ميشيل دوكلو

   “مأساة ادلب تحدي لأوروبا

عنوان لمقالة نشرت في منبر صحيفة اللوموند الفرنسية بتاريخ 13 / 2 / 2020 بقلم الديبلوماسي ميشيل دوكلو سفير فرنسا السابق في سوريا والذي سبق له أن ألف كتابا عن  سوريا بعنوان “الليل السوري الطويل”. يقول فيها :  

إن هجوم النظام السوري مدعوما بالطيران الروسي على مدن وبلدات محافظة ادلب أدى لكارثة على السكان المدنيين الها ربين من القذائف والضرب ومن الجهاديين على حد سواء. 

وهل بقي أيضا من يهتم بما يجري في سوريا ؟ ربما بعض طيبي القلب بدون شك, أو أؤلئك المستشارين بحكم مهنتهم أو الكتاب,  لكن غالبية الرأي العام وحتى بين المسؤولين السياسيين لم تعد سوريا موضع اهتمامهم. واحتضار إقليم ادلب,  في هذا  الصدد, مؤشر بليغ على ذلك.  و نعلم من خلال الصحف, أن هجوما مركبا من قوات نظام دمشق والطيران الروسي قد شرد , منذ منتصف ديسمبر / كانون اول 2019, على الطرقات أكثر من 600000 ستمائة الف انسان اغلبهم من النساء والأطفال, قدموا غالبا من مناطق أخرى من سوريا كان  استردها النظام في ظروف مماثلة. وفي منطقة ادلب كما في مناطق أخرى, مسحت مدن بكاملها. ودمر الطيران الروسي عشرات المستشفيات و أبنية مراكز الإسعاف الطبية, خارقا بذلك القانون الإنساني الدولي, وهذا يعطي بعد الآن صورة ” لسوية قانونية جديدة “.

  والأكثر اطلاعا لا يجهلون أن تركيا قد وطدت العزم على اغلاق حدودها بإحكام ولا يوجد أي منفذ أو باب للهروب من هذا الحصن المتمرد الأخير والمقاوم أيضا لسلطة دمشق. وتسيطر على منطقة ادلب شريحة من المجموعات المسلحة يهيمن عليها على الأرجح من 20 إلى 25 ألف مجاهد تابعين لمجموعة هيئة تحرير الشام أو إلى تنظيمات أخرى. وكان وقف هش لإطلاق النار قد أوقف فيها المعارك منذ شهور استنادا إلى اتفاق بين بوتين وأردوغان. واقام الأتراك مراكز مراقبة عسكرية متقدمة. و رغم  ذلك,  يدعي الروس أن تركيا لم تنفذ ما ترتب عليها  بموجب الاتفاق, والقاضي بأن تقوم مع المتمردين الغير  جهاديين بمحاربة ثم انهاء المتطرفين من هيئة تحرير الشام , والذين يضمون في  صفوفهم عددا من أعداء روسيا.

و ضمن هذه الشروط لا نرى ما الذي يمكن أن يمنع موسكو من ترك النظام يسترد ادلب, أو بالأحرى من مساعدته في تنفيذ هذه العملية, مهما كان الثمن الذي يجري دفعه  لقاء ذلك من حياة السكان المدنيين. ويرسل السيد أردوغان – الذي كان قد قتل له في المغامرة جنود –  نجدات دعم وتهديد للنظام السوري بصواعق رهيبة. ويبدأ في البروز تصعيد بين أنقرة ودمشق. و مع ذلك يرى كثير من المراقبين انه في أحسن الأحوال سوف تحصل تركيا من روسيا على تحكيم يترك لها على طول حدودها منطقة عازلة تحول دون تصادمهما, وتسمح لها كما في أماكن  أخرى على الشرق أكثر من تحديد/ تثبيت الأشخاص العابرين. 

  وبالنسبة للأوروبيين, يبدو أن الوقت متأخر ومتأخر جدا, من أجل  القيام بمبادرة بخصوص ادلب, رغم أن جملة أسباب قد اقتضت دفعهم للقيام بها . فهذه المقاطعة الجبلية البعيدة في سوريا هي في الحقيقة على أبوابنا, تجاور تركيا, و قريبة جدا من الاتحاد الأوروبي . والمأساة التي تدور فيها هي الانكار أو الرفض للقيم التي قامت (بنيت )عليها أوروبا. والرأي العام رغم صمته هو أكثر إحساسا مما نعتقده بها. زيادة على ان ادلب تخفي خطورة مؤكدة تقود بالتسلسل ومن جديد إلى تدفق خطير للمهاجرين إلى قارتنا. وبالإضافة إلى ذلك, هناك, كل ما يدعو إلى الاعتقاد بأن  الحل عبر القوة العسكرية والاكراه فقط كما تبغي و تطمح دمشق , وموسكو وطهران هو بعيد كل البعد عن  القضاء على المعضلة الجهادية بل سوف يخلق الظروف لتجذير وتوسيع الإرهاب. لكن ما العمل؟ .

لعله من الضروري الاستفادة من الخلافات التي أصبحت واضحة للعيان بين روسيا وتركيا, والأخيرة ما زالت  دائما عضوة في الحلف الأطلسي. لهذا من المفروض أن يقوم الأوروبيين بالتشاور مع واشنطن في زيادة الضغوط والمساعي من أجل وقف لإطلاق النار. ولكي تكون مساعيهم قابلة للتصديق, ينبغي عليهم تجهيز حملة واسعة للمساعدة الإنسانية, مرفقة  بعرض يخص الصراع ضد المجموعات الجهادية.. 

 وفي حالة منطقة ادلب هناك ميزة أو علامة فارقة بوجه خاص. لقد عرفت جيدا مدينة معرة النعمان, و التي سقطت مؤخرا  في أيدي النظام و لم يبق فيها حجر على حجر. والحالة هذه أن سكانها ان كانوا قد تمردوا ضد الأسد, فهم كانوا أيضا قد طردوا  الجهاديين. وهذه كانت أيضا حال كثير من بلدات تلك المنطقة. وبعبارة أخرى, إن قصف المدنيين بالقنابل وتشريدهم في الطرقات , يدفع بهم لا محالة  إلى جانب الإرهابيين – في حين ان استراتيجية ذكية ضد – التمرد من شأنها العمل تحديدا بالاستناد على السكان للمدنيين ( والمجموعات المتمردة  المعتدلة ) على عزل الجهاديين قبل سحقهم.

بكل تأكيد هكذا استراتيجية من الصعب جدا وضعها موضع التطبيق. ولم يفلح الأتراك في تطبيقها, هذا إن كانوا حقا قد حاولوا. وفي جميع الأحوال تبقى مفضلة على استراتيجية الأرض المحروقة التي ينفذها النظام السوري وعرابيه الروس والإيرانيين… في النهاية.

  وعلى سؤال أين أصبحت الأمورعلى الأرض. تسيطر قوات الأسد تقريبا على ثلث محافظة ادلب. ومن المقدر ان يكون مقبولا بالنسبة لروسيا – تلافيا لتدهو علاقاتها مع  تركيا -تجميد الوضع لبعض الوقت. 

وبالنسبة للمنطقة التي لا يسيطر عليها النظام, يمكن للأوروبيين  والأمريكان أن يقترحوا على روسيا وتركيا الدخول بمشاورات تهدف لإعطاء فرصة لإستراتيجية تعارض التمرد وتجنب أو ترفق هذه المرة بالسكان  المدنيين, وتساعد عمليا في تبديل رأيهم ورأي المجموعات المعتدلة الباقية ضد الجهاديين. وعالم الانسانيين متحفظ شرعا بالنظر لاستراتيجيات تجمع معا مساعدة السكان وعمليات عسكرية أو ضد الإرهابيين. وهي تشكل مع ذلك الفرصة الأخيرة لمعالجة المأساة التي نعيشها, في الحالة الميؤوس منها في ادلب.

ويفترض هكذا خيار بكل تأكيد أن يكون الأوروبيين والأمريكان مهيئين للمساهمة بالوسائل  التقنية (استخبارات ومقدرة على الضرب ) في هذه الاستراتيجية الجديدة ضد الإرهاب , بالمشاركة مع  تركيا وبالتشاور مع روسيا. وفي اللحظة التي نتحدث فيها كثيرا عن تقوية الدفاع الأوروبي , أليس هو المشروع  الذي بإمكان رئيس الجمهورية أن يدافع عنه في مؤتمر ميونيخ حول الأمن في نهاية الأسبوع؟ .

ترجمة الرفيق عبدالحميد الأتاسي