حركت صور الضحايا التي سربها المصور قيصر الكثير من المواقف بعد دخول القانون حيز التنفيذ في السابع عشر من الشهر الماضي. واللافت أن الكثير من الصور سبق نشرها بعد أن أقر الكونغرس القانون في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ولكنها لم تثرْ نفس ردود الفعل الحالية التي نشهدها منذ حوالي أسبوعين، وبشكل خاص على وسائل التواصل. وأكثر المواقف تأثيراً تلك التي تصدر عن أقارب ضحايا بدؤوا يتعرفون على صور ذويهم، ومثال ذلك الكاتب عدنان زراعي الذي نعاه أصدقاء ومعارف يوم السابع والعشرين من الشهر الماضي، ونشر البعض صوراً تجمعه به، وصوراً أخرى له مع بعض أفراد عائلته وصورة من ملفات قيصر هناك من قطع بأنها تعود له.
وهناك مثال آخر يتعلق بالمقدم حسين الهرموش أول الضباط الذين انشقوا عن جيش النظام في عام 2011، وتم استدراجه من تركيا وإلقاء القبض عليه، وظهر على التلفزيون الرسمي لاحقاً، ومن بعدها انقطعت أخباره. والصورة المنشورة نقلاً عن ملفات قيصر شديدة الشبه بالهرموش، ولكن شقيقه نفى أن تكون الصورة التي جاءت في ملف قيصر عائدة لشقيقه، وساق بعض الأدلة المقارنة بين الصورة الأصلية وتلك التي جاءت في ملف قيصر، ولكن الأدلة تبدو واهية ذلك أن الشبه بين الصورتين كبير جداً، والأمر ذاته بالنسبة للكاتب الزراعي، حيث نفى أقاربه بعد ساعات أن تكون الصورة الواردة في ملفات قيصر عائدة له، الأمر الذي دفع الأصدقاء إلى سحب النعوات وحذف الصور، وإصدار توضيحات اعتمدت على ما نشره الكاتب ممدوح حمادة: “وردني من جهة قريبة من أسرة الكاتب عدنان زراعي أن أهله ينفون خبر وفاته تحت التعذيب وأن لديهم معلومات أخرى تثبت عدم صحة ذلك”.
وبعد أقل من ساعة جرى الرد على هذه المعلومة ببيان منسوب إلى عائلة الزراعي ولم يتم التأكد من صحته “نحن عائلة الشهيد الفنان عدنان الزراعي نرد على الأساتذة الذين نفوا استشهاد عدنان في أقبية النظام. عدنان اعتقل عام ٢٠١٢ ومن ثم زوجته عام ٢٠١٣ التي خرجت بعد مدة زمنية ليست بقصيرة ، وعدنان لم نعلم عنه أي خبر منذ ذلك الوقت، ونؤكد على أن الصورة التي صدرت من ملف قيصر تعود للشهيد عدنان تقبله الله بإذنه تعالى والحمدلله الذي شرفنا بشهادته”.
وجرى التشكيك من قبل بعض رواد وسائل التواصل برواية شقيق الهرموش، وأكد المشككون على أن أهالي بعض الضحايا المعروفين تلقوا تهديدات من أجل إصدار مواقف من قبيل التشكيك بالصورة أو خبر القتل تحت التعذيب على يد أجهزة الأمن السورية. وهناك بعض الوجاهة في هذا الرأي بعد أن بدأت الصور التي توالى نشرها خلال الأسبوعين الأخيرين تشكل رأياً عاماً محلياً وخارجياً.
وفي الداخل ظهرت صور لأشخاص تمت تصفيتهم تحت التعذيب في حين أنهم لم يكن معروفاً عنهم أنهم حتى من المشاركين في التظاهرات السلمية، ويبدو أن بعض هؤلاء ذهب ضحية وشاية أو تقرير مخبر، وهذا يشكل إدانة كبيرة لأجهزة الأمن، ولا يقف الأمر هنا بل يذهب نحو ملفات بقية المعتقلين المختفين قسرياً منذ بداية الثورة السورية، والتي وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أسماء حوالي 140 ألفاً، علماً أن ملفات قيصر تقف عند عام 2013، وتحتوي على 55 ألف صورة لـ 11 ألف معتقل تم تصفيتهم. أي أنها توثق فترة قصيرة وهذا ما ركز عليه الإعلام الأجنبي وردود الفعل الدولية التي وقفت عند الشرط الوارد في قانون قيصر، والذي جاء فيه ” إطلاق المعتقلين السياسيين المحتجزين قسراً، ومنح المنظمات الدولية لحقوق الإنسان حق الوصول إلى السجون ومراكز الاعتقال في سوريا.”
ومن خلال ردود الفعل التي رافقت نشر الكثير من الصور يمكن تسجيل عدة ملاحظات على درجة كبيرة من الأهمية. أولى الملاحظات يمكن أن تشكل الصور مادة إعلامية مهمة اليوم من أجل تحريك الرأي العام الدولي الذي تراجع في السنوات الأخيرة تجاه الثورة السورية وتغاضى عن جرائم أجهزة الأسد بسبب جرائم داعش.
والملاحظة الثانية أن يتم التعامل مع ملف الصور على أنه شأن على درجة عالية من الحساسية، ولذا يجب تنظيم عملية النشر لأن العشوائية في النشر خلقت ردود فعل سلبية، في حين يمكن توجيه المسألة سياسياً. والملاحظة الثالثة أن يتم التعاطي مع نشر الصور على وسائل التواصل بمسؤولية، ليس على سبيل احترام الضحايا وذويهم، وإنما احتراماً للعدالة.