منهل باريش

أنقذ الشيخ توفيق شهاب الدين، مؤسس «حركة نور الدين الزنكي» جبهة فتح الشام (النصرة)، وأخرجها من ورطة حربها الفاشلة ضد فصائل الجيش الحر في الشمال السوري، عندما أعلنت حركته اندماجها مع الجبهة وأربعة فصائل أخرى، وتشكيل «هيئة تحرير الشام»، أواخر كانون الثاني/يناير الفائت. وجاء الإعلان بعد أسبوع من اعتداء فتح الشام على فصائل الجيش الحر في ريف حلب الغربي، وعلى صقور الشام وجيش الإسلام في ريف ادلب. ونجحت فتح الشام خلالها في السيطرة على مقرات جيش المجاهدين، بينما فشلت أمام معسكر جيش الإسلام في بابسقا قرب معبر باب الهوى الحدودي، وعلى القرى الشمالية لجبل الزاوية معقل صقور الشام.
واستمرت الهجمات على الفصائل العسكرية التي أعلنت اندماجها في «أحرار الشام»، حيث تعرضت الفصائل في بلدة دارة عزة إلى هجوم من هيئة «تحرير الشام»، الأمر الذي فسر بانه محاولة سيطرة على الطريق التجاري الواصل إلى عفرين، والذي يشكل ايرادا ماليا كبيرا من خلال فرض ضرائب على سيارات النفط الخام القادمة من مناطق سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية».
فيما تعرض «الفوج الأول»، التابع للجيش الحر في بلدة زردنا، إلى هجوم من قبل مجهولين، حسب ما أكد رئيس المكتب السياسي للفوج، علاء حمادين، لـ«القدس العربي». وقد اعتبر حمادين أن «الغاية من هذه الاعتداءات هي محاولة فرض لون واحد على الشمال السوري، ما يتطلب مشروعا وطنيا واضح المعالم للخروج من المأزق الحالي».
وأتى تعيين هاشم الشيخ أبو جابر قائدا عاما لهيئة تحرير الشام، برغبة شديدة من أبو محمد الجولاني وشهاب الدين، لتمزيق حركة أحرار الشام، حيث توهم الرجلان أن أكثر من نصف الحركة ستلتحق بالهيئة، الأمر الذي سيسهل ابتلاع الشمال كله. في المقابل كان أقل من ألف مقاتل، فقط، هم من تركوا أحرار الشام والتحقوا بالتشكيل الجديد.
ومارست الهيئة عملية ضغط نفسي وإعلامي كبير على أحرار الشام، وهو ما دعا الناطق الرسمي باسمها إلى الطلب من عبد الله المحيسني «التوقف عن الترويج لمعلومات مغلوطة حول انضمام غالبية حركة أحرار الشام الإسلامية للهيئة، والتوقف عن زيارة مقرات الكتائب التابعة للحركة بهدف اقناعها بالانشقاق». ويدرك الخبراء والمراقبون لشؤون الفصائل المسلحة طريقة التزييف لبيانات الانشقاق عن أحرار الشام، والالتحاق بهيئة تحرير الشام.
فخروج «لواء التمكين» (أحد اكبر الوية أحرار الشام)، والذي يقوده أبو جابر بنش ويعتبر أبو صالح طحان جزءا منه، تبين عدم صحة انشقاقه عن الحركة، واقتصر على خروج أبو جابر بنش من اللواء برفقة إحدى سرايا كتيبة أحمد عساف الصغيرة في بنش، وكتيبة أحفاد علي التي يقودها الطحان. ووصل الأمر أن أصدرت سرية صغيرة (زيد بن حارثة) تابعة لكتيبة أحفاد علي بيان انشقاق، وهو ما يدلل على أهمية الدور الإعلامي الذي مارسه تيار أبو جابر لإيضاح أن الحركة انهارت عسكريا ولم يبق منها أحد.

بيانات انشقاق كاذبة

كذلك، كانت كتيبة «رياح الجنة»، المفصولة من «جيش الايمان» منذ أكثر من شهرين، قد أعلنت انشقاقها عن أحرار الشام. وتكررت عشرات بيانات الانشقاق الكاذبة.
وفي تعليقه على بيانات الانشقاق والانسحابات الكبيرة من الحركة، قال الناطق الرسمي في حركة أحرار الشام الإسلامية، أحمد قرة علي، لـ«القدس العربي»، إن «أبناء الحركة والمقربين من عسكريي الفصائل وسياسييها يدركون حجم الخارجين من فصائل الحركة»، مضيفاً أن «ألوية الحركة الكبرى عسكريا لم يتغير فيها شيء. وخروج الأفراد والفصائل يحصل بشكل دائم ومستمر في كل الكيانات، لكن هذه المرة ترافق مع حملة إعلامية كبيرة ضد الحركة».
وتعتبر أحرار الشام من أكثر الكيانات تماسكا سياسيا وعسكريا بين فصائل المعارضة، فقد تجاوزت أزمات كبيرة كادت أن تعصف بها، وخصوصا عندما قُتل أغلب قادتها في أيلول/سبتمبر عام 2014 إثر تفجير مجهول السبب حتى اللحظة، استهدف مقر اجتماع لقادة الصف الأول في قرية رام حمدان شمال إدلب. إضافة إلى خروج صقور الشام منها عام 2016، ومحاولة تشكيل «جيش الأحرار» داخل الحركة من قبل التيار القاعدي في الحركة والذي يتزعمه أبو جابر وطحان، في كانون الاول/ديسمبر الماضي، ليعود الشيخ ويتراجع بعد ضغوط كبيرة مورست عليه في مجلس شورى الحركة.
من ناحية أخرى، يساعد خروج الشيخ والطحان من أحرار الشام على اقترابها من باقي فصائل الجيش الحر وتحسين علاقتها بهم، وربما انحيازها أكثر إلى خطاب وسطي أيديولوجيا، وأقل تشدداً.
وأشار الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، الدكتور عبد الرحمن الحاج، في حديث إلى «القدس العربي»، إلى أن «تحرير أحرار الشام من الجناح القاعدي سيساعدها لبلورة خطاب أكثر وطنية مع باقي فصائل الجيش الحر والفصائل الإسلامية». ونفى إمكانية القضاء على التحالف، مشيراً إلى أنه «مدعوم من الجانب التركي، والأحرار ليسوا الطرف الوحيد في هذا التحالف، بل وضعتهم الاستقطابات في قيادته».
ووصف هيئة تحرير الشام بأنها «تحالف سياسي، رغم استيعابه لأغلب الطيف القاعدي في الشمال، إلا أنه قائم أساسا نتيجة موقف سياسي من أستانة. وهذا ما جمع الرافضين من التيار القاعدي في أحرار الشام مع فتح الشام والزنكي التي تعتبر بشكل أو بآخر فصيل جيش حر، إلا أن اعتراضها السياسي هو ما دفعها إلى هذا التحالف».
ولا شك أن دخول «الزنكي» سيمنع تصنيف «تحرير الشام» على لوائح الإرهاب في الوقت الحالي، باعتبار أنها تلقت دعما أمريكيا من خلال «غرفة الموم» التي شكلها أصدقاء الشعب السوري من أجل الدعم العسكري بقيادة أمريكية. كذلك تلقت دعما تركيا مباشرا بعد موافقة شهاب الدين على إرسال نحو 500 من مقاتليه إلى درع الفرات، إضافة إلى وجود «جيش السنة» و«لواء الحق» اللذين تلقيا دعما خليجياً لفترة طويلة.
ومن المرجح أن كل هذه الاعتبارات كانت ضمن حسابات الجولاني قبل موافقته على الاندماج المفاجئ. لكن يبقى السؤال، مع كل هذا التعقيد في بنية تحالف تحرير الشام: هل سينجح الجولاني في حساباته هذه المرة بعد أن أخفق سابقا، ولم ينجه تغيير اسم التنظيم وتخليه عن ارتباطه بـ«القاعدة»؟ أم أنه نجح في جرّ الفصائل إلى مستنقعه، وفضّل إغراقها معه على أن يقضي وحيداً؟