بيروت: يوسف دياب موسكو: طه عبد الواحد

لم تحقق الهدنة الإنسانية التي أعلنت عنها روسيا من جانب واحد في مدينة حلب السورية، هدف موسكو منها، والذي يقضي بخروج المسلحين من الأحياء الشرقية للمدينة، رغم دخول الهدنة حيّز التنفيذ منذ الساعة الثامنة من صباح أمس الخميس بالتوقيت المحلي، لكن الضغط الدولي المتزايد على القيادة الروسية حمل الرئيس فلاديمير بوتين إلى تمديدها لـ24 ساعة إضافية، علما بأن الأمم المتحدة طلبت استمرارها حتى الاثنين لتتمكن من إدخال المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة.

وأظهر البث المباشر لكاميرات وضعتها وزارة الدفاع الروسية لمراقبة ممرات الخروج أن الحركة على تلك الممرات كانت معدومة فعليًا، وظهر عبر الكاميرا على المعبر المخصص للمسلحين، وقوف قافلة تضم في مقدمتها سيارة جيب وخلفها خمس حافلات، ثلاث منها صغيرة (ميكروباص) وحافلتين كبيرتين لنقل المسلحين، ولم يظهر وصول أي مسلح إلى تلك النقطة. ولم يكن الحال أفضل عند معبر آخر لخروج المدنيين، إذ اقتصرت الحركة هناك بصورة رئيسية على عدد من جنود النظام وبعض الصحافيين فضلا عن أشخاص يبدو من زيهم أنهم من الهلال الأحمر.

وبينما لم تفصح بدقة وبشكل رسمي عن خططها لما بعد الهدنة، أكد برلماني روسي أن القوات الروسية وقوات النظام ستطلقان عملية للقضاء على كل المقاتلين في المدينة. ونقلت صحيفة «إزفستيا» عن فرانتس كلينتسيفيتش، النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع والأمن في المجلس الفيدرالي الروسي، قوله، إن روسيا «وعبر تلك الهدنة تهيئ ظرفا مناسبا ليتمكن المدنيون من الخروج من منطقة العمليات القتالية. وتتيح فرصة كذلك للمقاتلين»، مؤكدا أنه «بعد الهدنة الإنسانية ستبدأ عملية التطهير»، معربا عن يقينه بأنه «لن يكون من السهل عندها اتهام روسيا بأنها لا تأخذ مصالح المدنيين بالحسبان». وتستبق الصحيفة الروسية الأحداث وتقول إن «الخبراء الروس يتوقعون رد فعل سلبيا من جانب الغرب على عملية التطهير الواسعة لمدينة حلب بعد الهدنة الإنسانية».

وكانت اشتباكات مسلحة اندلعت بعد دقائق من سريان الهدنة، عند معبر محدد بموجب هذه الهدنة لإجلاء مقاتلين ومدنيين من الأحياء الشرقية، وهو معبر سوق الهال الواقع بين حي بستان القصر من الجهة الشرقية الواقع تحت سيطرة المعارضة، وحي المشارقة من الجهة الغربية الواقع تحت سيطرة النظام، إلا أنها لم تطح بالهدنة التي ترغب كل الأطراف باستمرارها، وقد تعهدت موسكو أمس بتمديدها حتى مساء السبت، وفق ما أكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة ينس لاركي، وذلك بعد أن قدمت دمشق تعهدا مماثلا. وقال: «لقد أبلغت روسيا الأمم المتحدة بأنها ستلتزم هدنة مدتها 11 ساعة في اليوم، على مدى ثلاثة أيام، اعتبارا من الخميس»، مستدركًا «لكن وبما أن الأمم المتحدة لن تكون قادرة على بدء عمليات إجلاء الحالات الطبية قبل الجمعة (اليوم) فقد طلبنا تمديد الهدنة لتشمل يوم الاثنين».

ورغم مرور يوم كامل على سريان وقف النار، لم يسجّل خروج أو إجلاء مقاتلين أو مدنيين راغبين بمغادرة الأحياء الشرقية، عبر أي من الممرات الثمانية التي حددتها ممرات لخروج الراغبين بمغادرة حلب، اثنان منها للمقاتلين، هما طريق الكاستيلو شمال حلب وسوق الهال في وسط المدينة. في وقت قال عضو المكتب السياسي في «حركة نور الدين زنكي» المعارضة ياسر اليوسف لوكالة «الصحافة الفرنسية» إن «المبادرة الروسية لا تعنينا بالمطلق». وسأل «من هم حتى يقرروا تهجير الشعب السوري الثائر ضد الديكتاتور الأسد؟». وأردف اليوسف «لن نتخلى عن حقنا في الدفاع عن أهلنا وعن أنفسنا أمام آلة القتل الروسية والنظام».

في هذا الوقت، أعلنت الأمم المتحدة أمس الخميس، أن روسيا أبلغتها بأنها «ستتوقف عن قصف شرق حلب 11 ساعة يوميا لأربعة أيام لكن هذا لا يكفي للتوصل لاتفاق أوسع لخروج مقاتلي المعارضة من المنطقة السورية المحاصرة». وأبدى مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، ترحيبه بتوقف القتال حتى يتسنى إجلاء الجرحى والمرضى، لكنه قال: إن اتفاق وقف إطلاق النار «يتطلب أيضا أن يوافق مقاتلو جبهة فتح الشام على مغادرة المدينة وأن تضمن الحكومة السورية بقاء الإدارة المحلية».

وعبر يان إيغلاند مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية عن أمله في «إخراج أول دفعة من عدة مئات من المرضى والمصابين غدًا (اليوم) الجمعة ونقلهم إما إلى غرب حلب الخاضع لسيطرة الحكومة أو إلى إدلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة». وقال إيغلاند إن الأمم المتحدة «ترغب في أن يمتد وقف إطلاق النار حتى الاثنين وأنه لم يتم التوصل بعد لاتفاق على إدخال مواد غذائية للمنطقة المحاصرة لكن المنظمة تعمل على مدار الساعة للحصول على التصاريح اللازمة من الحكومة السورية».

وطلبت روسيا وساطة تركيا، للمساعدة على إجلاء مقاتلي «جبهة فتح الشام» من أحياء مدينة حلب الشرقية، وقد عزت المعارضة السورية هذا الطلب إلى ضغوط تمارسها واشنطن لتمرير هذا الطلب الروسي، وأكد عضو الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة أحمد رمضان، أن «هناك ضغوطا أميركية في هذا الاتجاه وذلك لتمرير الطلب الروسي والذي يستخدم قضية (فتح الشام) كذريعة لاستمرار الحصار والقصف». وقال رمضان لـ«الشرق الأوسط»: «نعتقد أن الدول الداعمة وفي مقدمتها السعودية وتركيا وقطر مدركة لذلك، وتريد سحب الذريعة من التداول، كما تسعى لطرح قضية الميليشيات الإرهابية الإيرانية التي تقاتل مع سلطة بشار، التي يبلغ عدد مقاتليها 18 ألفا من الحرس الثوري والحشد الشعبي التابع لسليماني والعبادي»، معتبرًا أن «أولوية السياسة التركية الآن ترتيب المنطقة الآمنة بين جرابلس وأعزاز وبعمق 45 كيلومترًا، أما ملف حلب فهو يتم تحريكه من موسكو وواشنطن».

وترى المعارضة أن هدف موسكو والأسد هو إخلاء المناطق التي تسيطر عليها من المدنيين حتى يسهل السيطرة على المدينة بأكملها. وقال عمار القرن أحد سكان حي الصاخور «يتحدثون عن ممرات إنسانية، لكن لماذا لا يسمحون بدخول الغذاء إلى شرق حلب المحاصر للتخفيف من معاناتنا، نريد فقط أن تكف القذائف الروسية عن قتل أطفالنا، ولا نريد المغادرة».

وسخر أحمد رمضان من المعلومات التي تتحدث عن اتفاق يرمي إلى إخراج كل مقاتلي المعارضة والمدنيين من حلب الشرقية، وأوضح أن هناك «حملة إشاعات يبثها إعلام بشار الأسد وروسيا بشأن حلب، والواقع أنه لا أحد سيغادر مدينته من مدني أو ثائر، والتنسيق مع الأمم المتحدة يركز على إخراج 200 جريح مع إعطاء الأولوية للأطفال الذين أصيبوا نتيجة الغارات الوحشية لطيران بوتين».

وبرأي عضو الائتلاف السوري، أن «قضية فتح الشام ليست إلا ذريعة وغطاء للتهجير القسري، إذ تم في ريف دمشق تهجير أهالي داريا ثم قدسيا والهامة ومؤخرًا المعضمية دون أن يكون هناك أي وجود لعناصر فتح الشام، كما أن المناطق المحاصرة الآن والتي يمنع عنها الغذاء والدواء تضم مدنيين ومقاتلين من الجيش الحر». وقال أحمد رمضان «من العار على المجتمع الدولي أن يترك أكثر من نصف مليون سوري محاصرين للعام الثالث على التوالي، بينما يتعامل مع ذرائع روسيا للهروب من آثار عدوانها الهمجي على الشعب السوري وأطفاله».

من جهته، شكك الناشط المعارض في حلب عاهد السيّد، في قبول أي فصيل بما فيها «حركة فتح الشام» من حلب. وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «كل الفصائل الثورية تعرف تمامًا أن المقصود ليس إجلاء مقاتلي (فتح الشام) الذين لا يتعدى عددهم الـ300 مقاتل، إنما يريدونهم ذريعة للمطالبة بخروج كل الثوار». وسأل «كيف يطلب دي مستورا بخروج مقاتلي (فتح الشام) ولا يطلب خروج الميليشيات الإيرانية الإرهابية التي ترتكب المجازر بحق الأطفال والنساء والشيوخ بخلفيات مذهبية».

وكشف عاهد السيد وهو قريب من حركة «أحرار الشام»، أن «كل الفصائل المرابطة في أحياء حلب الشرقية ترفض الشروط الروسية المطالبة بمغادرة مسلحي (فتح الشام) إلى إدلب». وسأل «هل المطلوب تحويل إدلب إلى تورا بورا جديدة؟ وإذا كانت مشكلة الروس مع المسلحين، لماذا يطالبون المدنيين بالمغادرة؟». وقال: «بعد التركيز على (فتح الشام) بدأنا نسمع أصواتا مطالبة بإلحاق (أحرار الشام) بها وتصنيفها مجموعة إرهابية»، مؤكدًا أن «مزاعم الروس والنظام بالتفريق بين المعارضة والإرهاب، ليست إلا واجهة للتهجير القسري الذي يبدأ بالمسلحين وينتهي بآخر مدني».

وكانت روسيا قد تعرضت لموجة انتقادات عالمية حادة على خلفية القصف العنيف لمدينة حلب، وكانت هذه المسألة حاضرة خلال محادثات الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مساء أول من أمس، في برلين. وحسب صحيفة «كوميرسانت» الروسية فقد «حاول هولاند وميركل إقناع بوتين بوقف القصف على مدينة حلب، فأجاب بأن أحدا لا يقصف حلب الآن»، وأضاف بوتين، حسب الصحيفة، متسائلا: «لماذا يحق للأميركيين قصف قافلة للجيش السوري ولا يحق للقوات الروسية والسورية قصف (جبهة النصرة)»، داعيا إلى «الفصل بين المعارضة والإرهابيين، وانتظار كيف ستتطور معركة الموصل من دون القصف الذي قد يصيب مدنيين».

وكان الرئيس الروسي قد أعلن في تصريحات عقب محادثات برلين أنه أطلع هولاند وميركل على الرؤية الروسية لكيفية اجتثاث الإرهاب نهائيا من سوريا، وتناول معهما الجانب السياسي، مذكرا بأن «روسيا تقترح تفعيل العمل على وضع وتبني دستور جديد، تجري انتخابات بموجبه تحدد مواقع كل طرف من أطراف النزاع».