صار معروفاً للقاصي والداني وعلى امتداد الكون ، أن سورية لم تعرف الانتخابات منذ استيلاء حزب البعث على السلطة عام 1963 . وكل ما جرى خلال ما يقرب من ستة عقود تحت هذا العنوان ” انتخابات ” لا يستحق اسمها ، ولا يمكن تصنيفه في سجل الانتخابات حتى وفق أدنى المعايير . وهذا يصدق على جميع أنواع لانتخابات الرئاسية والبرلمانية والنقابية والإدارة المحلية ، حتى انتخابات الطلبة . فما كان يجري ليس أكثر من عملية تزوير وقحة لإرادة الشعب ، تقوم بها الأجهزة الأمنية والمؤسسات السلطوية . تبدأ من صندوق الاقتراع ، ولا تنتهي بإعلان النتائج وأرقامها المحددة سلفاً . وإن ينسى السوري لا ينسى نسبة 99,99% التي كانت ترافق الانتخابات الرئاسية بوجود مرشح وحيد .

الانتخابات الرئاسية الموعودة في نيسان القادم ، والتي يتحضر لها بشار الأسد ونظامه ، ويقوم الروسي بتوضيبها والإعداد لها ، لا تخرج عن هذا السياق . باستثناء الرغبة بإضافة عنصر تضليل جديد بوجود مرشح آخر من طرف المعارضة ، ينافس على كرسي الرئاسة . وبذلك تتم ” المصالحة الوطنية ” ، وتعود المياه إلى مجاريها ، ويا دار ما دخلك شر . فبعد الفشل المتكرر للسياسة الروسية في مساعيها المتعددة الأشكال من أجل إعادة تدوير النظام وتأهيله للاستمرار ، تسهيلاً لتحقيق مآربها ومصالحها كدولة احتلال ، لذلك تعمل باجتهاد على الاستفادة من هذا الاستحقاق لتحقيق ذلك . فمنذ ابتداع مسار أستانا بجولاته الثلاث عشرة وسوتشي ولجنته الدستورية مروراً بمحاولات مخفقة لجذب المستثمرين تحت عنوان ” إعادة الإعمار ” ، والاستغلال الفاشل لقضية اللاجئين بمؤتمر ” عودة اللاجئين ” الذي عقدته في دمشق وصولاً إلى الانتخابات ، التي تفيدها في الاستثمار على الأرض من جهة ، وفي ضرب العملية السياسية ، التي بدأت ببيان جنيف 2012 ، وانتهت بالقرار الأممي 2254 لعام 2015 والاستيلاء عليها من جهة ثانية .

من هنا جاء الرفض الشعبي الواسع ومن منظمات الثورة ونشطائها لقرار ” الائتلاف ” المتعلق بتشكيل       ” مفوضية عليا للانتخابات ” ، والحراك السياسي والميداني بمواجهة هذا المشروع ، الذي تحيط به الشبهات من كل الجوانب ، وتطل منه إرادات الدول ومصالحها بشكل لا يخفى على أحد . لأنه بكل بساطة ودون تورية ، يعلن انضمام الائتلاف للرؤية الروسية وملاقاة مسارها للحل السياسي . مما أجبر قيادة الائتلاف على إيقاف العمل بالقرار والاجتهاد في محاولات مخفقة للدفاع عن نفسها وعن القرار دون نجاح يذكر . 

إن أي انتخابات لا تجري في موضعها الصحيح وموعدها المحدد ضمن مندرجات المرحلة الانتقالية ، تبقى مرفوضة من الشعب لأنها تزوير فاضح للعملية السياسية وحرف لها عن مسارها الصحيح ، التي تبدأ من تشكيل هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات ، التي تتولى مهام المرحلة الانتقالية ، وتكون الانتخابات الرئاسية آخر هذه المهام . ولا يكون لبشار الأسد وزمرة القتل والإجرام التي تحيط به أي دور فيها . 

والسؤآل الذي يفرض نفسه : هل تكون هذه العملية آخر المحاولات لإجهاض العملية السياسية ، وحرمان السوريين من فرصة ممكنة للحل وفق التوافق الدولي والقرارات الأممية ؟