راجح الخوري

منذ أربعة أعوام ونحن نشاهد سيرغي لافروف وهو يمرغ صدقية جون كيري في الوحول السورية الدامية، لم يكن هذا ليحصل لو لم يبتلع باراك أوباما خديعة فلاديمير بوتين ويلحس تحذيره بتوجيه ضربة الى النظام السوري بعد قصف غوطتي دمشق بالسلاح الكيميائي، مفترضاً انه بذلك يمكن ان يساعد في بداية حل يوقف المأساة السورية.

آخر إبداعات لافروف، التي لن أستغرب ان يبتلعها كيري غداً، قوله إن كيري وافق على خروج كل المقاتلين من شرق حلب، أولئك الذين في خانة الإرهاب أي “جبهة النصرة” وأولئك الذين دربتهم واشنطن والذين تعتبرهم من المعتدلين. صحيح ان كيري نفى وقال إنه ليس على علم بأي مفاوضات مع الروس يمكن ان تجري في جنيف حول هذا الأمر، لكن مسلسل تراجعات كيري الدائمة أمام صلف لافروف يجعلنا لا نستبعد ان يرضخ لهذا في النهاية.
كانت الأحابيل الروسية واضحة منذ البداية. ففي أيلول من عام ٢٠١٤ ومع نزول الروس عسكرياً في سوريا قال بوتين ما معناه إن كل معارض للنظام السوري هو إرهابي. صحيح انه مارس ديبلوماسية التعمية على إميركا والمعارضة وأصدقاء سوريا عندما استدعى بعض المعارضين الى موسكو ليقول إنه يفاوض الجميع بحثاً عن حل سياسي، لكنه كان دائماً يركز على الحل العسكري الذي يندفع فيه الآن في شرق حلب، التي يحذر العالم من ان تتحول مقبرة أسطورية.
إستعمال موسكو الفيتو للمرة السادسة أول من أمس لاسقاط مشروع القرار المصري الإسباني النيوزيلندي ليس مفاجئاً على الإطلاق، المفاجئ محاولة التعمية عندما كرر المندوب الروسي في مجلس الأمن كذبة لافروف عن المفاوضات مع الأميركيين في جنيف لوقف النار، وهو ما كذبته فوراً المندوبة الأميركية وفي وجهه، لكن كل هذا الهراء لا يوقف قذيفة أو طلعة جوية لتدمير المدينة.
الأكثر إثارة ان لافروف كان في هذا الوقت يدير من بعيد مفاوضات تعمية أخرى جرت في تركيا بين ضباط روس وممثلين للمنظمات المعارضة المعتدلة في شرق حلب، وقيل إنها توصلت الى اتفاق من أربع نقاط: وقف النار – إخراج مقاتلي النصرة – إدخال المساعدات الانسانية بضمانة روسية – ابقاء الادارة المحلية في شرق حلب في انتظار الحل النهائي.
موسكو نكلت فوراً عن هذا الإتفاق لأن ايران والنظام لم يوافقا عليه، على رغم ان في وسعها ان تفرض أرادتها، لأن ثقلها العسكري هو الذي أنعش النظام الذي كان يتهاوى، كما سبق لبوتين ان أعلن صراحة. والأسوأ من كل هذا ان لافروف طرح معادلة جديدة: يخرج كل المعارضين من شرق حلب ومن يبقى يعتبر من الارهابيين ويُدمّر… لكن صورة روسيا وهيبة العالم تتدمران ايضاً في تلك المدينة المقبرة!

“النهار”