روزانا بومنصف

لا ترقى المفاوضات التي دعت اليها روسيا أطراف الحرب السورية في استانا يوم الاثنين المقبل بالنسبة الى سياسيين لبنانيين، الى مؤتمر جنيف ولوزان عام 1984 من أجل محاولة التوصل الى اتفاق لوقف الحرب في لبنان، بل قد لا تتعدى في رأيهم تلك الاجتماعات التي كانت تعقد بين اطراف الصراع اللبنانيين وسواهم الفاعلين على الارض، بغية تثبيت هدنة ما او ارساء وقف نار في منطقة ما، خصوصا متى اقتصر المؤتمر في استانا على تثبيت وقف النار وجمع المتحاربين. تجاري مصادر ديبلوماسية عربية السياسيين اللبنانيين رأيهم في مؤتمر استانا، انطلاقا من انه محطة يفترض ان تثبت روسيا من خلالها قدرتها على تثبيت وقف النار. فعندما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف انه لولا تدخل روسيا لكانت العاصمة السورية سقطت خلال أسبوعين، وهو أمر عرف وتأكد في وقتها بعد طلب إيراني بضرورة التدخل، إنما كان يرمي الى ضبط النظام وايران معه الى ان ما حققته روسيا يخولها الضغط من اجل التزام ما تسعى اليه. تقول المصادر الديبلوماسية العربية ان مؤتمر استانا لن يتعدى الاطار المرحلي، وهو على صلة بجملة اعتبارات من بينها تثبيت الموقع وتعزيز الاوراق قبيل تسلم الادارة الاميركية الجديدة مهماتها وإثبات امتلاك روسيا اليد العليا في تقرير مسار الامور في سوريا، خصوصا في ظل قدرتها مع تركيا، من أجل أن تأتي فصائل معارضة تساهم من خلال جلوسها الى طاولة المفاوضات مع النظام في الإقرار بشرعية بقائه واستمراره ومفاوضته.

لكن أيا تكن طبيعة مؤتمر استانا وخلاصته وظروفه، فإن ما تجمع عليه المصادر هو أنه لا يحمل حلا للحرب في سوريا حتى لو بدا ان ثمة متغيرات استفاد منها الرئيس السوري بشار الاسد في ضوء مساعدته من سوريا على استعادة السيطرة على حلب، والذي هو أمر جسيم وخطير. فما يشهده التحضير لهذا المؤتمر من تجاذب بين روسيا وايران وتركيا على دعوة الولايات المتحدة الاميركية من اجل المشاركة، يعكس جانبا كبيرا من عدم نضج الحل، وكذلك الامر بالنسبة الى التناقض بين إعلان ايران رغبتها في عدم دعوة المملكة السعودية للمشاركة في مؤتمر استانا، فيما يعلن وزير الخارجية الايراني من دافوس ان على ايران والسعودية التعاون في شأن سوريا بعد حوار ناجح في شأن لبنان كما قال، ولو ان الموقف قد يرتبط بمحاولة ايران الاستعداد لكل الاحتمالات عشية تسلم الرئيس الاميركي المنتخب مهماته، ونظرا الى موقفه غير المتساهل، أقله من حيث المبدأ مع ايران. هذا التجاذب انما يعكس إقرارا بأن رعاة مؤتمر استانا ليسوا وحدهم من يضمن الحلول في سوريا، ولو تقاطعت مصالحهم على بعض المسائل، في حين أن الحرب السورية اكثر تعقيدا من ان تختصر بجمع فريقي النظام وبعض معارضيه فحسب، على رغم الاقرار بأن الادارة الاميركية السابقة برئاسة باراك اوباما سلمت الوضع السوري لروسيا. ففي أفضل الاحوال ثمة عوامل لا بد من توافرها للحل في رأي مجموع السياسيين اللبنانيين والمصادر الديبلوماسية العربية على حد سواء، من بينها حتمية الإقرار بأن الحرب في سوريا لا تزال مفتوحة على أجل غير محدود، ولا يتوقع ان يكون قريبا في أي حال، على رغم المتغيرات الميدانية التي شهدتها. يضاف الى ذلك، الاقتناع الجازم والحاسم بأن من يحسم في سوريا الى جانب النظام هو روسيا وايران اللتان تتنافسان على إبراز من أنقذه من الانهيار والسقوط تحت ذرائع مختلفة. فليس هناك ما يؤكد حتى الآن ان النظام يمكن ان يقف وحده، ولا ان يستعيد أي منطقة ويثبت فيها وحده، وهو يستمر في حاجة الى داعميه الاقليميين والدوليين من أجل أن يحافظ على سيطرته على العاصمة والمدن التي استعاد السيطرة عليها، علما أن التقارير الاستخبارية التي تملكها عواصم عدة لا توحي بأن الوضع قابل للتغيير على رغم الجهود الروسية والايرانية في هذا الاطار. وفي أي حال، فإن بقاء أي قوة أجنبية في أي بلد، وهي على علاقة بالحرب ومنخرطة فيها الى جانب فريق، كما حصل مع ايران وكل التنظيمات التي تدور في فلكها، أو مع روسيا التي قد تبقى بموجب الاتفاقات التي عقدتها من أجل قواعدها العسكرية، يشكل استمرارا للحرب، لعدم قبول الشعب بقوات أجنبية تتحكم فيه او في قراره على أي صعيد، متى كان هناك حلول فعلية. وإذا كان تمديد روسيا وايران للاسد في منصبه أشهرا او سنوات اضافية وربما حتى نهاية ولايته في 2021 وفق ما يسري في كواليس التفاهمات مع تركيا مثلا، وفي ظل التسليم الاميركي بأن لا بديل راهنا، فإن ذلك يشكل مؤشرا الى أن الحرب لن تنتهي في الامد المنظور، وربما حتى هذا التاريخ، انطلاقا من واقع أن الحل لا يمكن ان يلحظ بقاء الاسد باعتباره مسؤولا معنويا ان لم يكن مسؤولا مباشرا عن سقوط ما يزيد على نصف مليون قتيل في سوريا. فالحلول السياسية لا تأتي مع ابقاء اسباب الازمات أو المسببين في مراكزهم من جهة، كما ان الحلول السياسية يفترض بالحد الادنى ان تلحظ اعادة نظر في نظام الحكم لجهة تأمين مشاركة جميع الفئات على قاعدة من العدالة والمساواة.
ثمة انتظار من جهة أخرى لتسلم الرئيس الاميركي المنتخب منصبه لتبيان مسار الامور في المنطقة، على رغم أمل مراقبين كثر بأن تبقى الامور على سوئها، لا أن تغدو أسوأ حالا في المرحلة المقبلة. لكن بين موقفه المرن من روسيا والمتشدد ازاء ايران، يخشى كثر تصلبا ايرانيا قد ينعكس على مستويات عدة.

النهار