مراجعة كتاب: الإسلام والسياسات في الشرق الأوسط، شرح آراء المواطنين العاديين

541
0

مراجعة: مناف الحمد

المؤلف مارك تسلر: أستاذ العلوم السياسية في جامعة مشغن، ومتخصص في السياسة المقارنة ودراسات الشرق الأوسط، من العلماء الأميركيين القلائل الذين عاشوا فترات طويلة في العالم العربي.

كتاب “مارك تسلر”، الصادر باللغة الإنكليزية، عام 2015، يتميّز بكثرة متغيرات البحث، التي منحته قدرة كبيرة على الإحاطة بظاهرة العلاقة بين المواطنين العاديين، والإسلام السياسي من جوانب عديدة.

اعتمد الكاتب التحليل ثنائي المستوى؛ فلم يكتف بالمستوى الميك [الجزئي] (الأفراد)، وإنما أخذ في الحسبان المستوى الماكروي [الكلي] (أحوال البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية)، ومتغيراته، وعدّها شروطًا تؤثر في علاقة المتغيرات ببعضها بعضًا، على المستوى الفردي.

في مقدمة الكتاب المسهبة بعنوان “انحدار وانبعاث الإسلام في القرن العشرين”، يحدّد الكاتب فيه بؤرة تركيز الكتاب، على أنها الحاجة إلى تحديد “مكان الإسلام” في الحكومة والشؤون السياسية.

ويعرض الكاتب مرحلتين مفصليتين: جرى في الأولى تحول باتجاه الابتعاد عن الإسلام في الشرق أوسط وشمال أفريقيا:

– في تركيا: بسبب تدخلات العسكر في الحياة السياسية؛ بحجة الدفاع عن العلمانية والوحدة القومية.

– في إيران: بسبب المواجهات بين الشاه ورجال الدين.

– في العالم العربي: بسبب ظهور الاشتراكية العربية، منتصف الستينيات، والتي جعلت النقاشات عن الإسلام، لا ترى مستقبلًا له، إلا ضمن إطار اشتراكية عربية، وهو ما كان على الحركات الأصولية أن تكيف نفسها معه، أو أن تختار الصراع المدمر.

أما المرحلة المفصلية الثانية؛ فهي مرحلة انبعاث الإسلام، لعدة أسباب، يذكر منها الكاتب:

حرب 1967، وازدهار أسعار النفط في السبعينيات، والارتباط بالإسلام، ومحاولة نشر الوهابية، وهو نشاط لم يكن يصدر عن اعتقاد محض، _بحسب ما يقوله الكاتب، _وإنما كان مدفوعًا _جزئيًا_ بالرغبة في مواجهة الأيديولوجيات التي عدّتها السعودية تهديدًا لأمنها القومي.

في الفصل الأول بعنوان: “دراسة ثنائية المستوى للمواقف تجاه الإسلام السياسي، البيانات والطرق”، يبدأ الكاتب بتحديد وحدة التحليل في بحثه، وهي الفرد؛ وذلك، من أجل الحصول على فهم أكبر للسياسات، من خلال التعامل معهم كأفراد عاديين، وليسوا انعكاسًا لنماذج ثقافة رسمية، أو تيارات أيديولوجية.

ويشير إلى أن مقاربة اختزالية، قد وسمت الأبحاث التي تتعامل مع العرب والمسلمين في الشرق الأوسط، وهي مقاربة تنتج تعميمات، قائمة على أساس خاطئ، فحواه: أنه يمكن شرح توجهات المواطنين والتنبؤ، بها من معرفة السمات الأساسية للثقافة العربية الإسلامية، في إغفال للاختلافات المهمة بين البلدان، وضمن البلد الواحد.

اعتمد البحث على عدة مصادر، منها البارومتر العربي[1]، وعلى مسح القيم العالمي، وهو شبكة تمسح الاتجاهات الاجتماعية والسياسية والثقافية للمواطنين العاديين، كلّ خمس سنوات، منذ العام 1990، وسلسلة استطلاعات نفذّها الكاتب، بدعم من مؤسسة العلوم القومية في أميركا.

أما البيانات، فقد جمعت من 15 بلدًا، عبر تنفيذ 44 استطلاعًا، وتضمنت أسئلة عن دور الإسلام في الحكومة، والعلاقات السياسية، وأسئلة عن الممارسة والاعتقاد الدينيين، وحول تفسير القوانين الإسلامية.

تحتوي البيانات على 67680 رجلًا وامرأة عاديين، فوق سنّ الـ 18، مصنّفين بحسب البلد، وبحسب العام.

أربعة من هذه الاستطلاعات نفذت قبل عام 2000، والأخرى نفّذت بشكل متساو، بين عامي 2000 و2011.

تميزت البيانات بشموليتها الجغرافية، وشمولية معلوماتها؛ إذ تحتوي على إجابات عن 235 سؤالًا من أهمها: تفضيلات النظام السياسي، وتقييم النظام الحاكم، ووضع المرأة، والمساواة بين الجنسين.

أما فيما خصّ الإسلام؛ فتتضمّن البيانات أسئلة متعددة، في ثلاثة أبعاد:

– الورع الشخصي.

– وجهات نظر حول مكان الإسلام في الشؤون السياسية.

– أحكام حول تفسير القوانين الإسلامية، مع تركيز أعمق على ما يفكّر به المواطنون العاديون بخصوص دور الإسلام السياسي والاجتماعي.

ومن ميزة البيانات تضمّنها خصائص على مستوى قطري، كالسمات السياسية، مثل: درجة الحرية السياسية، والحرية الدينية، والفساد، وبعض السمات الاقتصادية، مثل: الناتج المحلي الإجمالي، ومستويات البطالة، وسمات خاصة بالتنمية البشرية والاجتماعية، كمحو الأمية، ونسب الالتحاق بالمدارس، وبعض المتغيرات الديموغرافية، كنسبة السكان في المناطق المدنية، ونسبة السكان تحت سن ال 15.

خصائص البيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، على المستوى القطري، تعامل كمحدّدات، تؤدي دورًا في تشكيل المواقف الفردية من مكان الاسلام في الشؤون السياسية.

اعتمدت الاستطلاعات على مقابلات شخصية، وعلى استطلاعات، اعتمدت على عينات عنقودية، انتقيت بمساعدة مراكز دراسات وأبحاث ومؤسسات حكومية.

ففي مسح فلسطين عام 2003، مثلًا أخذت عينة عنقودية، ذات ثلاث مراحل، بالاعتماد على إحصاء رسمي لعام 1997، وقسمت فلسطين إلى عدة طبقات، تمثل كل طبقة مدنًا وبلدات وقرى و16 مخيم لجوء، كما قسمت فلسطين أيضًا إلى عدة عناقيد، كل واحد منها يحتوي على عدد من العائلات، من 80 إلى 110 عائلة.

وقد ساعد إحصاء 1997 في إعطاء بيانات تفصيلية عن العوائل.

نظمت العناقيد، وفقًا للحجم والموقع الجغرافي؛ لكي يُتأكد من تمثيلها كل الطبقات.

وبعد أن اختيرت العناقيد في الضفة الغربية وغزة انتُقي أحد عشر منزلاً، وكان حجم العينة الكلية 1320 بالغًا، أما المرحلة الثالثة من عملية أخذ العينات؛ فقد كانت ضمن المنزل الواحد، حيث تم اختُير عضو الأسرة البالغ من العمر أكثر من 18 عشر سنة؛ لكي يكون الشخص الذي تُجرى معه المقابلة.

وفي تونس والعراق والأردن ومصر كذلك، اعتُمدت عينات عنقودية متعددة المراحل.

وقد استخدم الكاتب التحليل العاملي؛[2] للتعامل مع أسئلة بثلاثة بنود، وتحليل الارتباط؛ للتعامل مع أسئلة ببندين، وهو ما يُستخدم لقياس العلاقة بين متغيرين.

في الفصل الثاني بعنوان: “الإسلام في حياة المسلمين العاديين”، يلفت الكاتب إلى أن الاسلام أحد أهم العوامل المشكّلة للسمة الكلية، لمجتمعات الشرق الأوسط المسلمة، ولكن من الخطأ عدّ هذا الدور للإسلام ليس متباينًا في حياة الناس في البلدان ذات الأكثرية المسلمة؛ فالعائلة المسلمة الأنموذجية غير موجودة فعليًا، نظرًا لأن بعض المسلمين يعيشون في عائلات ممتدة في القرى، وآخرين في عوائل نووية في المدن.

مسلمو الشرق الأوسط يختلفون في الجغرافيا، والإثنية، والطبقة، والجنس، والعادات المحلية، وربما تشعر طبقة عليا مسلمة بوجود قواسم مشتركة مع أعضاء طبقتها بمن فيهم المسيحيون، في بلد آخر، أكثر مما لديهم مع طبقة دنيا في بلدهم.

يوفّر هذا الفصل معلومات عبر بلدان مختلفة، وأزمنة مختلفة، حول طبيعة وتوزيع الاتجاهات المتعلقة بالإسلام، وهي:

التدين الشخصي، وقد عمد الكاتب إلى قياس هذا الاتجاه عبر خمسة أسئلة:

– بغضّ النظر عن ذهابك إلى الأماكن الدينية، أو عدم ذهابك، هل تعدّ نفسك متدينًا؟

والأجوبة موزّعة على الشكل التالي:

نعم ______ نوعًا ما ______ لا لست متدينًا ______

– كيف تصلي عادة؟

بانتظام كل يوم ___________  أحيانًا ____________  نادرًا، أو لم أصلّ قط _________

– كم مرة تقرأ من القرآن عادة؟

كل يوم، أو تقريبًا كلّ يوم ___________ عدة مرات في الأسبوع ______ نادرًا، قطُّ ________

– هل تشترط أن يكون الزوج الملائم لابنك أو ابنتك مداومًا على الصلاة؟

مهم _______ مهم نوعًا ما _______  مهم قليلًا __________ ليس مهمًا ___________

– أي من التالي يصفك بشكل أفضل؟

فوق كل شيء أنا مسلم _______ فوق كل شيء أنا عربي _______________

وكانت النتائج أن من 60 إلى 65 في المئة، من مواطني البلد المسلمين، متدينون، ويصلّون بانتظام، ويقرؤون القرآن بشكل متكرّر، ويصرّون على تزويج أبنائهم من شريك يصلّي، ويعدّون الدّين العنصر الأكثر أهمية في هويتهم.

بينما من 10 إلى 15 في المئة لا يصلّون، أو يصلّون نادرًا، ونادرًا ما يقرؤون القرآن، وغير مبالين بتدين شريك الزواج، ويعرفون أنفسهم بقوميتهم قبل كل شيء.

ثم قام الكاتب بقياس التباين عبر البلدان معتمدًا على متغيرين ديموغرافيين، هما: وجود سكان من الشيعة؛ وذلك، بمقارنة مستويات تدين مواطني إيران والعراق والبحرين ولبنان واليمن والكويت، بمستويات تدين إجمالي مواطني تسع دول أخرى.

أما المتغير الثاني، فهو نسبة السكان الذين يعيشون في المدن، حيث اعتمد الكاتب معيارًا اللبدان الأقل تمدنًا، بأنها البلدان التي لا يشكل فيها سكان المدن أكثر من 68 في المئة، ومن بين هذه البلدان، اليمن والسودان والمغرب والجزائر ومصر والعراق وإيران وتركيا عام 2001

أما من بين البلدان الأكثر تمدنًا، فالسعودية والأردن ولبنان وفلسطين، وتركيا في وقت لاحق، مع دول الخليج: الكويت وقطر والبحرين.

وأظهرت النتائج أن السمتين الديموغرافيتين المذكورتين، لا تشكّلان شروطًا لزيادة أو نقصان التدين الشخصي، لرجال ونساء عاديين، في بلدان ذات أكثرية مسلمة، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وأُجريت المقارنة أيضًا باستخدام مستويات التنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية؛ حيث استُخدم الناتج المحلي الإجمالي لقياس الأول، ومعدلات التنمية البشرية للأمم المتحدة؛ لقياس التنمية الاجتماعية والبشرية.

وقد أظهرت النتائج أنْ لا توجد علاقة متّسقة بين السمة الديموغرافية للبلد، أو مستوى التنمية، وبين التدين الشخصي الإجمالي لسكانه.

ولقياس التباين الزماني، أُجريت استطلاعات في فترتين زمنيتين: الأولى في 2006 وما قبلها، والأخرى في 2007 وما بعدها.

وتبين أن هناك فروقًا مهمة في التدين الشخصي الإجمالي، كتابع للزمن، فهو في 2006 أعلى منه في 2007؛ فنسبة 71 في المئة، في هذه الفترة، يصفون أنفسهم بأنهم متدينون، و52 في المئة في 2007، يصفون أنفسهم بذلك.

وما يتعلق بالهوية، فإنّ 72 في المئة، في 2006 وما قبلها، يصفون أنفسهم بأنهم مسلمون فوق كلّ شيء، بينما 59 في المئة فقط، عام 2007 وما بعده، وصفوا هويتهم بهذه الطريقة.

أكثر من نصف السكان، وأقل من ثلثيهم، متديّن، ونسبة لا تزيد على 15 في المئة، ولا تقل عن 10 في المئة، ليست متدينة، وبقية السكان، 20 في المئة منهم، وأحيانًا 30 في المئة، متدينون إلى حد ما.

ولقياس التباين بين الأفراد، عمد الكاتب إلى انتقاء ثلاثة متغيرات، هي:

المستوى الاقتصادي، المستوى التعليمي، العمر.

وكانت الاحتمالات الموضوعة لقياس المستوى الاقتصادي:

راض،                لا راض ولا غير راض،               غير راض.

وهي مقاسة بمستوى الدخل الشهري للمستجوب.

وأثبتت النتائج أن التدين الشخصي متقارب، بين المواطنين العاديين والمتأرجحين وغير الراضين، فلا يتباين مستوى التدين الشخصي إلى حد كبير، كتابع للرضا الاقتصادي، وإن كان الراضون عن وضعهم الاقتصادي أقل تدينًا _بقليل_ من غير الراضين.

والنتيجة نفسها للمستوى التعليمي، فلا يتباين التدين الشخصي _بشكل كبير_ كتابع للمستوى التعليمي.

أما ما يتعلق بالمتغير الثالث، وهو العمر؛ فقد أثبتت النتائج أن الأصغر أقل تدينًا، وهو ما يطرح سؤالًا ًعن إمكانية تغييرهم رؤاهم عندما يكبرون، وهل الموقف طبيعي، أم أن التنشئة التي تختلف في هذا الوقت، عن تنشئة من هم أكبر منهم، قادتهم إلى اعتناق رؤية مختلفة؟

وللإجابة عن هذا السؤال يؤكد الكاتب، مستندًا إلى نتائج الاختبار، أن الأجوبة عن معظم الأسئلة التي تقيس مستوى التدين الشخصي، متطابقة في جميع الأعمار، وهو ما يجعله يخلص إلى النتيجة:

إن القيم الاسلامية الأوسع، والارتباطات بالإسلام، ليست أقل وضوحًا بين الشباب مما هي عليه بين الكبار، وإن ما لوحظ من فروق مترافقة مع العمر، متعلقة بمدى المراقبة المفروضة من المحيط، كلّما تقدم العمر، وهي ليست موجودة في علاقة الناس، على اختلاف أعمارهم، بالإسلام بشكل عام.

إن سمات المستوى الفردي نتيجة لما ذكر لا تملك قوة تفسيرية كبيرة.

وكذلك لوحظ أن الفروق بين البلدان، وعبر الزمن، أقل من نقاط التشابه، فيما خصّ درجة التدين الشخصي، والارتباط بالإسلام، على الرغم من أن الفروق كبيرة بين البلدان التي أجريت فيها الاستطلاعات، من حيث التنوع الإثني، ومستوى التمدن، ومستوى الأمية.

في هذا الفصل –أيضًا- يحاول الكاتب استكشاف الدرجة التي يميل فيها المواطنون العاديون، الأكثر محافظة أو الأقل، إلى تفسير التعاليم الإسلامية؛ وذلك عن طريق إجراء 31 استطلاعًا تبدأ بعبارة:

“اليوم، كما في الماضي، لا يوافق المسلمون والفقهاء على تفسير مناسب للإسلام، يكون أكثر استجابة للقضايا المعاصرة”

واختار الكاتب ثلاثة موضوعات؛ لقياس مدى صحة هذه العبارة:

– الحقوق التي يعطيها الاسلام في بلد مسلم لغير المسلمين، يجب أن تكون أقل من الحقوق السياسية للمسلمين.

– الفائدة البنكية انتهاك لتعاليم الإسلام، ويجب أن تمنع في البلدان الإسلامية.

– لا يجوز اختلاط الطلاب والطالبات في أثناء حضور الدروس.

وأظهرت النتائج أن الأجوبة تباينت بحسب الموضوع، فالأكثرية محافظون فيما يتعلق بفوائد البنوك، وأكثر تحررًا فيما يتعلق بحقوق غير المسلمين، وجاءت الأجوبة عن الاختلاط مناصفة بينهما.

وعندما قيس التباين، بخصوص هذه الأسئلة، بين البلدان المختلفة، لوحظ أن التشابهات أكبر بكثير من الخلافات.

والمتغيران الديموغرافيان اللذان اعتُمدا لقياس التباين، وهما نسبة السكان الشيعة، ودرجة التمدن، لم يؤثّرا في توزيع الإجابات السابقة؛ فقد كانت الأجوبة _عبر البلدان_ منقسمة، بين أكثرية محافظة تجاه الفائدة البنكية، وأكثر تحرّرًا تجاه حقوق غير المسلمين، وانقسام متساو –تقريبًا- حول اختلاط الطلاب والطالبات في الدروس الجامعية.

ويرى الكاتب أن الحوادث التي شهدتها المنطقة، قد أثرت في البيئات المحلية والإقليمية، وفي الأفراد وطريقة تفكيرهم بدينهم، ومن أهم هذه الحوادث: غزو العراق، والمواجهات الإسرائيلية الفلسطينية، والانتخابات التي جرت في أكثر من بلد عربي.

جميع هذه الحوادث أدّت دورًا في منح المواطنين فرصة؛ لإعادة التفكير في الدور الذي يجب أن يلعبه الإسلام في المجتمع، وإعادة اختبار أحكامهم في الشخصيات العامة، والحركات التي تمثل تفسيرات تقدمية أو تقليدية، للإسلام.

وقد خرج الكاتب، نتيجة استقصائه، بأن الموقف المحافظ كان أوضح قبل 2006، والموقف الأقل محافظة كان أوضح بعد 2007، ويؤكد الكاتب أن التغيير أصاب قضايا غير مجمع عليها؛ حيث أبدت مقاومة أقل للتغيير بين الفترتين الزمنيتين.

ويؤكد الكاتب ضرورة أن تسعى الدراسات المستقبلية إلى تحديد القدرة التفسيرية للحوادث والتجارب، والربط بينها وبين نماذج التغيرات في الموقف.

ولقياس التباين على المستوى الفردي، أُخذت متغيرات الجنس، والعمر، والمستوى التعليمي، والرضا الاقتصادي.

وكانت النتائج متشابهة، _ إلى حد كبير_، عبر هذه المتغيرات، ما عدا أن الأفراد، ذوي التعليم ما بعد الثانوي، أقل احتمالًا للموافقة على عدّ الاختلاط أمرًا محرّمًا.

النتيجة أن ثلثي السكان يعتقدون أن حقوق غير المسلمين السياسية، في بلد ذي أكثرية مسلمة، لا يجوز أن تكون أقلّ من حقوق المسلمين، وأن ثلاثة أرباعهم يعتقدون أن الفائدة البنكية حرام.

وكان الموقف منقسمًا حول اختلاط الطلاب والطالبات في حضور الدروس الجامعية.

وهي المواقف نفسها تقريبًا في بلدان من دون نسبة شيعة كبيرة أو بوجودها، وفي الأكثر والأقل تمدنًا، وفي بلدان تتمتع بناتج محلي إجمالي كبير أو قليل، وبمعدل تنمية بشرية عال أو منخفض. وفي الفترتين الزمنيتين: قبل 2006، وبعد 2007، وفي أحوال الرضا الاقتصادي الكبير وقلة الرضا، وبين الأكثر والأقل تعليمًا، والأكبر والأصغر سنًا.

 

الفصل الثالث من الكتاب بعنوان “لماذا يتبنى الأفراد رؤى مختلفة عن الدور السياسي للإسلام؟”، درس تأثير رجال الدين على قرارات الحكومة، ووجد أن غلبية بسيطة ترفض تدخل رجال الدين في هذه القرارات، وغلبية بسيطة، تتجاوز النصف بقليل، تعدّ الدين شأنًا شخصيًا، يجب فصله عن الحياة السياسية والاجتماعية.

أما نتيجة الجواب على سؤال: هل يفضّل المواطنون استلام أشخاص، يحملون اعتقادات دينية قوية مناصب عامة؛ فقد أظهرت النتائج أكثرية مؤيدة لذلك.

 

المتغير التابع

هو الأحكام الفردية حول الدور الذي يجب أن يؤديه الإسلام في الحكومة والسياسات.

المتغيرات المستقلة

– التفضيلات الثقافية، وقد انتقي منها _بالتحديد_ الموقف تجاه المساواة بين الجنسين.

– الأحكام السياسية، وبالتحديد، تقويم نظام الحكم للبلد الذي يعيش فيه المستجوب.

– الرفاهية الاقتصادية، مقاسة بالدخل والرضا، أو عدم الرضا، عن الوضع الاقتصادي.

– مستوى التعليم.

 

الفرضيات

الفرضية الأولى:

الأفراد الذين يتبنّون رؤى أكثر محافظة، حول قضايا اجتماعية وثقافية؛ وبالتالي، هم الأقل دعمًا للمساواة بين الجنسين، نجدهم أكثر تبنّيًا لاعتقاد ضرورة أن يكون للإسلام دور أكبر في الشؤون السياسية، من أفراد يتبنّون رؤى أكثر تحررية، داعمة لمساواة أكبر بين الجنسين.

الفرضية الثانية:

الأفراد المستاؤون من أداء وخصائص المؤسسات الحكومية ومسؤوليها، سيفضلون دورًا كبيرًا للإسلام في الحكم أكثر من الأفراد الراضين عن أداء المؤسسات والمسؤولين

ولهذه الفرضية الرئيسة فرضيتان فرعيتان:

الفرضية الثانية (أ)

الأفراد المستاؤون من أداء المؤسسات السياسية ومسؤوليها، سيفضّلون دورًا كبيرًا للإسلام في الحكم، إذا كانوا مواطنين في دول محكومة بأنظمة علمانية.

الفرضية الثانية (ب):

الأفراد المستاؤون من أداء المؤسسات السياسية ومسؤوليها، سيعارضون دورًا كبيرًا للإسلام في الحكم، إذا كانوا مواطنين في بلدان محكومة بأنظمة ذات صلة قوية بالإسلام.

الفرضية الثالثة:

الأفراد بمستويات رضا منخفضة عن وضعهم الاقتصادي يفضّلون أن يكون للإسلام دور كبير في الحكومة، أكثر من أفراد بمستويات رضا عالية.

ولهذه الفرضية الرئيسة فرضيتان فرعيتان:

الفرضية الثالثة(أ):

الأفراد بمستويات رضا منخفضة عن وضعهم الاقتصادي، يفضّلون دورًا كبيرًا للإسلام في السياسة، أكثر من أفراد بمستويات رضا عالية، إذا كانوا مواطنين في بلدان محكومة بأنظمة علمانية.

الفرضية الثالثة(ب):

الأفراد بمستويات رضا منخفضة عن وضعهم الاقتصادي يعارضون أكثر من أفراد بمستويات رضا اقتصادي عالية دورًا كبيرًا للإسلام، إذا كانوا مواطنين في بلد محكوم بأنظمة لها صلة قوية بالإسلام.

الفرضية الرابعة:

الأفراد بمستوى تعليم أقل، يفضّلون أكثر من أفراد بمستوى تعليم أعلى، دورًا كبيرًا للإسلام، بغضّ النظر عمّا إذا كانوا مواطنين في بلد محكوم بنظام علماني، أو ذي صلة قوية بالإسلام.

الفرضية الرابعة(أ1)

الأفراد بمستوى تعليم أقل، يفضلون أكثر من أفراد بمستوى تعليم أعلى، دورًا كبيرًا للإسلام في السياسة، إذا كانوا مواطنين في بلد محكوم بنظام علماني.

الفرضية الرابعة(أ2)

الأفراد بمستويات تعليم أقل، يعارضون أكثر من أفراد بمستوى تعليم أعلى، دورًا كبيرًا للإسلام في السياسة، إذا كانوا مواطنين في بلد محكوم بنظام ذي صلة بالإسلام.

الفرضية الرابعة (ب 1):

الأفراد بمستويات تعليم أعلى، يفضلون أكثر من أفراد بمستويات تعليم أقل، دورًا كبيرًا للإسلام، إذا كانوا مواطنين في بلد محكوم بنظام علماني.

الفرضية الرابعة (ب 2):

الأفراد بمستويات تعليم أعلى، يعارضون أكثر من أفراد بمستويات تعليم منخفضة، دورًا كبيرًا للإسلام، في بلد محكوم بنظام ذي صلة قوية بالإسلام.

لقد دعمت النتائج الفرضية الأولى بالنسبة للرجال الأكبر والأصغر سنًّا وللنساء الأكبر والأصغر سنًّا، وفي نوعي البلدين كليهما: المحكوم بأنظمة علمانية، والمحكوم بأنظمة لها صلة بالإسلام.

كما دعمت النتائج الفرضية الفرعية الثانية (ب)، بالنسبة للمتغيرات الديموغرافية الأربعة، ولم تدعم الفرضية الفرعية الثانية (أ)، إلا في حالة الرجال الأكبر سنًّا.

ودعم التحليل الفرضية الثالثة (أ)، بين النساء الأكبر والأصغر سنًّا ولم يدعمها بين الرجال من الفئتين. كما دعمت النتائج الفرضية الثالثة(ب)، في فئة الرجال الأصغر سنًّا.

دعمت النتائج الفرضية الرابعة، بالنسبة للمتغيرات الديموغرافية الأربعة القائلة: إن الأفراد بمستويات تعليم منخفضة، يكونون أكثر تفضيلًا من أفراد بمستويات تعليم أعلى، لدور كبير للإسلام في الحكومة والشؤون السياسية.

وهناك _بحسب الكاتب_ عاملان يساعدان في تفسير النتيجة:

التعلم والتعرض، فذوو مستوى التعليم الأعلى، يمكنهم الحصول على معلومات من خارج مجتمعهم، والتعرّض لرؤى لم يكونوا يعرفونها من قبل، وإدراك أكبر لكيفية اختلاف الأشياء أما الأقل تعليمًا؛ فهم أقل معرفة، وتعرّضًا للصيغ السياسية العلمانية، ولذلك، سيكونون أكثر ارتباطًا بالإسلام وتفضيلًا له.

الحركية، فالأقل تعليمًا هم أقل حصولًا على امتيازات، وبالتالي أقل قدرة على الحركة والتغيير، وأقل أمنًا اقتصاديًا، وهنا يختلف اتجاه العلاقة، تبعًا لنوع نظام الحكم، فإذا كان هؤلاء _الأقل تعليمًا_ في بلد محكوم بنظام ذي علاقة بالإسلام؛ فلن يكونوا _بسبب حرمانهم من امتيازات اقتصادية واجتماعية_ راضين عن الحالة السائدة، وسيدفعهم هذا إلى دعم صيغة سياسية، لا يكون فيها للإسلام دور مشابه للدور الذي يؤديه في فترة إجراء المقابلات مع المستجوبين.

وفي تفسير الكاتب العلاقة بين عدم الرضا الاقتصادي، من جهة، والتفضيل للإسلام السياسي، من جهة أخرى، يقول الكاتب: إن المواطنين المستائين، في أنظمة علمانية، يبحثون عن بديل، والبديل المتوافر هو الإسلام، وهو شائع أكثر بين النساء، كمسؤولات أكثر عن رفاه العائلة والأحوال الاقتصادية المتدنية، ومجذوبات _بصورة أقوى_ لتشديد الإسلام على المساواة ومساعدة المحتاجين.

دعم الدور الكبير للإسلام في السياسة، بين أفراد ذوي مستوى تعليمي أقل من صغار السن، يفسره الكاتب بأن الأصغر سنًّا أقل اعتمادًا على التعليم؛ لكسب معرفة بالعالم، وذلك من خلال قدرتهم على التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي.

أما تفضيل الرجال الأكبر سنًّا، أصحاب الموقف السلبي من النظام العلماني الحاكم، لبديل إسلامي؛ فيعود إلى أن الأكبر سنًّا _من الرجال_ أكثر وعيًا سياسيًا بتاريخ بلدهم من النساء، وأكثر امتلاكًا لحسّ بتاريخ بلدهم الذي طال تسلّط النظام العلماني عليه، والذي كان للحركات السلامية دور تاريخي في معارضته.

 

الفصل الرابع بعنوان “لماذا تتنوع التفسيرات عبر البلدان؟”، يحاول أن يفسر تنوع النتائج بين البلدان.

صمّم هذ الفصل؛ لينتج رؤى متبصرة، قابلة للتطبيق، وتحديد خصائص على مستوى بلد معين، تمثّل شروطًا، _يؤثر في ظلها_ المتغير المستقل في المتغير التابع على المستوى الفردي.

من أمثلة ذلك:

تتأثر العلاقة العكسية بين دعم المساواة بين الجنسين، والدور الكبير للإسلام في السياسة، بمستوى التطور الاقتصادي للبلد، وبمستوى محو الأمية بين الرجال؛ فتزيد العلاقة العكسية _في هذه الأحوال_ بين الرجال الأصغر سنًّا. أما بين الرجال الأكبر سنًّا؛ فإن العلاقة تزيد، إذا كان البلد أقل تقليدية، وأكثر فسادًا؛ لأن الكبار سيشعرون بأنهم غير مرغوب بهم، وأنهم سيكونون أكثر أمانًا في بيئة أكثر تقليدية.

العلاقة بين تقويم النظام بشكل سلبي، ودعم الإسلام السياسي، تزيد بين الرجال الأصغر سنًّا، في بيئة درجة الفساد فيها كبيرة، ومستوى محو الأمية عال، والشباب فيها على درجة أعلى في المستوى التعليمي؛ لأن هذه البيئة ستجعل لدى الشباب توقعات أعلى؛ الأمر الذي يكرّس الرغبة في بديل لنظام لا يحقق توقعاتهم؛ بسبب الفساد والتخلف.

تتأكد العلاقة العكسية بين النساء الأصغر سنًّا، في أوضاع بيئة سياسية اجتماعية مفتوحة؛ لأن هذه البيئة يمكن فيها للحركات الاسلامية أن تفتح الأبواب أمام مشاركة النساء الأصغر في العمل المدني.

كما تتأكد العلاقة بين عدم الرضا الاقتصادي، ودعم الإسلام السياسي بين الرجال الأصغر سنًّا، في مجتمعات تتمتع بحقوق سياسية، ونسبة نساء أقل بين القوى العاملة؛ لأن هذه المجتمعات توفر للحركات الاسلامية المعارضة فرصًا أكبر، لنشر رسائلها؛ بسبب الحقوق السياسية المتوافرة، وبسبب أن قلة النساء العاملات يشير إلى أن هذه المجتمعات أكثر محافظة وتقليدية؛ _ وبالتالي_ تكون التيارات الأيديولوجية، غير التقليدية، غير معروفة على نطاق واسع.

وبين الرجال الأكبر سنًّا، تتأكد العلاقة العكسية في أحوال مؤشرات تنمية بشرية واجتماعية أقل؛ لأن هذه الأحوال لا تقدم فرصًا للتطور المهنيّ والشخصيّ، _خصوصًا لهذه الشريحة_؛ _وبالتالي_، ستجعل كبار السن يبحثون عن بديل يجدونه في الإسلام.

 

أما الخاتمة، فكانت سؤالًا عما نعرفه، وما نتوقعه أن يحدث في المستقبل، يحاول فيها الكاتب أن يلخّص أهم ما توصّل إليه من نتائج يفسّرها، ويقدّم بعض التوصيات لأبحاث مستقبلية.

ففي تفسيره لتفضيل دور كبير للإسلام في السياسة، في العديد من الحالات، يقول الكاتب: إن الاسلام هو البديل الموجود، في ظل فقدان الحركات العلمانية نفوذها الذي امتلكته في الستينيات والسبعينيات؛ ما ساعد الحركات الإسلامية في تحقيق نجاح لافت في جذب المصوتين؛ لاعتبارات سياسية واقتصادية أكثر منها دينية وأيديولوجية.

ومن أسباب احتكار الإسلاميين صفة الصدقية، من بين حركات المعارضة، هو منظمات الخدمة الاجتماعية التابعة لهم، والتي تستخدم مواردها؛ لاستمالة المواطنين إلى صف الأحزاب الإسلامية.

العامل الآخر هو السياسة الخارجية لبعض الأنظمة المتحالفة مع الولايات المتحدة، خصوصًا ما يتعلق بإسرائيل، وسياسة أميركا في الشرق الأوسط، وهي سياسات ساعدت الأحزاب الإسلامية في استغلال العاطفة المضادة لأميركا؛ لكي تستميل أفرادًا، لا يفضّلون السياسات الثقافية والاجتماعية المحافظة للحركات الإسلامية، ولكن كراهيتهم للولايات المتحدة تغلب معاداتهم للرؤى المحافظة.

والعامل المهم الآخر _في نظر الكاتب_ هو تقديم الأحزاب الإسلامية برامج معتدلة؛ لكي تجذب طيفًا أوسع من المصوتين، وخصوصًا من بين أفراد خائفين من سياسات جدلية، مستوحاة من الدين.

ويؤكد الكاتب أن الإسلاميين هم أكبر المستفيدين من ثورات الربيع العربي، فحصولهم على أعلى نسبة أصوات، في مصر وتونس؛ يعود _في جزء منه_ إلى تعبئة عالية، ومعارضة علمانية غير منظمة، وإلى قدرة الأحزاب الإسلامية على جذب أصوات عدد من المواطنين المسلمين الذين لا يفضّلون سياسات ثقافية واجتماعية إسلامية، لكنهم مدفوعين بالخوف للبحث عن بديل للأنظمة الحاكمة.

يتساءل الكاتب _في النهاية_ عمّا إذا كان الشرق الأوسط وشمال افريقيا في بداية عهد جديد، بعد الحوادث التي شهدتها المنطقة، عهد يعاد فيه التفكير في الإسلام والديمقراطية والصلة بينهما.

حوادث الربيع العربي التي جاءت بأحزاب إسلامية إلى الحكم، في تونس ومصر، ما لبثت أن أجبرت على التنحي، وهو ما قاد مواطنين عاديين، دعموا الإسلام السياسي في الماضي، إلى إعادة التفكير في المكان الذي يجب أن يحتلّه الدين، أو الذين سيحكمون باسمه في الحكومة، والعلاقات السياسية.

كما أن الغوص في العنف في بلدان أخرى كسورية واليمن والعراق وليبيا، دفع بعض الرجال والنساء إلى التساؤل عمّا إذا كانت الديمقراطية تتطلب التضحية بالاستقرار والأمن، واستنتاج هؤلاء أنه إذا كان هذا هو الثمن؛ فلا أهلًا بالديمقراطية.

يؤكد الكاتب أن استطلاعات للرأي، بين عامي 2013 و2014، أظهرت بعض النقص في الدعم الشعبي للديمقراطية.

ويشير الكاتب _في النهاية_ إلى ضرورة وجود كميات كبيرة من البيانات التي تجمع في المنطقة؛ لقياس الرأي العام وفهم الموقف من الإسلام السياسي، وفهم الطريقة التي تشكل بها محدّدات المستوى الفردي والجماعي تفكير المواطنين المسلمين العاديين، في الدور الذي يجب أن يؤديه دينهم في الحكومة والشأن السياسي.

 

ملاحظات

يتخلل ثنايا البحث مسلمة لدى الكاتب، فحواها: إن الميل إلى دعم الدور الكبير للإسلام في السياسة موقف سلبي، يمكن أن يتغير، إذا تغيرت الأحوال _على المستويين: الميكروي والماكروي_ نحو الأفضل، وفي هذا مصادرة للمطلوب، وتغليب لموقف الكاتب الذاتي.

المتغير الديموغرافي الذي اعتمد مع نسبة التمدن، وهو نسبة السكان الشيعة، من أجل قياس التباين بين البلدان لا يكفي لإجراء هذا القياس؛ لأنه لا يحصر كل أنواع التنوع الموجود في مجتمعات الأكثرية المسلمة، ففي سورية _ مثلًا_ لم يكن العنف، _الذي جعل بعضهم يتخلى عن مطلب الديمقراطية_، ناتجًا عن عنف النظام فحسب، وإنما عن توتر طائفي كامن (طرفاه سنة وعلويون)، وجد بيئة ملائمة: لكي يخرج من القوة إلى الفعل، ولكي يذهب إلى أقصى مداه.

كما أن سبر مواقف المواطنين العاديين، يتطلّب فحص عامل لم يلتفت إليه الكاتب، وهو العقلية السائدة، _والمشكّلة_ في هذا الخصوص_ بواسطة مقولات مدارس عقدية إسلامية معينة، والتي تلعب دورًا في تغييب الشعور بالفردية، وما يستدعي عن هذا من غلبة الخضوع للموقف الجمعي سلوكيًا ووجدانيًا، فعلى الرغم من أن الكاتب حاول تجنب المقاربة الاختزالية التي تعدّ الأفراد انعكاساً لأنماط ثقافية، ولكنه أغفل هذا الجانب الثقافي، وأهميته، في تشكيل مواقف الأفراد من دور الإسلام في السياسة.

لم تأت المقدمة، وهي بصدد الحديث عن أسباب انبعاث الإسلام، على ذكر أثر الاستبداد في تحريض البحث عن بديل، يجسد لدى المواطنين العاديين قيمة العدل في أسمى صورها، وهو الرسالة الإلهية -بحسب اعتقادهم-، والكفيل _لذلك_ بمقارعة الاستبداد والظلم والقهر.

لا نظن أن الأسئلة التي توخى الكاتب _من خلالها_ معرفة آراء المواطنين العاديين، من قبيل السؤال عن تأدية الصلاة وقراءة القرآن، أسئلة مباشرة، تصلح لقياس رأي حقيقي؛ فلا يكفي، لمعرفة مستوى التدين الشخصي، أسئلة مباشرة كهذه، وخصوصًا في مجتمعات، كالمجتمعات المدروسة، على درجة من التعقيد، وتشابك العوامل المؤثرة في علاقة الأفراد بدينهم.

والأمر نفسه ينسحب على أسئلة الكاتب، المتعلقة بمعرفة مدى قبول التفسيرات المعاصرة للنص الديني؛ لكي يصبح مستجيبًا للقضايا المعاصرة.

[1] هو مشروع تعاوني بالشراكة مع مبادرة الاصلاح العربي، أسس بغرض توفير نتائج موثوق فيها حول الآراء السياسية للمواطنين العاديين، ونشر وتوزيع نتائج استطلاعات الباروميتر؛ بغية المساهمة في عملية الاصلاح السياسي، وتنمية القدرات العربية على العمل البحثي المتعلق بدراسات الرأي العام

[2] وهو تحليل، يوضح الدرجة التي يرتبط فيها كل متغير بمفهوم كامن، يسمى العامل، وهو في هذا الموضع سلسلة متواصلة، تمتد من معارضة منح الإسلام دورًا كبيرًا في السياسة، إلى دعم هذا الدور.