منذ بدء احتلال الأجواء السورية، من معظم القوى الكبرى، بقيت الضربات الإسرائيلية وحدها غير واضحة، لا يعرف شيء عن تفاصيلها، بإستثناء القليل الذي تعلن عنه إسرائيل رسميّاً، بينما يكتفي إعلام النظام الرسمي وإعلام حلفائه بذكر بعض هذه الغارات، بعد أن ينفضح أمرها.

لا تعلن إسرائيل عن ماهية أهدافها، ولا تنشر تفاصيل أو فيديوهات، كما يفعل “التحالف الدولي” ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. النظام السوري بدوره، لم يعد يذكر عبارته الشهيرة: “سنرد في الوقت المناسب”.

مجمل الغارات الجوية الإسرائيلية، خلال السنوات الأخيرة، كانت في المنطقة الجنوبية من سوريا، ابتداءً من القنيطرة مروراً بالعاصمة دمشق وصولاً إلى القلمون في ريف دمشق الشمالي الشرقي.

في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، أفادت “القناة الثانية” العبرية، أن سلاح الجو الإسرائيلي قصف أهدافاً قرب مطار دمشق الدولي، وقالت القناة إن المعلومات تشير إلى أن الغارة استهدفت شحنة أسلحة وصلت حديثاً من إيران تضم طائرات بدون طيار وأسلحة أخرى.

اكتفى النظام عبر إعلامه، بالقول إن الغارة استهدفت منشآت تجارية ضمن السوق الحرة، واقتصرت على الأضرار المادية من دون وقوع خسائر بشرية. لكن تسريبات أمنية خاصة بـ”المدن”، أفادت بأن الموقع المستهدف في المطار، هو “غرفة العمليات” الواقعة في المنطقة الحرة ضمن حرم المطار. المصادر أكدت سقوط 40 قتيلاً بينهم خبراء إيرانيون.

في نهاية عام 2013 تم إنشاء “غرفة عمليات الارتباط” في مطار دمشق الدولي، حيث توافد عدد كبير من الخبراء الإيرانيين إلى السوق الحرة في المطار، تحت غطاء تجاري. وأعلنت الحكومة السورية آنذاك عن استثمارات إيرانية كبيرة في المناطق الحرة، تهدف لدعم الاقتصاد السوري، وهذا ما جعل السوق الحرة منطقة إيرانية خاصة، لا يدخلها أحد إلا الضباط الإيرانيون ومن “يرضون” عنه من الجانب السوري.

التسريبات الأمنية، أشارت أيضاً إلى أن الغارة الإسرائيلية الأخيرة، استهدفت أجهزة تشويش جديدة ضد الطيران الحربي، وصلت مؤخراً إلى سوريا، وتم تجريبها قبل أسبوعين، عندما كانت طائرات اسرائيلية تستهدف مواقع في القلمون على الحدود السورية اللبنانية.

وتفيد التسريبات، كذلك بأن جنرالات وخبراء إيرانيين، جرى الحديث عن مقتلهم خلال الأيام الماضية في معارك ريف حلب، كانوا قد قتلوا في الغارة الإسرائيلية، بالقرب من السوق الحرة في مطار دمشق. أمّا الجرحى الإيرانيون واللبنانيون، فقد تمّ إخلاؤهم بشكل فوري، إلى مستشفيات خاصة في دمشق، ومن ثم نُقلوا خارج الأراضي السورية.

تدل هذه الحادثة على استمرار الحرب الخفيّة بين اسرائيل وإيران، على الأرض السورية، رغم التدخل الروسي. وتستهدف إسرائيل، أوراق القوة التي تحاول إيران صناعتها في سوريا، للحؤول دون تضخم دورها في المنطقة.

اسرائيل لا تخشى الضباط الإيرانيين، الذين يعملون ضمن غرف عمليات المعارك، ضد قوات المعارضة السورية، وهي على علم بكامل تحركاتهم، ولا تخشى أيضاً من مليشيا حزب الله اللبناني، الذين يقتصر عملهم على قتال قوات المعارضة السورية.

في ريف دمشق، وتحديداً في جبال صهيا، يتواجد خبراء صواريخ إيرانيين، وعناصر لبنانية وسورية وعراقية، في مجموعات لا تنتمي لقوات النظام أو حتى “اللجان الشعبية”، وإنما هي عبارة عن تنظيمات عقائدية تتشابه مع حزب الله اللبناني، يتم إنشاؤها وتدريبها في حرب حقيقية بالذخيرة الحيّة لإستهداف مواقع المعارضة القريبة في ريف دمشق. ومع ذلك، لم توجه إسرائيل ضربات لتلك المليشيات، إلّا أنها استهدفت العناصر الذين تم تدريبهم في منطقة القطيفة، الذين يتلقون تدريبات على الصواريخ البالستية التكتيكية بعيدة المدى.

جميع المحاولات التي عمل عليها الضباط الإيرانيون لإنشاء أذرع عسكرية قوية في سوريا، ونقل مهاراتها وتجهيزاتها إلى لبنان باءت بالفشل. فالمصادر تتحدث عن اختراق اسرائيلي كبير للقوات الإيرانية، وحزب الله، وأنّ تبادلاً للاتهامات بين أجهزة الأمن السورية والإيرانية، حصل أكثر من مرة.

فاستهداف اسرائيل لمجموعة “الرضوان”، مطلع العام الحالي، جعلت القادة الإيرانيين يغيرون من طرق تعاملهم مع أجهزة الأمن السورية، وضباط الجيش المرافقين لهم، بعد اتهامهم بتسريب المعلومات. وكان أحد قادة حزب الله وجّه توبيخاً شديد اللهجة لضابط استخبارات سوري رفيع بعد مقتل جهاد مغنية، قائلاً: “قتلتوه متل ما قتلتوا بيه”. في إشارة إلى مقتل عماد مغنية في حي كفرسوسة في دمشق، الذي يعتبر أهم منطقة أمنية في سوريا، في العام 2008.

التدخل الروسي في سوريا ليس جديداً، بالمعنى العمليّاتي، والروس على إطلاع دقيق بتفاصيل الأحداث في سوريا. وقد كانوا يستعملون مطار دمشق الدولي حتى فترة زمنية قريبة لنقل شحنات الأسلحة والتجهيزات اللوجستية للنظام السوري. لكنّهم الآن يعتمدون على قواعدهم العسكرية في الساحل السوري. ويُعتقد بأن هذا هو السبب وراء عدم إصابة أي من خبرائهم أو شحناتهم، في الغارة الإسرائيلية الأخيرة، على مطار دمشق. وهذا طبيعي أيضاً في ظل التنسيق العلني الروسي-الإسرائيلي في سوريا.

واللافت للنظر، أن ذلك وجد انعكاسه في تصريحات القائد العام لـ”الحرس الثوري الإيراني” اللواء محمد علي الجعفري، الذي قال قبل فترة: “روسيا تعمل على مصالحها فقط في سوريا، وهي غير سعيدة بوجود المقاومة الإسلامية في سوريا”.  

almodon.-

معاوية حمود