لندن – إبراهيم حميدي

الأزمة السورية التي بدأت تظاهرات سلمية، تحولت في السنوات الست الماضية، بسبب فاعلين محليين وخارجيين، «حروباً متعددة» انغمس فيها «داعش» وتنظيمات متطرفة من جهة وأطلقت «حرباً بالوكالة» بين متنافسين إقليميين للفوز بكل البلاد أو ببعض منها. وأمام تردد إدارة الرئيس باراك أوباما وعدم تحقيق السياسات الغربية أهدافها المعلنة، غامر الرئيس فلاديمير بوتين في سورية ليحولها منصة لعودة روسيا إلى الشرق الأوسط وورقة في اللعبة الدولية.

لكن القلق، أنه بعد الدمار البشري والمادي جراء «الحرب بالوكالة» في سورية، أن يتم الاتفاق على «سلام بالوكالة» أو الاقتصار على «الخيار العسكري الضيق» في محاربة «داعش» ما يؤسس إلى مزيد من الانقسام والتشظي… و «الحروب».

«جرس الإنذار» هذا، أطلق خلال مؤتمر نظمته مؤسسة «تشاتام هاوس» البريطانية في لندن أمس، الذكرى السادسة لبدء الأزمة، لمناقشة تقرير أعده خبراء سوريون وبريطانيون خلال ستة أشهر من البحث بمبادرة من مديرة الشرق الأوسط في المؤسسة لينا الخطيب. ومحرك النقاش، كان في مقدمة انطلاق المؤتمر، من أن «النزاع تحول بسبب جملة من اللاعبين المحليين والخارجيين إلى حرب متعددة الجوانب: المعارضة السورية ضد النظام و «داعش» والأكراد. الأكراد ضد «داعش» ويقيمون علاقة متوترة مع المعارضة، إضافة إلى صراع وتنافس داخل قوى المعارضة. كما تأثر الصراع بسبب التدخل العسكري المباشر والدعم المالي. الدعم الخارجي للاعبين السوريين (النظام والمعارضة) أدى إلى استمرار الصراع، لكنه لم يسمح بانتصار أي منهما على الآخر، ما أدى إلى حرب استنزاف عنيفة من دون نهاية في الأفق».

وأمام تمكن التدخل الروسي المباشر في نهاية 2015 ونجاح الدعم العسكري والمالي من موسكو وطهران في إنقاذ النظام من الانهيار، ناقشت ورقة «تشاتام هاوس» الخيارات المطروحة أمام الدول الغربية في سورية، حيث تقف هذه الدول أمام «معضلة من صنع أيديها. إذ إنه بعدما رأت هذه الدول مدينة حلب تسقط أمام أعينهم (نهاية العام الماضي)، هل تقبل هذه الدول التهميش وتترك روسيا وإيران تحلان الصراع وفق مصالحهما؟ أم تبحث هذه الدول عن إعادة صوغ الخيارات وتنفيذ استراتيجية مؤثرة؟»، قبل أن يحاجج التقرير دفاعاً عن الخيار الثاني لـ «تحقيق الأكثر في أقل استثمار ممكن».

وحض التقرير، الذي شارك في أوراقه نبيل غويلام وكريستوفر فيليبس وتيم هاتون وحايد حايد ولينا سنجاب والناطق الإعلامية باسم «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة بسمة قضماني، على ضرورة أن تتعلم الدول الغربية من «أخطائها» الناتجة من أسباب عدة بينها الانقسام بين الدول وبين مؤسسات كل دولة من داعمي المعارضة، إضافة إلى حصر الدول الأوروبية دورها في المساعدات الإنسانية… مع استمرار بعض الدول للدفع عن تحقيق أهداف «غير قادرة على تحقيقها مثل إزالة (الرئيس بشار) الأسد، على الرغم من غياب هذه الدول عن المسرح»، إضافة إلى اقتراح استخدام الأدوات الموجودة للحصول على بعض التنازلات: «استخدام الحوافز الاقتصادية للحصول على تنازلات في العملية السياسية، لأن نظام الأسد حصل على تنازلات من الأطراف الأخرى من دون إعطاء أي شيء».

أميركياً، أشار التقرير إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب، على عكس إدارة أوباما، يتوقع أن تدعم كلماته بالأفعال، ذلك أن أدوات النفوذ الأميركية عدة بينها «العقوبات والتجارة وإعادة البناء في مرحلة ما بعد الصراع، لأن روسيا وإيران ليست لديهما القدرة على تمويل إعادة البناء»، في إشارة دعم لترتيب أولويات المؤتمر السياسي- الاقتصادي الذي سيعقد في بروكسيل في 4 و5 الشهر المقبل، لربط إعادة الإعمار بـ «انتقال سياسي ما».

لكن الأهم أن الحرب على الإرهاب في سورية، التي باتت أولوية للفاعلين الدوليين والإقليميين خصوصاً مع اقتراب موعد معركة تحرير «الرقة» من «داعش»، يجب أن تذهب إلى «ما وراء التدخل العسكري»، بحسب التقرير الذي حذر من أن خطاب ترامب لا يزال يركز على «الخيار العسكري الضيق» لمحاربة المتطرفين. وقال: «بدلاً من ذلك، يجب اتباع مقاربة متعددة الجوانب، بحيث تشمل مصالح اللاعبين الخارجيين في سورية ومصالح حلفاء النظام مع ضمان عدم تهميشهما»، إضافة إلى الأخذ في الاعتبار أن الصراع أنجب متنفذين ولاعبين جدداً في سورية وضرورة «قيام حكم تمثيلي».

أيضاً «لا بد من الأخذ في الاعتبار الفصائل المسلحة الموجودة على الأرض» مع النظام والمعارضة، بحسب التقرير، الأمر الذي بنى عليه رئيس «مركز الخليج للدراسات» عبدالعزيز الصقر ليجدد رأيه في أن الحل يكون بتشكيل مجلس عسكري مشترك خلال المرحلة الانتقالية في سورية. وقال في إحدى ندوات الحوار، إن المجلس العسكري مهم لأنه يضمن «الحفاظ على هيكلية الجيش وتغيير وجهة الجيش هي قرار سياسي ويضم ممثلي فصائل المعارضة أيضاً ويضمن المرحلة الانتقالية» في سورية.