• د.أسامة الملوحي

حادثتان دمويتان متشابهتان مؤلمتان مجهضتان حدثتا في أقصى الجنوب السوري وأقصى الشمال …واحدة حدثت في نيسان من هذا العام في عين دقنة قرب تل رفعت في ريف حلب الشمالي وواحدة حدثت منذ أيام في الكتيبة المهجورة في ريف درعا الشمالي الشرقي… وفي المنطقتين تطل الموك وأختها الموم وتتحكمان وتسيطران وتعاقبان من ينشز عنهما أو يتمرد عليهما أو يحرك منطقة جمدتا العمل فيها.

غرفة العمليات الدولية المشتركة الشهيرة باسم “الموك”، والتي تترأسها الولايات المتحدة الأمريكية مع مجموعة من دول تطلق على نفسها مجموعة أصدقاء الشعب السوري كبريطانيا وفرنسا وبعض الدول العربية، والتي تتواصل فيها بشكل مباشر مع فصائل الجيش الحر، ومقر “الموك” هو في الأردن، وقد أعطت لفرعها في تركيا اسماً يميزه وهو “الموم”.

وتقدم موك ما تسميه “الدعم” لفصائل الجيش الحر بشروطها بعد أن تعتمد الفصائل بفحص وتمحيص شديدين…والدعم بالإضافة لرواتب الكفاف الهزيلة   يشمل متطلبات أي تشكيل عسكري من الدعم بالسلاح وتذخير المعارك التي تطلقها كتائب الحر من ذخيرة الرشاشات الثقيلة وصولاً إلى التاو وقذائف الدبابات والهاون ، ولكن… 
ولكن إذا وافقت موك طبعاً على العملية المقترحة بكل تفاصيلها ومواعيدها واتجاهاتها، ومقابل هذا الدعم تلتزم الفصائل “المنتقاة والمعتدلة” بخطوط عريضة تبتعد بالتدريج عن محاربة النظام وميليشياته وتقترب من مكافحة الإرهاب وتمدده على المقياس الإرهابي الأميركي تحديداً.

والموك لا تعتمد على ما يُبلِّغها به قادة الفصائل من معلومات وتفاصيل عن أي شيء يخص الفصائل أو المعارك وإنما تضربه بمئات التقارير التي ” تتأرشف وتُحدَّث ” باستمرار بعد تجميع وفرز ما يصل من آلاف العملاء المجنَّدين على الأرض والذين جُنِّدوا ويتصلون ببضعة متعهدين متعاقدين مع موك.

وموك لا تُظهر أبداً طريقة الاستبداد في تسييرها وهيمنتها وإنما تطلب أن يرفع الفصيل ما يريد وأن يفصّل فيما يريد وتدرس موك فتوافق وتستجيب أو لا توافق ولا تستجيب وفي بعض الأحيان لا تستجيب ولا تُجيب.

وإذا ظهر من بعض الفصائل أو الأفراد الذين أُدخلوا في موك تمردٌ أو عصيان لا يٌفيد فيه قطع امداد أو حجب تذخير، فإن موك تُعاقب سراً ما أمكنها بالخطف والتهديد أو الاغتيال و التغييب ….تغييب إلى غيبة كبرى بدون غيبة صغرى تقبل التوبة والعودة.

وإذا كان العصيان والخروج عن المرسوم أكبر وكان عدد المتمردين أكثر وكانوا منتمين لفصائل عديدة وكان هناك تداخل في التمرد بين فصائل موكية وغير موكية فإن عقاب موك الذي اختارته في موقعين ومشهدين كان دامياً ومكلفاً وأليماً ومجهضاً.

والمشهدين كانا في عين دقنة قرب تل رفعت وفي الكتيبة المهجورة قرب إبطع في حوران.

وملخص ما جرى في الكتيبة المهجورة وما أجمعت عليه كل المعلومات بكلمات هو وقوع الثوار المتقدمين في كمين معدٌّ مُهلك فيه كل عناصر الكمين الضخم المثالي:
– في تعريف الكمين الأساسي يوجد عنصر الإعداد المسبق والمباغتة و المفاجأة فلا يقولن أحد أن العدو لم يكن يعرف بالهجوم موعداً وحجماً وتفاصيلاً.

-حقل ألغام معد في الجهة التي حصل منها التقدم وقد فوجئ الثوار به وفي ذلك دلالات تشير إلى أنه حقل قد يكون أعدَّ لهم حديثاً.

-عدد من الأنفاق في محيط الكتيبة فوجئ المهاجمون بوجودها ومنها خرج والتف جنود العدو.

-تم استهداف المدرعات المخصصة لنقل المقاتلين من الثوار بصواريخ موجهة غير الآر بي جي ولا يظن أحد أن وجود الصواريخ المتطورة الموجهة المضادة للدروع هو أمر عادي على طول جبهات طويلة كانت باردة ساكنة.

-هجوم معاكس قام به العدو بسرعة ولا يمكن أن يقوم العدو بذلك بدون معلومات وفيرة وتأكد منه أن المستهدفين قد حوصروا وعُزلوا ولا يكفي في ذلك ما يرده من مراصده واستطلاعه.
ولقد حصل في عين دقنة في ريف حلب الشمالي مثل ذلك .
تقدمٌ للثوار في بداية المعركة في الجزء الأول للتلة الاستراتيجية المطلة على عين دقنة وتم دخول الثوار فعلياً لعين دقنة وانتظر العدو حتى وصول المقتحمين إلى ما يسمى في الكمين دائرة القتل والإبادة ثم فتح النار من كل الأسلحة المعدة المحصنة ووقعت الخسائر دفعة واحدة، ونجاح الكمين أنهى المعركة فوراً لصالح العدو….وانظروا للمشتركات بين المعركتين في الشمال والجنوب وتأملوا.

-كان هناك حملات نقد وتمرد وحشد في كلا المشهدين وتداعى كثيرون إلى العمل بدون موافقة قادتهم وفصائلهم….

في ريف حلب لاسترداد تل رفعت ورفض التأجيل والتسويف والتمرد على موم التي أصرت على قتال تنظيم الدولة فقط …بل كان الخبراء الأمريكيون موجودون كمستشارين لقوات البي يي دي الكردية التي احتلت تل رفعت.

وفي حوران كان الثوار تحت ضغط عاطفي ولوم ثوري هائل من سائر أنحاء سوريا ووصلوا إلى غليان بركاني بعد سقوط داريا ولم يستطيعوا فعل شيء لها لا من جهة مثلث الموت ولا من جهة القنيطرة وبعد بدء ملحمة حلب التي يتطلب الجهد لمساندتها فتح جبهة الجنوب لتشتيت الجهد المعادي.

-دخول أطراف الموك في المعركة وبشكل ظاهره تطوعي متمرد وحقيقته علم الموك وموافقتها لغرض في مكرها… إذ لا يمكن أن تُصرف وتُعوض ذخائر التمهيد الثقيلة بكثافة وغزارة بدون موافقة الموك والموم، وقد كان ذلك فعلاً في المعركتين غريباً وتركز على المشاركة بالثقيل عن بعد.

-شيوع خبر العمليات بل شيوع تفاصيلها بين الفصائل وبين المدنيين قبل أيام من التنفيذ.

-الاستعجال والإصرار على الدخول في المعركة باي شكل من قبل بعض الافراد رغم وجود تحذيرات ومحاولات لإيقاف العمل لضعف التنسيق بين المشاركين وعدم وجود خطة واضحة أو ابتكار يُنبئ بالنجاح.

-في كلا المشهدين كمين محكم مبيد…وهناك قصف مركز دقيق طال القادة الميدانيين في بداية المعركة: في المهجورة على طرف ساترها الذي تجمع القادة فيه وفي عين دقنة في المخزن الخلفي الذي تجمع فيه قادة جيش السنة المشاركين و حوى على القذائف الثقيلة المعدة التي انفجرت وأودت بهم. 

-في كلا المشهدين سقط عدد كبير من الشهداء وسقطت جثامين الشهداء بأيدي العدو وسحبها العدو لمناطقه ومثّل فيها وجرت عمليات تصوير واستعراض وصور سلفي مؤلمة للغاية ونُشرت على أوسع نطاق، وكأنه درس دموي هائل لا يُنسى يقول لمن يتمرد على موك وموم وعلى الكبار العابثين بالملف السوري: “إن إرادتنا لا تُقهر ولا يمكن تحديها وهذا مصير من يتحداها”

-تريد موك أن تُرعب المقاتلين وتردعهم من أي محاولة قادمة أخرى تكون خارج سرب الموك وخارج إرادتها.

-إرادة فرضت على الثوار أن يُجمدوا مواجهتهم للمستبدين والمحتلين وأن يكونوا فقط أداة بيد أميركا لتقاتل من تتهمه هي بالإرهاب وقد يكون في وقتٍ قادم أي فصيل من فصائل الحر مهما اشتد انتماؤه إلى الجيش الحر “المعتدل”.

-لقد كانت آخر محاولة ضخمة ناجحة فيها مبادأة واقتحام للجيش الحر في حوران قبل عملية الكتيبة المهجورة هي عملية تحرير اللواء 52 ثاني أكبر لواء في سوريا في حزيران عام 2015 ويبدو أن موك تُصر على جعلها خاتمة العمليات الناجحة ضد نظام بشار في الجنوب المحاذي لإسرائيل.

لقد وصل من داخل قلب حوران ملخصٌ لما جرى في المهجورة ننقله حرفياً: (حقيقة ما جرى بكتيبة المهجورة : الموك يأخذ تفاصيل عملية المهجورة بالتاريخ والمكان ويمد الثوار بالدعم المطلوب لتحرير المهجورة ثم يزود النظام بجميع تلك المعلومات  فتنجح خيانة الموك مع النظام بكمين للثوار وعندما بدأ الثوار يكتشفون من وراء هكذا خيانة كبيرة سرب الموك فواتير كمية الذخيرة التي زودها لتحرير المهجورة ليبعد عنه الشبهة !!! فهل أيقن الثوار تعامل الموك مع اسرائيل والنظام لتصفية جميع الثوار الشرفاء المخلصين) 

إنه نص منقول من داخل أرض حوران الحمراء الطاهرة….منها ابتدأت البدايات الناجحة للثورة وإليها قد تعود الحاسمات.

اورينت نت