رسالة سياسية !

    هذه الرسالة نتاج المناقشات السياسية التي جرت في اجتماع اللجنة المركزية أواخر تشرين الثاني 2015 . لقد عبر عنها البلاغ الصادر عن هذا الاجتماع . ثم جرى تبادلٌ للرأي حول التطورات اللاحقة . فيما يلي أهم الملاحظات على الوضع السياسي الحالي :
أولاً : الغزو الروسي وتداعياته :
    مضى ما يقارب من ثلاثة أشهر على العدوان الروسي على بلادنا . هذا العدوان أدخلنا في صراع جديد مع الاستبداد وحماته القدامى والجدد . وأضحى له تداعيات عديدة على مختلف المستويات ، داخلياً وعربياً وإقليمياً ودولياً .
    ادعى الروس أن تدخلهم جاء ” لمحاربة الإرهاب ” . لكن ممارساتهم على أرض الواقع ، تجلت في جرائم وحشية بحق الشعب السوري وقواه الثائرة . وكشفت بوضوح أن هدفهم الحقيقي حماية النظام من السقوط ، وإعادة تأهيله ليكون طرفاً مقبولاً في الحل السياسي . أما الأسباب العميقة التي دفعت روسيا للقيام بهذه المغامرة ، باعتقادنا يمكن تفسيرها بما يلي :
    1″ – الرغبة الجامحة لاستعادة موقعها الدولي الذي فقدته بعد انهيار الاتحاد السوفياتي . إذ جرى تهميشها وعزلها في حدودها الجغرافية الحالية ، بل وبمواجهتها في محيطها الحيوي ( أوكرانيا مثلاً ) . كما نلحظ تركيز السلطة الروسية وبوتين خاصة على القومية الروسية المستندة إلى القوة العسكرية والكنيسة الأرثوذكسية .
    2″ – الاستفادة من عزوف الولايات المتحدة الأميركية عن الانخراط في إدارة وحل الأزمات الدولية . مثاله الواضح موقفها من ثورات الربيع العربي وما رافقها من حروب وفوضى هددت الأمن والسلم في المنطقة العربية والعالم . فهي تسعى لملء الفراغ الذي خلفته سياسات أوباما .
    3″ – استغلال الأوضاع السورية الحالية كورقة رابحة حين البحث عن حلول للمسألة السورية ، بما يخدم مصالحها في سوريا وعلى المستويين الإقليمي والدولي . فهي إذاً تتطلع إلى تسويات مع الغرب لتخفيف الضغوط التي تمارس عليها في مسائل كثيرة كأوكرانيا والدرع الصاروخي في أوروبا والعقوبات الاقتصادية وتدني أسعار النفط الخ…….          
     4″–هناك من تحدث عن قلق خفي لدى الروس من تقارب إيراني أميركي بعد التوقيع على الاتفاق النووي.
    هذا الواقع أدخلنا في تعقيدات جديدة أبرزها عدم الرضى الكامن لدى الغرب عموماً والولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً عن هذا التدخل بسبب اخلاله بالتوازنات الدولية والإقليمية . وكأنهم راغبون في اغراق الروس في الوحل السوري . هذا يعني أننا أمام تعقيدات جديدة للوضع السوري بمجمله ، بما فيها البحث عن حل سياسي للقضية السورية
ثانياً : التصدي الميداني للغزو الروسي :
    بعد أن عزز الغزو الروسي تواجده العسكري في منطقة الساحل كقاعدة انطلاق لعملياته العسكرية ، بدأ بشن غاراته الجوية الكثيفة على المواقع والمناطق التي يسيطر عليها الثوار . مستهدفاً المدنيين العزل بشكل متعمد ، مرتكباً المجازر الفظيعة بحقهم ، كمجازر دوما وجبل التركمان والأتارب ومسكنه وإدلب وريفها ، ومجازر أخرى في وحلب وريفها والغوطة الشرقية ودير الزور . كما تستهدف المدارس والأفران والمباني والمشافي والأسواق الشعبية والمؤسسات الإنسانية . إن ما تقوم به روسيا اليوم لا يختلف عمّا قام به نظام الأسد خلال السنوات الأربعة الماضية ، ولكن بقوة نيرانية أكثر قتلاً وتدميراً وتحت أعين العالم بأسره . هذا ماوثقته منظمة هيومان رايت وتش، ودانته منظمة العفوالدولية في تقريرها الأخير بوصفه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية .
     بفضل صمود الثوار ، فشل الهجوم البري على أغلب الجبهات، حيث تكبد النظام وحلفاؤه الإيرانيون وحزب الله خسائر فادحة في العديد والعتاد بمواجهته ، رغم الغطاء الجوي الروسي .
   من أجل إحكام الحصار حول حلب وعزلها عن إدلب والسيطرة على خط الأمداد الرابط بينهما ، شنّ العدوان الروسي غاراته على ريف حلب الجنوبي . فكان أشد ضراوة وتدميراً . وأدى إلى نزوح أكثر من مئتي ألف من المدنيين بعد أن دمر القصف مدنهم وقراهم . كما دارت معارك عنيفة بين الثوار وقوات النظام مدعومة بقوات الغزو الإيراني وحزب الله وبغطاء جوي روسي .فبعد كر وفر نجح الثوار في استعادة المناطق التي خسروها ، بعد أن قتلوا المئات ودمروا عدداً كبيراً من الدبابات والآليات الثقيلة .
     كشف الغزو الروسي حقيقة موقف روسيا من القضية السورية ، وزيف ادعائها البحث عن حل سياسي بالتعاون مع الأطراف الدولية والإقليمية والعربية بتحولها إلى طرف معاد لتطلعات الشعب السوري ، وتطلعات العديد من القوى الطامحة لحل سياسي وفق بيان جنيف 1 . كما تؤكد وقائع العدوان اليومية أن معظم ضرباتها تتوجه ضد المدنيين ومواقع الثوار بنسبة 95%، ولم تضرب مواقع داعش بأكثر من 5% .
    منذ بداية الغزو وحتى كتابة هذه السطور ، لم تستطع القوات الروسية المتعاونة مع قوى الغزو الأخرى ،تحقيق أي نصر ملموس يمكن أن يغير من موازين القوى، وبالتالي يمكنها من فرض أجندتها السياسية  في سورية .
ثالثاً : انعكاس الغزو على المواقف العربية والإقليمية والدولية :
    لاشك أن مشاعر العرب عموماً غاضبة من العدوان الروسي على سوريا . ولا بد أن تضغط وتؤثر على مواقف الدول العربية ، وخاصة تلك التي تتعاطف مع الثورة السورية .
    على المستوى الرسمي العربي يمكن القول أن الدول العربية منقسمة إزاء هذا الحدث .لعل أسوأ المواقف جاء من مصر والعراق اللذين يدعمان العدوان وينسقان معه . وهناك دول تقف بين بين كالأردن والكويت والإمارات ، بخلاف الموقف الحازم الذي تقفه المملكة العربية السعودية . من متابعة حراك مسؤوليها فإنها تعمل على أربعة محاور. أولها البحث عن موقف عربي موحد من العدوان والحلول المطروحة للأزمة السورية . وثانيها التحرك دولياً للتنسيق مع الدول الصديقة والاتفاق على مبادئ وأسس للحل السياسي وفق بيان جنيف . كذلك حل عقدة الأسد خلال الفترة الانتقالية وإبقائه بلا سلطات ولمدة محددة . وثالثها العمل على توحيد صفوف المعارضة السياسية والعسكرية وخروجها برؤية سياسية موحدة لحل الأزمة السورية ، وهذا ما تجلى في مؤتمر المعارضة الذي انعقد في الرياض بتاريخ 9 – 10 /12 / 2015  . أما التوجه الرابع فهو دعم المقاتلين بالسلاح المتطور وبالتنسيق مع تركيا . كما أعلنت عن تشكيل التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب بقيادتها مقره الرياض .
    على المستوى الإقليمي ، جاء الغزو الروسي بناء على إلحاح من إيران . خلال الأشهر الأخيرة ، كان قاسم سليماني يتردد إلى موسكو ويحثها على التدخل بعد أن ظهر عجز بلده وميليشياتها وحزب الله عن تثبيت أركان النظام . كما لحق العراق بهما وشارك في تقديم الخدمات الضرورية للمعتدين ، كان  تشكيل غرفة استخباراتية رباعية ( روسيا ، وإيران ، والعراق ، والنظام السوري ) ، ومقرها بغداد . لكن مؤشرات كثيرة بدأت تبرز مؤخراً ، لتكشف عن وجود تناقضات كبيرة في المصالح لكل منهما . فإيران رغم فشلها لاتزال تطمح لتحقيق نصر عسكري ، انطلاقاً من طبيعة مشروعها . بينما يسعى الروس لفرض حل سياسي يضمن مصالحهم ، مع بقاء موضوع رحيل الأسد للمساومة ، بينما تعتبره ايران خطاً أحمر . وفي الوقت الذي يعزز فيه الروس مواقعهم على الأرض ، يتراجع الدور الإيراني ليصبح في المرتبة الثانية. لقد ظهر ذلك مؤخراً حتى في الأداء الميداني . فرغم أن روسيا أمنت الغطاء الجوي لحلفاء النظام ، لكنهم فشلوا في تحقيق أي انجاز ، وتكبدوا خسائر فادحة لا يتحملونها ، مما اضطروا إلى تقليص حجم الحرس الثوري في ميادين القتال .
    سبّب العدوان الروسي مزيداً من الإرباك لدى المسؤولين في تركيا . فهم يعانون من مصاعب داخلية وخارجية نتيجة دعمهم للثورة السورية ، واستقبالهم أفواج اللاجئين بمئات الألوف ، كمأوى لهم أو كممر إلى أماكن اللجوء في أوربا . 
     لقد أضحى الوجود الروسي في جنوب بلادهم ، وبسبب الغارات الطائشة ، أخذ يهدد  الأمن التركي ، خصوصاً بعد التحذيرات التي وجهها الروس لهم .لكن الأتراك ونتيجة التمادي الروسي في خرق الأجواء التركية ، اسقطوا إحدى مقاتلاتها ، وأدى هذا إلى مزيد من التأزم في العلاقة بين البلدين .
    تسعى موسكو لفرض الأمر الواقع على تركيا ، وأن تقلع عن مشروع المنطقة الأمنة ، لأنها تشل نشاطها العسكري هناك ، وأن تسلم بالوجود الروسي كما هو حتى لو أدى إلى تهميش دورها وإخراجها من دائرة الصراع . كما تسعى أيضاً إلى اضعاف دور كل من السعودية وقطر .
   يدرك بوتين ، أن الضربة التركية ، ليست فقط لعرقلة قواعد الاشتباك فحسب ، بل تطمح إلى تغييرها ، وهذا ما لم يكن قادراً على قبوله أو السكوت عنه . لذلك شكل تصعيده نوعاً من التحذير للولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو بضرورة احتواء موقف أنقره . لكن الموقف الغربي من التهديدات الروسية لتركيا انحصر في الإطار الدبلوماسي والسياسي والإعلامي ، دفاعاً عن الموقف التركي ، دون أن نلحظ تحذيرات للروس أو تشجيعاً للتصعيد التركي . كان ذلك واضحاً في تصريحات أوباما وتصريحات مسؤولي حلف الناتو .في المقابل عملت إيران على استغلال هذه التطورات لدفع النظام العراقي للمطالبة بإخراج القوات التركية المتواجدة في شمال العراق منذ عشرين عاماً . وهذا أدى إلى نشوء أزمة حادة بين البلدين ، مما دفع الأمريكان للتدخل ومطالبة تركيا بسحب قواتها من شمال العراق .
    لعل ما يزيد الوضع تأزماً وتعقيداً دخول اسرائيل على خط المواجهة . فهي تقدم للغزاة الجدد ، حسب الإعلام ، المعلومات عن مواقع الثوار كل خمس ساعات إلى غرفة عمليات الروس بعد مسح جوي مستمر ، ومن خلال خط ساخن بين تل أبيب وغرفة العمليات في اللاذقية .
    هذا الأمر ليس غريباً . فهي مارست وما تزال ضغوطاً على أوباما من أجل الحفاظ على النظام .  إنها ترد الجميل له، لأنه أبقى جبهته هادئة منذ اتفاقية فصل القوات عام 1974 . لكن عينها بقيت ساهرة تجاه تحركات حزب الله على جبهة الجولان ، فمقتل قادة من الحرس الثوري الإيراني ومن حزب الله في منزل القنطار في جرمانا مؤشر على ذلك .
    لا ندري إن كانت ستتدخل عند اللزوم ضد الثوار على الجبهة الجنوبية . إن هذا التدخل الصريح في الحرب القائمة ربما جاء بعد اتفاق سري عقده نتنياهو عندما زار موسكو مؤخراً .
رابعاً : اجتماعات فيينا :
    بعد أن استشعر الروس صعوبة تحقيق تقدم ميداني لهم ، أبدوا بعض التراجع  لاستثماره سياسياً . فوافقوا على مبادرة كيري  للبحث في الحل السياسي . انعقد ثلاثة اجتماعات في فيينا . لكن لم يصدر عنها  نتائج توحي بأي تقدم على هذا المسار . من الملاحظات على هذه الاجتماعات غياب ممثلي الشعب السوري عن المشاركة ، وهذا يعني تهميش دورهم في الحل السياسي .
    إن اجتماعات فيينا ، وإن جاءت بناء على مقترحات كيري ، فقد كانت محاولة للوصول إلى نقاط مشتركة مع الروس . فالوثائق التي صدرت عنها ، ورغم تأكيدها على بيان جنيف1، إلا أنها شكلت تقدماً للطروحات الروسية والإيرانية ، وانحرافاً خطيراً عن هذا البيان ونقاطه الست .  يمكن تلخيص نتائج هذه الاجتماعات بالنقاط الأربعة التالية :
    1 – تكليف المملكة العربية السعودية بتقديم مقترحات لتشكيل وفد المعارضة .
    2 – تكليف الأردن بإجراء الاتصالات اللازمة لتصنيف الكتائب العسكرية بين ارهابي ومعتدل .
    3 – تشكيل حكومة ” شاملة وذات صدقية وغير طائفية ” ، يفهم منها تحريفاً لصيغة بيان جنيف بتشكيل “هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية ”
    4 – ترك مصير الأسد معلقاً ، كنقطة خلاف خاضعة للمساومة خلال التطورات اللاحقة .
    لابدّ من ملاحظة أخيرة ، تتعلق بالتفارق بين المشروعين الروسي والإيراني ، حيث تبدو المواقف الإيرانية أكثر وضوحاً في رفضها للحل السياسي ، والإصرار على الحل العسكري ، معتبرة أن بشار الأسد خطٌ أحمر . يضاف إلى ذلك قلقها من أن يؤدي تصنيف الكتائب العسكرية إلى دمغ ميليشياتها المتنوعة بالإرهاب ، وبالتالي يحرمها من توظيف ورقة الإرهاب الرابحة في صراعاتها السياسية .
    وبالرغم من أن الأجواء التي سادت في هذه الاجتماعات تدل بوضوح أن مواقف القوى الدولية والإقليمية ما زالت متباعدة بشأن الحل السياسي عموماً ، وعقدة الأسد بشكل خاص ، إلا أنها اتفقت على عقد مؤتمر جنيف3 بعد صدور قرار مجلس الأمن 2254 تاريخ 18 /12 / 2015  .
    إن السلوك الوحشي للروس والإيرانيين بعد صدور هذا القرار، يدلل على أنه مازالت لديهم الرغبة في تغيير ميزان القوى على الأرض، مستفيدين من غـياب الحزم لدى القـوى الـدولية والإقليمية ، التي لم تبـدِ أية مواقـف تساعـد على تخـلّي هـؤلاء عن أوهامهم وأحلامهم .
خامساً : مؤتمر المعارضة السورية في الرياض :
    انعقد بين التاسع والعاشر من شهر كانون الأول الجاري في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية وبرعايتها مؤتمرٌ للمعارضة السورية تحت عنوان ” الخروج بوثيقة توافقية بين فصائل المعارضة السورية المعتدلة حول مكونات المرحلة الانتقالية في سورية بناء على ما تقتضيه مصلحة الشعب السوري وفي إطار بيان جنيف 1 ” .
    جاءت هذه الدعوة بموجب التكليف الصادر عن اجتماعات فيينا ، من أجل توحيد صفوف المعارضة السورية ، في وفد واحد يفاوض النظام في إطار الحل السياسي . لكن تحضير المملكة لهذا المؤتمر خرج عن إطار فيينا ، وذلك باشراك أغلب الفصائل الكبيرة المسلحة والثائرة ( أحرار الشام – جيش الإسلام – الجبهة الجنوبية وغيرها ) ، ووفق رؤية لا تتعارض كثيراً مع المصلحة الوطنية السورية . هذا ما دعاها إلى دعوة أطراف سياسية سورية كانت على خلاف مع أوسع تجمعات المعارضة الديمقراطية ( المجلس الوطني والائتلاف الوطني ) حول الموقف من الثورة كهيئة التنسيق وتيار بناء الدولة والمنشقين عن النظام ، والعديد من الشخصيات ذات الطروحات القريبة منها . كما استبعدت الـ pyd ومعارضة موسكو ولجنة القاهرة .
    حرصت المملكة على توحيد مواقفها في موقف واحد ، والاتفاق على تشكيل هيئة عليا للمفاوضات يناط بها تسمية الوفد المفاوض ، وتتكون من جميع الأطراف المدعوة ووفق نسب متقاربه ، إذ اعطيت التشكيلات العسكرية ثلث قوامها تقريباً .
    لقد صيغ البيان الختامي الصادر عن المؤتمر، بعبارات دقيقة ومرنة بشكل يحافظ على مضامين بيان جنيف ولا يقطع مع مضامين فيينا . والملاحظة الثانية أنه قدم للمؤتمر للموافقة عليه دون طرحه للنقاش ، وهذا يثير تساؤلات عن الجهة التي صاغته  . لكنه في الجانب المقابل تضمن جوانب ايجابية تنسجم مع تطلعات الشعب السوري في وحدة سوريا أرضاً وشعباً ، واخراج القوات العسكرية الأجنبية منها ، وإقامة نظام سياسي جديد قائم على الدولة المدنية الديمقراطية التعددية التشاركية التي لا تستثني أحداً من  مكوناتها .
    من الملاحظ أن السعودية ، إضافة لجهودها في توحيد المعارضة ، حرصت أيضاً  على استمرار التنسيق والتعاون معها بجعل مقرها في الرياض . كما نلاحظ الرضا الأمريكي عن هذا المؤتمر الذي وصفه كيري ” بأنه بناء جداً ” . لكنه فيما بعد وضع تحفظات على مضمون البيان ، بحيث تتمكن إدارته من متابعة حوارها مع الروس
  تعرض مؤتمر الرياض إلى هجوم من قبل النظام الذي رد عليه بعقد اجتماعين لما يسمى ” معارضة الداخل “
أحدهما في مدينة المالكية برعاية الـ pyd والثاني في دمشق . وأعلن الأسد أن لا وجود لحل سياسي قبل القضاء على ” الإرهاب ” . أما إيران فقد انصب هجومها على المؤتمر  بوصفه خروجاً عن اتفاقات فيينا . بينما اعتبر الروس أن الشروط المتفق عليها في فيينا لم تتحقق ، لجهة تصنيف الفصائل العسكرية من جهة ، ولعدم تمثيل كافة أطياف المعارضة من جهة أخرى .

باشرت ” الهيئة العليا للمفاوضات ” المنبثقة عن مؤتمر الرياض ، والمؤلفة من 34 عضواً أعمالها فوراً . فوضعت هيكلية تنظيمية لها ، وانتخبت منسقاً ونائباً له وأميناً للسر . كما شكلت لجاناً تخصصية في مختلف النشاطات لملاقاة العملية التفاوضية والاستعداد لتلبية احتياجاتها ومتطلباتها . كما وضعت المعايير المناسبة لتشكيل الوفد المفاوض والوفد الاستشاري الداعم .
    في ضوء نتائج مؤتمر الرياض ، دعت واشنطن إلى متابعة اجتماعات فيينا في لقاء دولي يعقد في نيويورك 18/ 12 /2015 ، لكن روسيا اعترضت عليه بحجة أن لها شروطاً يجب توفرها مسبقاً قبل عقده ، لعل أهمها : غياب ممثلين عن المعارضة ممن لم يشاركوا في الرياض ، وضرورة انتظار نتائج اجتماعات الأردن حول تصنيف الفصائل العسكرية بين إرهابي ومعتدل . لكنها وافقت أخيراً بعد الزيارة عديمة الجدوى التي قام بها الوزير كيري لموسكو 15 / 12 / 2015 على اللقاء ، دون أن تقدم أي دلائل على إمكانية نجاحه .
    ويبقى مؤتمر المعارضة الموسع الذي عقد في الرياض موضع تساؤلات في قدرته على إحداث فرق في مسيرة المعارضة السورية ، تجيب عليها الأيام والأسابيع القادمة . كما تبقى قدرته على إحداث خرق ما باتجاه الحل السياسي في ظل الاحتدام الإقليمي وغياب التوافقات الدولية حول المنطقة موضع شك .
سادساً : الدعوة لعقد مؤتمر جنيف3 :
    قبل الدخول في مناقشة قرار مجلس الأمن ، لابدّ من الإشارة إلى الخلفية التي دعت كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا للتفاهم حول عقد جنيف3 والتي سبق واشرنا إليها فيما مضى في مناسبات عديدة .
    1 – موقف الإدارة الأمريكية السلبي غير المعلن من الثورة السورية وثورات الربيع العربي عموماً ، كان وراء تعقيدات الأزمة السورية وإطالة امدها . وبقيت حذرة منها بسبب جذريتها التي عبر عنها تطلعات الشعب السوري بالخلاص من الإستبداد وإقامة النظام الوطني الديمقراطي
    2 – حاجة الروس إلى استمرار اللأزمة السورية من أجل تفاهمات دولية مع الغرب عموماً والولايات المتحدة الأمريكية خصوضاً  لحل بعض تناقضاتها معه . وهذا ماتشير إليه الكثير من التكهنات حول تفاهم القطبين الرئيسيين مؤخراً ، هي وراء صدور قرار مجلس الأمن 2254 ، الذي يضرب عرض الحائط ببيان جنيف والقرار 2118 ، ومخرجات مؤتمر المعارضة في الرياض .
    ملاحظات على قرار مجلس الأمن الدولي 2254 :
    1 – لقد صيغ القرار بصيغ فضفاضة تجمع المتناقضات ، فأكد على بيان جنيف الذي يدعو إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي بديلاً عن السلطة من جهة ، وتبنى مخرجات فيينا التي تدعو لحكومة وحدة وطنية من جهة أخرى .
    2 – إن قرارات فيينا الداعية لتشكيل حكومة وحدة وطنية تعني بقاء الأسد على رأس السلطة . بينما بيان جنيف والقرار 2118 يدعو إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحبات التنفيذية ، مما يعني خروج الأسد قانونياً من ممارسة إي سلطة له ، وهو ما  أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 262 .
    3- إن قرار مجلس الأمن لبى الطلبات الروسية الداعية إلى أن يضم وفد المعارضة شخصيات من اجتماعات موسكو والقاهرة ، ومبادرات أخرى . هذا يعني ضم مفاوضين ملتبسين ترضى عنهم روسيا ومصر والنظام . فأية نتائج ترجى من مفاوضات كهذه . علماً أن ردود الأفعال على هذه النقطة جاءت سريعة من الهيئة العامة للمفاوضات برفض إي إضافات إلى الوفد الذي سيشكل في الرياض .
    4 – إن التركيز على تصنيف المجموعات المقاتله والثائرة مابين إرهابية ومعتدلة ، هدفه الأساس اخراج النظام وحلفاؤه الإيرانيون وحزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى من دائرة الإرهاب هذا من جهة ، ومن جهة أخرى وسع القرار هذه القائمة لتشمل عدا داعش والنصرة  فصائل أخرى تقاتل تحت راية الثورة . هذا يعني توجيه النار عليها بحجة الإرهاب .وقد يؤدي إلى خلق فتنة بين الفصائل المقاتلة ، وكذلك بينها وبين المعارضة الديمقراطية .
    5 – لم يتطرق القرار إلى مؤسستي الجيش والأمن ، وكانا جزءاً من نظام الاستبداد ، وارتكبا جرائم بحق الشعب السوري . فهما بحاجة إلى إعادة بناء على أسس وطنية تتلائم وطبيعة النظام الديمقراطي القادم .
    هي تلك أبرز ملاحظاتنا على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير ، واستناداً إليها وإلى ملاحظات أخرى قد يقدمها أخرين ، لا نرى أي أفق لتسوية سياسية على هذه الأسس ، ومن الطبيعي أن ترفضها المعارضة والقوى الثائرة . مما يجعلنا أن نستنتج أننا نشهد مرحلة جديدة لا تختلف عن المراحل السابقة قائمة على إدارة الأزمة كي تبقى مفتوحة أكثر مما هي محاولة لايجاد حلول   لها . هذا يعني أن سوريا ليست المكان الصالح لحل التناقضات الدولية على حساب الشعب السوري .
سابعاً : محاولات التسوية السياسية في اليمن وليبيا ولبنان :
    نلاحظ أن الجهود الدولية قد خطت خطوات هامة في ايجاد حلول لأزمات المنطقة ، وهذا ما نلحظه في لبنان وليبيا واليمن ، لكن حتى الآن لا نستطيع تقديم رأي نهائي حولها ، ونفضل أن نعالجها في رسالة لاحقة ، معتبرين أن النجاح في حل هذه الأزمات قد يسهل حل الأزمة السورية .
ثامناً: المهام المطلوبة في هذه المرحلة :
    تدل اجتماعات فيينا ، أن سوريا خرجت من أيدي السوريين ، وأصبحت بين أيدي أطراف دولية وإقليمية أغلبها لا تعمل لمصلحة سوريا . باعتقادنا أن المهمة الأولى التي انتصبت ولا تزال أمام الشعب السوري هي مقاومة الاحتلالين الروسي والإيراني واتباعهما . ومن أجل ذلك ، لابدّ من إعادة القضية إلى أصحابها ، وهذا يتطلب بناء وحدة وطنية حقيقية بين جميع القوى المدنية والعسكرية ، ونبذ الخلافات بين أطرافها . والتمسك بوحدة سوريا أرضاً وشعباً ، والتصدي لمخاطر النزعات والمخططات التقسيمية التي تفوح رائحتها من السلوك الروسي والإيراني وبعض الدول الأخرى ، والتمسك أيضاً بسيادة واستقلال القرار الوطني . وهي مهمة تنتظر القوى والشخصيات الوطنية المتمسكة بخط الثورة وأهدافها، والإبتعاد عن الأنانيات والتعالي فوق الحساسيات الصغيرة السابقة ، والعمل على بناء كتلة تاريخية من السياسيين والعسكريين والرموز الوطنية لتثقيل خط الثورة وإبراز حضور السوريين رقماً صعباً ، لا يمكن تغييبه في اجتراح الحل السياسي لقضيتهم ، ولا يمكن تجاهله في تقرير شؤون الأمن والاستقرار في المنطقة . وفي اعتقادنا أن مؤتمر الرياض حقق جانباً مهماً في هذا الاتجاه .
    ولا بد من الضغط على حلفاء الثورة من أجل تقديم مزيد من الدعم لمواجهة ما يحاك ضد سورية من مخططات ، وأهمها الخطر الروسي والإيراني اللذان يسعيان لتغيير ميزان القوى على الأرض بما يخدم مصالحهما ، ومنعهما من فرض حل سياسي يخدم غاياتهما ومآربهما على حساب وحدة الشعب السوري ومستقبل أبنائه . وإعادة التأكيد على أن الحل السياسي يمر عبر بيان جنيف1 والذي تبناه مجلس الأمن بالقرار 2118 ، وأساسه هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية ، لا تترك دوراً للأسد وعصابته لا في المرحلة الانتقالية ولا في مستقبل سورية . وإن كل محاولات حرف هذا الاتجاه عن مساره الصحيح عبر خطة ديمستورا وفيينا وغيرها ، لن تلقى من السوريين سوى المزيد من الرفض والإصرار على مواصلة الكفاح حتى ملاقاة أهداف الثورة وتحقيق تطلعات شعبنا في الحرية والديمقراطية والكرامة .

دمشق  24 / 12 / 2015                                                     اللجنة المركزية
                                                                          لحزب الشعب الديمقراطي السوري