السوري الجديد

فابريس بالنش هو محاضر في جامعة ليون الثانية ومدير مجموعة البحوث ودراسات البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط في بيت المشرق.

حاصل على شهادة الدكتوراه في الجغرافيا، قام بأول زيارة له إلى الشرق الأوسط في عام 1990. ومنذ ذلك الحين وهو يعيش عشر سنوات بين سوريا ولبنان، ولديه أبحاث مهمة في الجغرافيا السياسية، وقد نشر في عام 2006 كتابا عن سورية المعاصرة تحت اسم: المنطقة العلوية والحكومة السورية والذي يحلل المحسوبية السياسية التي تمت هيكلة النظام البعثي عليها .

“الأسد يجب أن يرحل”….إنه الشعار المتداول والمطروح دائماَ منذ محاولة لوران فابيوس في باريس فرض رحيل الرئيس السوري كشرط مسبق لأي مفاوضات دولية في  سوريا، ويبدو أن الوزير الفرنسي مرتاحاً بعض الشيء لأن مدير وكالة المخابرات المركزية على قناعة  بأن الروس يريدون رحيل بشار الأسد وهم غير متمسكين به.

ولكن لماذا يجب عليه أن يذهب إلى موسكو؟ هل لأنه قاتل ومجرم كما يكرر لوران فابيوس دائماً؟ أم لأنه فقد شرعيته بحكم سوريا التي يسيطر على أقل من ثلث أراضيها؟، ولكن أيضاً من ناحية أخرى يسكن في منطقته ثلثا عدد السكان وهذه الأراضي تتمتع بتوفر مقومات الحياة والاستقرارعكس تلك المساحة المسيطرعليها من قبل مختلف الجماعات المتمردة.

الفوضى السورية، والتي تعتبر المواجهة الأصعب لمعظم المسيطرين “الشرعيين” على الأرض ليس البغدادي فقط، الخليفة الذي نصب نفسه لحكم الدولة الإسلامية في العراق والشام، بل الجولاني أيضاً، ممثل تنظيم القاعدة في سوريا. بينما بشار الأسد لا يملك تأييداً من السكان الموجودين في المنطقة الخاضعة لسيطرته، بل أيضاً داخل الطائفة العلوية نفسها أصبح يتلقى نقداً لاذعاً، ولكن رغم ذلك لا نستطيع أن نتجاهل أن هنالك شريحة كبيرة تعتبر بشار الأسد على الأقل أهون الشرّين وأفضل الموجود على أنه الوحيد القادرعلى استعادة الأمن في البلاد. وهنالك الشريحة المؤيدة والداعمة له بشكل فعلي، ومع ذلك كله، لم يستطع فرض شرعيته الحقيقية من خلال الاقتراع العام بل من خلال ولاء جهاز قمعي له ولحكمه ذي كفاءة عالية.

يتضح أن وجهة نظر الغرب، إذا تجاهلنا قضية الاقتراع العام والانتخابات، فإن بشار الأسد لا يمكن أن يكون نظاما شرعيا لأنه دمر نصف البلد، وشرد الملايين من الناس وبلغ عدد الضحايا مئات الآلاف. ولكن بالنسبة للشرق الأوسط ، فإنه فرض وجوده وأحكم سيطرته من خلال تهديده “الأسد أو نحرق البلد”، ليكون هو الرئيس الشرعي من خلال تهديد المنطقة ككل. وقال إنه لن يكون في سوريا سيناريو تونس بأن يهرب بطائرة إلى جدة كما فعل زين العابدين بن علي، ولن يتفاوض على الذهاب إلى المنفى الذهبي في الولايات المتحدة كما صالح أو أن يتنحى كما فعل مبارك، على العكس من ذلك تمسك في الخيار القمعي، بل وهجّر ربع سكان سوريا. هذه السياسة القمعية  تضمن له شرعية داخل الحكومة، والأقليات الدينية لأنهم يخشون على وجودهم، والنخب الاقتصادية وأصحاب رؤوس الأموال، والآخرين الذين يريدون العيش في الأمن والأمان كما كان الوضع قبل عام 2011.

إذا كان على الأسد أن يتنحى من سيكون البديل له؟ هل من الممكن أن نتصور انتخابات حرة في سوريا في الأشهر المقبلة عقب رحيله؟ إن الحل الوسطي هو أن يكون هناك مؤتمر وطني للسوريين بينهم الوجهاء، والمجالس البلدية وشيوخ القبائل  ولكن هل سيتم الطعن فيه فوراً وعد الاعتراف به؟ الغرب لا يريد شخصا تلطخت أيديه في الدماء، خاصةً أنه لم يستطع حماية البلد من الجماعات المسلحة دون الاستفادة من قوته المسيطرة على الأرض وهيمنته؟

منذ عام 2011 يحلل الغرب الأزمة السورية كما لو كانت أزمة اجتماعية عادية أو صراع  بين الشعب وطاغية “على السيادة “. كما يعترف آلان جوبيه اليوم أنه كان على خطأ. إن وجود الطائفية والمحسوبية في بنية المجتمع السوري أدت إلى اعتقاد الغرب بأن بشار الأسد سيسقط بسرعة، وأن ذلك كافياً لإعطاء الضمانات السياسية للأقليات لانضمامهم للمعارضة.

بشار الأسد ببساطة يتمتع بشرعية أكثر اليوم في معسكره ومع حلفائه من بداية الأزمة. العبارة التي تناقلها الموالون: “بشار للعيادة وماهر للقيادة اختفت لأن بشار الأسد أظهر أنه يمكن أن يفعل الأفضل ويدير الأزمة، وقال في عام 2011 “أدت أحداث حماة إلى 30000 قتيلاً أثناء حكم والدي ومع ذلك كان لدينا 30 عاماً من السلام بعدها”.

ويستند النظام السوري على نوع من الولاءات المهيمنة – بنيت بالصبر والثبات داخل الجيش وأجهزة الاستخبارات من قبل عائلة الأسد، تم القضاء على جميع الشخصيات الكبيرة عن طريق التقاعد المبكر أو”بالانتحار” كما حدث مع غازي كنعان في عام 2005، وزير الداخلية والقنصل السوري السابق في لبنان. إننا نواجه العصبية بمجموعة تتألف من الجنرالات العلويين والسنة والدروز، لأنها ليست حصرا العلويين، وهدفها هو الاستمرار في السلطة التي تعتمد على عملائها للتعبئة في محيطهم.

هذه الخطط تتنافس فيما بينهم، وسوف تكون أكثر وأقوى حتى لو اختفت العائلة الحاكمة لأنه لا يوجد إجماع واحد داخل الجهاز ليحل محل بشار الأسد وماهر. في حين أن الجهاز الحكومي السوري مبني على أساس هذا النظام الموالي والموازي للهيكلية الرسمية، أما الخمسين ضابطاً من أصل 1200 ضابط الذين انشقوا عن النظام خلال مدة 4 سنوات، كان فقط الضباط من بينهم، سليم إدريس، وهو مهندس في الأشغال العامة، ومناف طلاس. ومن غير المجدي البحث عن ضابط يقوم بإطاحة بشار الأسد أو يضمن انتقال للحكم الروسي – الإيراني لأنه يجب تغيير كل بنية النظام الداخلي لمفهوم الولاء. لا إيران ولا روسيا تنوي معالجة هذه المهمة الشاقة، خصوصا أن النظام قد أظهر فعاليته بفرض نفسه من خلال القمع.

الغربيون يريدون رحيل الأسد، ولكن هل يمكن أن نضمن لروسيا وإيران أن سيتم إيقاف التمرد بمجرد أن يتم عزل الرئيس السوري من منصبه؟

هل لدى المعارضة زعيم بأفكار وتوجهات تنادي ب”الديمقراطية و العلمانية” قادر على حصول القبول من طرف المعارضة ، قبل أن يتم قبوله من قبل النظام؟

لماذا يجب على بوتين أن يساعد الغربيين على حفظ ماء وجههم؟ واحد من أهم أهدافه في سورية هي استعادة القوة الروسية في العالم، على الأقل على مستوى وسائل الإعلام.

المملكة العربية السعودية وتركيا لديهما المزيد من الأوراق  في متناول اليد، وهما الموردان الرئيسيان للأسلحة إلى المتمردين السوريين، ويريدان رأس الرئيس السوري. إذا كان بشار الأسد يجب أن يسقط ذلك سيأتي بالمزيد من العناد من هذين البلدين بالمقارنة في الدول الغربية، ولكن هذا يعني سنوات من القتال واللاانتصار. هل نريد حقا استمرار هذا الصراع مع نتائج تتأثر بها أوروبا بوصول الإرهاب إليها وهجرة الملايين من اللاجئين نحوها؟ بالاضافة للمخاطر التي زعزعت استقرار كل من لبنان والأردن أيضا؟ هل فعلاً رحيل الرئيس بشار الأسد مكلف للغاية بالنسبة للغرب؟

– See more at: http://newsyrian.net/ar/content/%D9%84%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%BA%D8%B1%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%B1%D8%A3%D8%B3-%D8%A8%D8%B4%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D8%B3%D9%8A%D9%83%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%AB%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%8B-%D8%A8%D8%A7%D9%87%D8%B8%D8%A7%D9%8B-%D8%9F#sthash.em4rfPgn.dpuf