ماجد عبدالنور |

انقسم التعليم في سوريا إلى عدة أقسام، فرضها الواقع الجديد بعد الأحداث الأخيرة التي تعصف في البلد، حيث اتبعت القوى المتصارعة مناهج جديدة، يسعى كل طرف فيها لتثبيت مفاهيمه، وفرض أيديولوجيته وغرس أفكاره على المجتمع الواقع تحت سيطرته، فيما الأطفال هم الخاسر الأكبر في هذا الصراع.
وفي نظرة عامة على واقع التعليم في سوريا، نجد أنه منقسم لأربعة أقسام توزعت على أربعة مناطق نفوذ، حيث يسعى كل طرف لنشر ثقافته وتأكيد أحقيته في الحكم، من خلال منهاج تعليمي مغاير عن خصومه يخدم تطلعاته.
المناهج المتبعة في مناطق سيطرة النظام مازالت قائمة في أغلبها على تمجيد القائد، فالطالب في جميع المراحل لابد له أن يدرس مادة «القومية» وهي مادة أساسية في المنهاج المتبع، فحواها دراسة شاملة لحزب البعث الحاكم، وغرس أفكاره ومبادئه وشعاراته في نفوس الطلاب، وإجبارهم على الانتساب لهذا الحزب عبر منظمات وفعاليات تنبثق عنه وتتماشى مع المراحل الدراسية، كمنظمة طلائع البعث في المرحلة الابتدائية ومنظمة شبيبة الثورة في المراحل المتقدمة، يخضع فيها الطلاب لمعسكرات يرددون فيها شعارات تمجيد البعث والقائد الاوحد والتغني بإنجازاته وبطولاته، كنوع من غسيل الأدمغة وصنع جيل يخدم أجندات النظام.
أما في مناطق سيطرة المعارضة فمازال واقع التعليم مضطرب ونظامه غير واضح، كون هذه المنطقة غير مستقرة، وتتعرض للقصف المتواصل الذي سبب تدمير مئات المدارس ومقتل الكثير من الأطفال، ومع ذلك قامت الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف المعارض بطباعة مناهج جديدة، اعتمدت فيها على جزء من المنهاج القديم، وغيرت في الكثير من المواد الأخرى التي تحوي أفكار النظام، كما قامت الحكومة المؤقتة بإصلاح الكثير من المفاهيم الخاطئة في التاريخ والجغرافيا والشريعة، كان النظام قد حرّفها لأهداف سياسية، كما أُزيلت الصور والخطابات التي تمجد القائد في المواد التي بقيت مشتركة مع منهاج النظام، واعتمدت الشعارات المدرسية للطلاب، على العبارات الثورية كالحرية ومحاربة الاستبداد والتغني بأفعال الثوار.
وفي الشمال الشرقي حيث مناطق سيطرة القوى الكردية، عملت هذه القوات على تعليم أبنائها اللغة الكردية التي كانت ممنوعة سابقاً، وقامت الإدارة الذاتية لحزب الاتحاد الديموقراطي بتأليف المنهاج وطباعته باللغة الكردية، كما قامت بتدريب مدرّسين لكل المراحل الدراسية إضافة إلى ذلك قامت الإدارة الذاتية بطباعة الكتب الكردية باللغة اللاتينية بدل الأحرف العربية، واعتمدت الإدارة على تدريس مادتي الديانة المسيحية والإيزيدية، إلى جانب الديانة الإسلامية.
يختلف الأمر في مناطق سيطرة تنظيم داعش بشكل كامل، حيث اعتمد التنظيم في مناطق سيطرته على نهج خاص في التعليم محوره الأساسي «العلوم الدينية» وإلغاء الكثير من المواد الأخرى بذريعة أنها مواد كفرية، وأبقى التنظيم على اللغتين العربية والإنكليزية وفق منهاج أشرف على طباعته «للتخاطب مع العالم الخارجي» وتقوم معظم الأفكار التي وضعها التنظيم في المناهج الدينية على تعبئة فكرة الجهاد وإقامة الخلافة، وقتال الكفار والمرتدين، لصناعة أجيال تخدم أجندته، واعتمد التنظيم في مدارسه على إقامة المعسكرات القتالية للأطفال بشكل دائم.
يعكس الواقع الجديد للتعليم في سوريا مدى الانقسام في بنية المجتمع والخطر الكبير في تربية الأجيال على هذا الانفصال والانقسام الحاصل، بما ينبئ بمستقبل أسود، تبقى فيه الصراعات الفكرية تنهش في صميم المجتمع وتخلخل صفوفه، ليبقى مجتمعاً هشاً قابلاً للانفجار والحرب الأهلية في أي لحظة.