كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

صبحي حديدي
Apr 01, 2017

بالإضافة إلى ترك القضايا الساخنة المعلقة (في سوريا والعراق واليمن وليبيا…)، ساخنة على جمرها، ومعلقة على حبالها؛ استأنفت القمّة العربية الأخيرة، على شطآن البحر الميت (وسبحان مصادفات التسمية!)، تلك المعزوفة العتيقة المكرورة، التي أُشبعت نقاشاً واستعادة ونفخاً في جثة هامدة؛ أي: «مبادرة الأمير عبد الله»، التي طُرحت في قمة بيروت، قبل 15 سنة بالتمام والكمال!
وهكذا، قال البيان الختامي لقمة البحر الميت: «يؤكد القادة العرب على تمسك والتزام الدول العربية بمبادرة السلام العربية كما طُرحت في قمة بيروت عام 2002، وعلى أن السلام العادل والشامل خيار إستراتيجي، وأن الشرط المسبق لتحقيقه هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكامل الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلت عام 1967، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف، بما فيها حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة، وإطلاق سراح جميع الأسرى من سجون الاحتلال، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، استناداً إلى القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، وقرارات القمم العربية المتعاقبة، ومبادرة السلام العربية».
الإنصاف يقتضي القول إنّ الغائب الذي يُفتقد في هكذا «قمّة»، هو دكتاتور ليبيا، العقيد معمر القذافي؛ إذْ لو كان حاضراً بين أقرانه (وكان عميدهم في قمّة الجزائر، 2005) لأهداهم من عبقرياته سلسلة خلاصات حول واقع الحال العربي إجمالاً، حكاماً وشعوباً، وحول هذه المبادرة/ الجثة الهامدة خصوصاً. كان، على سبيل المثال، سيلقنهم دروساً جديدة حول الديمقراطية (أو الـ»ديمو ـ كراسي» في تأويله)؛ وكان سيعلّمهم أنّ الديمقراطيات العربية والآسيوية والأفريقية (وبينها مملكة أوغندا، مثاله الساطع) هي الديمقراطيات الحقّة، مقابل «الديمقراطيات الدكتاتورية» في الدول الغربية، حيث الشعوب «كأنها كلاب تنبح». ولعله كان سيُسمع «خونا محمود عباس» عبارات أشدّ قسوة من تلك التي أطلقها في حينه (أنّ الفلسطينيين أغبياء لأنهم لم يقيموا دولة سنة 1948، والإسرائيليين كذلك أغبياء لأنهم لم يضمّوا الضفّة الغربية سنة 1948)….
والحال أنّ استعادة «مبادرة الأمير عبد الله» اليوم، تليق بها استعادة العقيد القذافي؛ رغم أنه، والحقّ يُقال، كان غائباً حاضراً، أو العكس، من خلال خلاصات هذه القمة، التي بدت بالغة الوفاء لشقيقاتها القمم العربية، ربما منذ انطلاق أوّل قمّة، في أنشاص، الإسكندرية، 1946. ذلك لأنّ تلك «المبادرة» اتخذت، في الأصل، شكل مقترح تبسيطي تكشّف في سياق دردشة (غير بريئة على الأرجح) بين الأمير، والصحافي الأمريكي الشهير توماس فريدمان.
الجديد الخطير كان يكمن في المقايضة الجديدة: الأرض مقابل التطبيع، والتطبيع الشامل كما لاح آنذاك (وكما توجّب أن يُفهم من كلام فريدمان، وليس من التعليقات السعودية)؛ من النوع الذي تريده الدولة العبرية، وكانت وما زالت تسعى إليه. التطبيع الذي يُدخلها في عقد الشرق الأوسط كدولة مشاركة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وكعامل «منشّط» و»محرّض» وضامن لولادة «الشرق الأوسط الجديد». هذا ما حلم به الصهاينة الأوائل، وهذا ــ وليس «السلام» التعاقدي، أيّاً كان محتواه ومفرداته ــ هو ما يسعى إليه الصهيوني ـ السياسي، والصهيوني ـ العسكري، والصهيوني ـ رجل الأعمال، والصهيوني ـ المبشّر الثقافي.
في المقابل، إذْ أنّ التانغو يحتاج إلى راقصَين اثنين، لم يكن يلوح البتة أنّ أرييل شارون كان، ساعة طرح المبادرة، مستعداً للانسحاب إلى حدود 1967 (بما في ذلك القدس، والجولان، و.. مزارع شبعا!)، مقابل أيّ طراز من «الغرام» العربي ـ الإسرائيلي؛ خصوصاً إذا كان على غرار التجربة الإسرائيلية مع مصر والأردن: تطبيع مع الأنظمة الحاكمة، وعزلة تامّة عن الشعوب؛ بل حرج دائم مع الأنظمة، ومقت دائم من الشعوب.
فعلى أيّ شارون آخر، بنيامين نتنياهو مثلاً، كانت قمّة البحر الميت تتلو مزاميرها!