يوشك الفصل الأول من الثورة السورية أن يسدل عليه الستار بحدثين جسيمين: مجزرة السويداء، وإعلان النظام عن موت آلاف المعتقلين في أقبيته.

ربما كانت النظرة الأولى للحدثين من دون تبصر فيهما كفيلة بزرع اليأس من إمكانية رفع الستار عن فصلها الثاني، فمجزرة السويداء التي لا يمكن -إلا بفرض قدر كبير من الغفلة- إعفاء النظام الأسدي من قدر كبير من المسؤولية عنها، تؤكد استمرار التواطؤ العالمي على دماء السوريين، وتقول إن أجفان صانعي القرار في العالم لن ترف لرؤية أبرياء يذبحون بأداة النظام الأثيرة: تنظيم داعش الإرهابي.

وإعلان النظام الوقح عن موت آلاف المعتقلين في سجونه تنذر بمحاولة دؤوبة لتبييض صفحته من جرائم كفيلة بوضع رموزه موضع المساءلة أمام المحاكم الدولية.

أما الحدث الأول فهو -على قسوته المفرطة وتبريحه للنفس- ينطوي على بعد آخر ينازع اليأس ويستبدل به الأمل، فالمحافظة التي رفض أهلها طوال سبع سنوات، أن يزجوا أبناءهم في قتال إخوتهم الآخرين بالوطن ، ونأوا بأنفسهم عن المشاركة بالأعمال الإجرامية التي ارتكبها النظام ، وقاموا باستقبال اللاجئين إلى المحافظة طلباً للأمن والأمن من محافظة درعا وغيرها ، كان من الطبيعي – في منطق النظام القاتل – أن تلقى عقاباً قاسيا للعودة إلى بيت الطاعة والخضوع التام لإرادة النظام ، خاصة بعد نمو التوجهات التي أطلقها ” مشايخ الكرامة ” . وقد كشفت هذه الجريمة الشنعاء جوهر موقف النظام من جميع السوريين الأحرار ، وفضحت نفافه ونفاق محازبيه وداعميه بأنه يحمي الأقليات ويحارب الإرهاب . إن جريمة السويداء يراد منها استهداف سويداء الوطنية السورية والتماسك الاجتماعي لأبناء المحافظة . والرد يكون باستعادة التضامن الوطني مع السويداء والتماسك الاجتماعي فيها ، وهو ما يحصل . ولن ينسى السوريون أن جبل العرب كان بيت الوطنية السورية في الثورة السورية الكبرى ومقارعة الاحتلال الفرنسي في القرن الماضي ..

نقول إن أهل السويداء بعد المجزرة البشعة لا يمكن إلا أن يدركوا حقيقة هذه الجريمة وأهدافها وأبعادها . ويمكن لهذه الجريمة أن تكون مفصلاً لاتخاذ قرار بأخذ دور أساسي في الفصل الثاني من فصول الثورة السورية؛ لأن قرار التحصن بالبنية الداخلية لم يمنع النظام من التسلل إلى مكامن الأمان فيها عبر إحداث صدوع لم يكن عصيًا عليه إحداثها، في ظل إرادة دولية بإعادة تأهيله، ولأن البنية الداخلية ترس من ورق إذا لم تستمد قوتها من حيزها الوطني الثائر ..

وإعلان النظام عن أسماء معتقلين قضوا في أقبيته على الرغم من صفاقته التي لا نستغربها بقدر ما يدهشنا صمت العالم عنها، يؤكد أن السنوات السبع العجاف قد قطعت طريق العودة أمام النظام الذي يمنّي نفسه بالعودة كما كان.

فلا يمكن لسوري يملك ذرة من ضمير أن يقبل التعايش مع نظام لا يستحيي من الإفصاح عن قتله لآلاف المعتقلين على مرأى ومسمع العالم، ويرفع يده المغموسة بالدم، وهو يشير بها مفتخرًا بانتصاره الوهمي.

إن ما ينطوي عليه الحدثان من إمكانية زرع لليأس يشرع بابًا كبيرًا للأمل، فأهل جبل العرب الأصلاء، أصحاب الباع الطويل في النضال الذي خاضه السوريون عبر مراحل تاريخهم لا يمكن ألا يوقظهم الحدث على حقيقة استحالة الحفاظ على وجودهم معزولًا عن وجود أشقائهم السوريين، وعلى وهم إمكانية تحقيقه في ظل نظام مستعد لسفك دمائهم في سعيه المحموم للبقاء على جماجم السوريين ..

وأرواح المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب لا يمكن ألا تثبت استحالة دعاوى التعايش مع مجرمين بالمعنى القانوني للكلمة، وستظل أرواحهم الطاهرة تطلب الثأر، وستظل تلهم كل ذي ضمير حي أن سورية الجديدة لن تكون مكانًا صالحًا للعيش بوجود بشار الأسد وزمرته.

وربما كان تزامن الحدثين مع رحيل مي سكاف المفاجئ في باريس يمنح نهاية الفصل الأول رمزية أخرى، فمي التي أدمت القلوب برحيلها وهي تردد: “إنها سورية العظيمة وليست سورية الأسد” كانت في رحيلها في المنفى، وهي تصدح بشعار الحرية تعلن عن حتمية استمرار فصول ثورة الكرامة حتى تحقيق النصر الأكيد.

رئيس التحرير