهرباء ومياه الشرب في بلاد الرافدين الجاثمة على أرضٍ تختزن ثالث احتياطي نفطي في العالم.
 واللافت أن كل محاولات الالتفاف والتطويق ترهيباً وترغياً لم تتمكن من كبح جماح الحراك الذي استمر زخمه متصاعداً، عبر تطور شعاراته من الحالة المطلبية إلى ملامسة عمق الأزمة الشاملة المستحكمة بالبلاد، محملاً كامل المسؤولية للأحزاب الداعمة لنظام المحاصصة الطائفية الموالية لإيران التي تسببت في خراب البلاد وتعميق معاناة الشعب وسلب إرادته ونهب مقدراته.     
 إن التطور السريع للاحتجاجات، واصطدامها المباشر مع مكامن الاستعصاء الذي حول العراق إلى بلدٍ مستباح من واشنطن وطهران ليصبح من أكثر دول العالم فساداً في عهد المالكي. هذا التطور قد أربك أركان السلطة الحاكمة وأشعرها بمخاطر تداعياتها، فسارعت إلى قمعها بعنف وإلى اعتقالات واسعة وإطلاق للرصاص سواء من ميليشيات الحشد الشيعي أم من القوى الأمنية، مع قطع شبكة الانترنت.
 لم يكن المشهد الاحتجاجي جديداً على المدن العراقية. ففي عام 2012 تحركت مدن غرب العراق من أجل وقف التدهور الحياتي والسياسي، والتي تصدى لها المالكي سحقاً وقتلاً وسجناً وتشريداً وانتهى إلى تسليم الموصل لداعش لربط الانتفاضة بالإرهاب. لكن الشارع العراقي عاد للحراك في بغداد مرات عدة ومن أجل المطالب نفسها التي يتظاهر اليوم أهل الجنوب والوسط من أجلها، إلا أن ما يميز انتفاضة اليوم أنها انطلقت من داخل البيت الشيعي، ومن بين صفوف جمهوره ليؤكد وقوفه ضد الاحزاب الشيعية الحاكمة، وفي مواجهة النفوذ الإيراني ومطالبتها بالخروج من العراق (البصرة حرة حرة إيران تطلع برا).
 لقد أدرك الشباب المنتفض بحسه الوطني، أن ما يكابده الشعب العراقي ليس سوى نتائج تكمن أسبابها العميقة في بنية العملية السياسية التي أطلقها الاحتلال الأميركي، وكرّسها دستوريّاً في نظام المحاصصة الطائفية ليضمن مصالحه ومصالح ملالي طهران الذين عاثوا فساداً في العراق ومنعوا استقراره ونهبوا ثرواته.
هناك صعوبات كبيرة تواجه هذه الانتفاضة منها أن الأحزاب الحاكمة لن تتخلى عن السلطة بسهولة. كما أن الوضع الإقليمي والدولي المهيمن على العراق والمنطقة لا يسمح بإجراء تغييرات جذريّة في قواعد اللعبة والمساس بمرتكزاتها، وهذا يتطلب من شباب الانتفاضة الوحدة وابراز قيادة واعية لما يحيط بها وما يدور من حولها، والعمل على توسيع رقعتها لتشمل كل المدن العراقية، وطرح برنامج التغيير الوطني الديمقراطي.
لكن ما تجدر الإشارة إليه والتركيز عليه، إن انتفاضة العراق اليوم تجري على وقع انتفاضة موازية في إيران وكلتيهما تطالبان برحيل نظام الملالي الذي جلب الويلات والكوارث لهما وللمنطقة. والعمل أيضاً على إخراجها من سورية واليمن، وسيكون لانتصارهما انعكاسات كبيرة وتغييرية على المشرق العربي والعالم العربي عموماً.
دمشق   12/ 8 / 2018
                                                                            الأمانة المركزية
                                                                   لحزب الشعب الديمقراطي السوري