يشهد ريف دير الزور الشرقي، شمالي نهر الفرات الخاضع لسلطة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، غلياناً شعبياً متصاعداً منذ عدة أيام، على خلفية اتهام “قسد” بالقيام بإجراءات تعسفية بحق المدنيين، في سياق عملية عسكرية تستهدف أوكاراً لتنظيم “داعش”. وتزامن الغليان مع اندلاع حركة احتجاجية، بسبب محاولات “الإدارة الذاتية” الكردية فرض منهاج دراسي جديد، صُنّف بأنه محاولة للعبث بهوية المنطقة. دفع كل هذا إلى إصدار “أبناء دير الزور”، بياناً، أول من أمس الأحد، أكدوا فيه أن “قرى عدة في ريف دير الزور الشرقي تتعرض لحملة انتقامية همجية من قسد، رداً على الرفض الشعبي للمناهج التي تريد فرضها على المدنيين العرب في مناطق سيطرتها، إضافة إلى نشر الرعب والخوف وفرض السيطرة بالقوة”. وأضافوا أن هذه القوات اقتحمت “بمساندة التحالف الدولي قرى ومدن وبلدات البصيرة والشحيل والزر وابريهه وجديد عكيدات، واعتقلت وضربت وأهانت أبناء هذه القرى والبلدات بحجة مكافحة الإرهاب”، مشيرين إلى أن هذه القوات “ارتكبت، خلال اليومين الماضيين، الضرب والشتم والاعتقال التعسفي وترهيب وتعنيف الأطفال والنساء في المنطقة، واستخدام عبارات مهينة أثناء المداهمات، وفرض حظر تجول معلن، مصحوب بقطع الكهرباء وتوقف بعض المخابز ومعامل الثلج عن العمل”.

ولفت “أبناء دير الزور” إلى أن قوات “قسد” حولت مساجد إلى نقاط عسكرية ومنعت رفع الأذان وإقامة الصلاة فيها، واعتقلت الناشطين الذين نظّموا تظاهرات رافضة للمنهاج الكردي، واعتقلت مدنيين، وصوّرتهم على أنهم إرهابيون وعناصر في تنظيم “داعش” مع أسلحة شخصية. كما حمّلوا “التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الداعم الأساسي لقسد في هذه الحملة، المسؤولية عن حياة مئات آلاف المدنيين في هذه المناطق”.

مع العلم أنه من المفترض أن تبدأ مدارس منطقة شرقي نهر الفرات، التعامل مع المنهاج الدراسي الجديد في العام الدراسي المقبل. غير أن مصادر محلية أكدت لـ “العربي الجديد” أن هذا المنهاج “مرفوض بالمطلق”، مضيفة أن “فرضه بالقوة سيؤدي إلى احتقان شعبي كبير لا أحد يمكن أن يتكهن بالنتائج في حال انفجاره”. وحذّرت هذه المصادر من أن يكون فرض هذا المنهاج مدخلاً للنظام للعودة إلى منطقة شرقي نهر الفرات، مشدّدة على أن “لا أحد يريد رؤية قوات النظام والمليشيات الإيرانية شرقي الفرات، ولكن تصرفات الإدارة الذاتية وقوات قسد ربما تفتح الباب أمام النظام والإيرانيين للعبث باستقرار المنطقة”.

من جهتها، كشفت “قسد” أنها بصدد المرحلة الثانية من حملة “ردع الإرهاب” في ريف دير الزور الشرقي، بدعم جوي وأرضي من التحالف الدولي، منوّهة إلى حصول “عمليات اقتحام وتمشيط استهدفت أوكار الإرهابيين والمشتبه بهم، وأسفرت عن إلقاء القبض على ستة أشخاص منتمين لتنظيم داعش”. وأضافت في بيان أنها “استولت على أسلحة من نوع كلاشنكوف، وعدد من الألغام التي تم تجهيزها لتُستخدم في فترات لاحقة، بالإضافة إلى خمسة هواتف وجهاز كمبيوتر محمول تعود إلى تلك الخلايا”. وكانت “قسد” قد أطلقت، مطلع شهر يونيو/حزيران الماضي، عملية أمنية واسعة لملاحقة خلايا التنظيم في الريف الجنوبي للحسكة وريف دير الزور الشرقي المحاذية للحدود العراقية السورية. وتسيطر هذه القوات عملياً على ريف دير الزور الشرقي، الذي يضم عدة بلدات كبيرة، منها البصيرة وهجين، وبلدات عشيرة الشعيطات وهي الحمام والغرانيج والكشكية.

وفي محاولة من قوات “قسد” تطويق الاحتقان في ريف دير الزور الشرقي، وجّه الرئيس المشترك لـ”مجلس سورية الديمقراطية” (مسد، الجناح السياسي للحركة العسكرية) رياض درار (وهو من أبناء دير الزور) رسالة إلى سكان المنطقة الشرقية من سورية، معتبراً فيها أن “بعض الأطراف تسعى لخلق فتنة وجر المنطقة إلى صراع بين الأكراد وباقي الأهالي”. وأشار إلى أن المناهج الدراسية “لا تستحق أن تكون مبرراً للفتنة”، مؤكداً أنه “يمكن إيجاد الحلول لها”. ودعا إلى “وجوب إلجام العقلية العنصرية لأنها تخدم الفتنة، وتخدم عودة المتطرفين”، مضيفاً أن أي خلل الآن قد يجعل النظام مستفيداً، لأنه الأقرب للتدخل مع الإيراني، وأن ثلاثي آستانة (تركيا، روسيا، إيران) ليس بعيداً عن الوقوف وراء هذه الإشغالات.

من جانبه، اتهم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، في بيان، ما أسماها بـ “مليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الإرهابية ومجموعات تابعة لها”، بـ “تهديد النسيج الاجتماعي في المنطقة”، معتبراً أنها “تستهدف الفئة الحية النشطة والفاعلة في المنطقة، مستغلة شعارات الحرب على الإرهاب من أجل فتح حرب على المجتمع المدني ومنعه من ممارسة دوره في الدفاع عن المدنيين”. في السياق، أعرب مدير مركز “الشرق نيوز” فراس علاوي، في حديث لـ”العربي الجديد” عن اعتقاده، أن الأوضاع في ريف دير الزور الشرقي “لن تصل إلى مرحلة الصدام”. ورأى أن مطالب الأهالي لها “سقف معين وهي إدارة المنطقة من قبلهم”، مضيفاً أنهم “لم يطالبوا بخروج قسد والتحالف الدولي”. وأشار علاوي إلى أن هناك دعماً دولياً وعربياً لحراك ريف دير الزور، من أجل استعادة أهالي المنطقة حقهم في الإدارة، لافتاً إلى أنه “يبدو أن واشنطن بصدد إحداث توازن ما بين سلطة عسكرية بيد قوات قسد، وسلطة مدنية يتولاها أبناء المنطقة”.