لم يسبق لذكرى الثورة السورية، ولسنوات مضت، أن أخذت هذا الحيّز من اهتمام عالميّ في الإعلام والسياسة والدبلوماسية، كما هو في السنة العاشرة، حتى لكأن حلّ القضية السورية صار قاب قوسين أو أدنى، فمن الأمم المتحدة إلى الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي إلى الجامعة العربية إلى المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، وهو بالضبط ما يدفع لأسئلة تترى عمّا سيؤول إليه الأمر، وما المسارات التي يعدّها المنتجون والمخرجون، وتوزيع الأدوار لكافة قوى الصراع؟

ربّما لأن إدارة أمريكية جديدة صار إليها الأمر في البيت الأبيض، وهي من ذات اللون الذي كان له الفضل باستمرار مأساة السوريين، وباعتراف كبارهم أنهم- إبّان إدارة أوباما – أخطؤوا في تقدير الموقف، وأن أولويّتهم في الملفّ النووي الإيراني، كانت حائلاً دون أن يكونوا فاعلين إيجابيين حينئذٍ! ولكن هل ثمّة فاعلية أو فعل لهم، وبايدن الرئيس، وبلينكن وزير خارجيته، لم يأتِ أحد منهما على ذكر سورية في أي تصريح أو إحاطة حول إستراتيجية الإدارة الأمريكية أو سياستها فيما يخصّ منطقة ما انفكّ الدمار والموت والتشرّد يفعل فيها لما أوصلها، باعتراف كثير من الهيئات والمنظمات الدولية، إلى الكارثة الإنسانية، لا حدودها؟

    ولأن المتصارعين أغلبَهم، حقّقوا غاياتِهم أكثرَها، أخذ المفوّض الروسي بأمر سورية – بالاتفاق مع أمريكا- منذ 2015، يعمل في فترة الاسترخاء الأمريكي الآن، لإنجاز ما لم ينجزه قبلاً، محاولاً إسقاط مقررات جنيف1، والالتفاف على قراري مجلس الأمن 2118 و2254 في مساري أستانا وسوتشي، وكأنه حاوٍ يروم أن “يخرج الزير من البير”! فيبدع مساراً جديداً “مسار الدوحة”، مبعداً إيران شريكه، استمالةً لدول الخليج وفتحاً لثغرة في “قانون قيصر”، عبر الإيهام بأهميّة عودة النظام إلى الجامعة العربية، وضرورة عودة الاستقرار وفق الرؤية الروسية لسورية، ليتمكّن من قطف بعض ثمار انتصاره العسكري، ولو ببداية متواضعة لإعادة الإعمار وعودة اللاجئين، وقبلها كان بالون اختبار ملوّن مزركش سمّي ” المجلس العسكري المشترك”، وقبل هذا وذاك، التقدّم في الجزيرة السورية حيناً، أو التفاهم مع قسد حيناً أو الأتراك أو الأمريكان أو الإسرائيليين أو إيران أحياناً، أو إعمال القتل والتدمير بالسوريين في الشمال الغربيّ في كلّ حين، إن أراد ابتزازاً أو مقايضة، دأبَ مَن يفرّ بمكسبٍ يخال أنه سيخسره إن تأخّر، وشَغَف مَن يعتقد أن الآخرين عنه في غفلة.

    عقد من معاناة السوريين وعلى مرأى ومسمع العالم، وكمّية من الوثائق التي تدين العصابة الأسدية، تزيد على وثائق كل الجرائم والحروب التي هزّت العالم في العصر الحديث، ربّما دفعت، وستدفع الكثيرين، لمراجعة مواقفهم ندماً، أو غسيل أخلاقهم تطهّراً، وهو ما بدأ بالتراكم في الفترة الأخيرة، فالسوريون أنفسهم بدؤوا يراجعون مسيرتهم في الثورة، ويتحدثون عن أخطائهم وخطاياهم، التي غيّبت دورهم في قضيتهم، وجعلت قرارهم مرتهناً لهذه أو تلك من الدول، فعجزوا عن الفعل، إذ غدت سورية موضوعاً لمصالح إقليمية ودولية، وتأخّرت قضية الشعب السوري في اهتمام العالم، ولم تعد، إلى حين، من الأولويات؛ على الرغم من مخاوف الغرب من لجوء الملايين خلال العقد القادم، ومخاوف حروب لا تنتهي في المنطقة إلا بتفتّتها.

    وعلى الرغم من البيانات لأكثر من جهة دولية وإقليمية تساند قضية السوريين، وتعِد بالعمل لأجلها إنسانياً وحقوقياً وسياسياً، إلا أنها لم تخرج عن إطار المشاعر النبيلة المنفعلة لهول الكارثة، والعبارات الدبلوماسية في مثل هذا المقام، لأن مَن يمتلك القرار لا يرى أنه في عجلة من أمره، مادام في ذلك تحقيق لمصالحه، وخدمة لإستراتيجيّته وسياساته في الملفّات الأخرى العالقة مع أكثر أطراف الصراع في سورية، وبذلك تكون القضية السورية جزءاً من الملفّ الإيراني، وقد يستجد أمرٌ فتُلحق بالملفّ الأوكراني، حتى يغدو ما يحدث، وكل هذا الكمّ من التحليلات والإشاعات والاختبارات والأمنيات جعجعة لطحين مؤجّل! 

وما يؤكد ذلك تراجع بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي عن المشاركة في مؤتمر بروكسل – نهاية آذار – المخصّص لدعم العملية السياسية في سورية، وإبلاغ أمريكا حلفاءها في التحالف الدولي ضد «داعش» نيّتها إبقاء قواتها العسكرية لـ” مدّة مفتوحة ” في شمال شرقي سورية. 

وأمّا الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية ” برايس ” فيؤكّد أن الإدارة الأمريكية تواصل الترويج لتسوية سياسية تنهي النزاع في سورية، ويرى أن النهاية المستدامة للحرب توجب على الحكومة السورية تغيير سلوكها.

    أمام ما حدث ويحدث لم يبقَ أمامنا-السوريين- إلا أن نكون فاعلين في جملة المتغيرات الدولية والإقليمية، فنعمل على جمع صفوفنا وتوحيد رؤيتنا، وندأب كأصحاب قضية، فليس من حقّ أحد أن يمنع الحرية عن شعب هبّ يريدها، وليس من قوة أو قدرة تستطيع ردّه، مهما كانت ألاعيب السياسة ومصالح الدول، ومهما طال الزمان وارتفعت الكلفة.