التحالف المنوط به محاربة الإرهاب بدون ضبط لمدلول مصطلح الإرهاب بشكل مقصود؛ لكي يحدّد ويعرّف حسب ما تقتضي المصلحة هو محاولة لعدم ترك الساحة مستباحة من قبل الروس والإيرانيين من جهة، ولتجسيد الفصل الجذري بين الإسلام والإرهاب من جهة أخرى. هذان هما الأثران الإيجابيان اللذان يمكن أن يحدثهما هذا التحالف الذي أعلنت السعودية عن تشكيله بقيادتها. وهو على ما يبدو رسالة سياسية أكثر من كونه واقعاً ميدانياً.

ولا ضير في ذلك ما دامت هوامش الحركة الفعلية لتحالف كهذا ضيقة أو معدومة.

يمكن أن يعدّ هذا الحلف مع التحالف الغربي لمحاربة الإرهاب مشتركاً أخلاقياً يقفز على الاختلافات الدينية أجبرت الضغوط والمخاوف الشرق والغرب على استخلاصه، وإن كان استثماره رهناً بمصالح كل طرف، وليس بالنظر إلى المحتوى القيمي لهذا المشترك.

المشكلة أن المشهد العام الذي نشأ هذا التحالف في سياقه مشهد لا وجود لقضية لشعب السوري فيه، وإنما يبرز فيه بشكل رئيس الأمريكي العازف عن المبادرة، والروسي المندفع بكلّ طاقته بتواطؤ ضمني مع الغرب وأمريكا التي لا تجد في قدرة الروسي على إنضاج الأحداث لتحقيق تسوية أمراً مرفوضاً، وترى في تورطه في المستنقع السوري أمرا محموداً.

والإيراني الذي حدّ الروسي من نفوذه في سوريا، ولكنه لن يقبل بتسوية لا تكافئه على حرب يشارك فيها عبر كل هذه السنوات.

وبتحييد الشعب السوري وطيّ الحديث عن قضيته الأساسية إلا على سبيل إلهاء ممثليه أو داعميه، يأتي تشكيل هذا التحالف معززا لهذا التحييد؛ لأن العامل الأهم من كل ما سواه اليوم بالنسبة للقوى الرئيسة هو محاربة الإرهاب، وكبح تمدده، ومن ثمّ القضاء عليه.

التسوية التي صارت محور الفعاليات اليوم لا تأبه -ما دام الروس مهندسيها الأساسيين- بقضية الاستبدال بنظام الاستبداد نظاماً ديمقراطياً، ولا بمطالب الحرية والكرامة التي صدح بها السوريون معلنين بدء ثورتهم.

تتبع الإدارة الأمريكية كما يبدو من سلوكها بخصوص سوريا نصيحة لوتواك زميل المركز الأمريكي للدراسات الدولية والاستراتيجية والذي نصح مجلة الغارديان الأمريكية بأن نعطي الحرب فرصة فالحروب كما يقول لوتواك ليست سيئة بالجملة “فالحروب تؤدي إلى السلام ولكنها لن تؤدي إليه إلا إذا استنزفت قوى المتحاربين او عندما ينتصر أحدهما انتصارا حاسما فأسوا شيء ان توقف المتحاربين في أثناء الحرب قبل حسم الخصام فيما بينهم بإطلاق النار والاستنزاف المتبادل او تفجير أحد الطرفين المتحاربين للطرف الاخر”.

وربما تكون روسيا قد قدمت خدمة للإدارة الأمريكية بتدخلها الذي ربما سيحقق الاستراتيجية المشار إليها بدون أن تجشم تلك الإدارة نفسها عناء أي تدخل جدي.

الأتراك لا يستطيعون التحرك خارج الهامش الضيق المرسوم من قبل حلف الناتو، وصحيح ان ما جرى من توتر بينهم وبين الروس قد أربك بوتين وأهانه، ولكنهم لن يستطيعوا أن يغيروا في المعادلة، والأرجح أنهم بصدد تراجع عن مواقفهم الجذرية تجاه القضية السورية.

أما السعودية فإن الخطر الماثل أمامها هو التمدد الإيراني، وكلّ القضايا الأخرى ينظر إليها من زاوية هذا الاهتمام.

كان واضحاً أن الفاعل في مؤتمر الرياض كان سعودياً إماراتياً على المستوى الإقليمي وهو ما يعني إقصاء لتركيا وقطر لصالح مخطط جديد فيما خصّ الحل في سوريا، وهو حلّ لا نكلف أنفسنا مؤونة بحث شاق لمعرفة الطرف الأقوى فيه وهو بوتين، بسبب ما يبدو أنه تفويض له من قبل العالم لتغيير الوقائع على الأرض وصولاً إلى تسوية.

صحيح أن بوتين قد فوجئ بالمجريات عقب تدخله، وأنه سعى إلى اختراع فيينا بحثاً عن حل، ولكن يخطئ من يظن أنه سيقبل بحل لا يحقق معظم بنود استراتيجيته من استعادة نفوذه في المنطقة إلى الحفاظ على الحليف. وأقصى ما يمكن أن يقدمه من تنازلات هو التضحية بشخص الأسد. وليس خافياً وجود قدر ما من التنسيق سعودي -روسي تحركه من جهة روسيا ضرورة عدم اقتصار تحالفاتها في المنطقة على الحليف الشيعي متمثلاً بنظام الملالي، وضرورة الاتكاء على حليف سني قوي كالمملكة ويحفّزه من جهة السعودية همها الأكبر وهو لجم الاندفاع الإيراني.

لا تستطيع المعارضة السورية أن تفرض ما تريد في ظل استلاب قرارها، ولكنها يمكن أن تقاوم أي أجندة لا تضع قضية السوريين في أولوياتها، وأن يكون لديها مدلول لمصطلح الإرهاب لا يكتفي بإدراج داعش، وإنما كل الميليشيات الطائفية والحرس الثوري الإيراني ونظام الأسد، وأي قوة ترتكب جرائم تنتهك حقوق الإنسان، وأن تصر على الثابت الأول في المشهد السوري وهو حق السوريين في نيل حريتهم وخلاصهم من ربقة الاستبداد.  وهو ما يجب أن تكون هذه المعارضة في أقصى درجات التنبه له قبل أن يفوت الأوان.