رسالة سياسية!

   عقدت اللجنة المركزية للحزب في 6/10/2017 اجتماعها الدوري. ناقشت فيه جملة من القضايا السياسية والتنظيمية، وتوقف الرفاق عند التقرير السياسي المقدم للاجتماع. فوافقوا عليه بصورة عامة، مع توجيه عدد من الانتقادات السياسية على أداء الحزب والمعارضة بشقيها السياسي والعسكري، ودور التيارات الاسلامية السلبي بمختلف توجهاتها، وآثاره الضارة على مجريات الثورة، والطلب من الحزب اجراء مراجعة ونقاشات أوسع لمسيرة الثورة على مدى سبع سنوات، والوقوف عند السلبيات والاخطاء من أجل تصويبها واتخاذ مواقف من شأنها الحفاظ على القرار الوطني المستقل، ومواجهة محاولات الغرب السيطرة على قرار المعارضة. كما توقفت اللجنة عندا أزمة العراق بعد استفتاء اقليم كردستان على الاستقلال، وكذلك عند الوضع الفلسطيني في ضوء مبادرة حركة حماس.
                                   أولاً-تطورات الوضع السوري:
منذ سقوط حلب، تشهد البلاد جملة من التطورات الميدانية والسياسية ترتبط على نحو مباشر بتفاهمات دولية أخذت تنعكس على أزمات المنطقة بما فيها سورية. تكاد هذه التفاهمات تنحصر بين موسكو وواشنطن مهملةً الأدوار الإقليمية والأوربية، وتتلخص مضامينها في تصفية الثورة السورية، والإبقاء على بشار الأسد. وإذا قُدر لهذا الأمر أن يتحقق فإنه سيدخلنا في مخاضات جديدة هي الأصعب في تاريخ الثورة السورية، وتهدد مخاطره وحدة البلاد ومستقبلها.
  آ: التطورات الميدانية
إن أبرز التطورات الميدانية كانت في دير الزور والرقة وريف حماه الشمالي وادلب. ففي دير الزور والرقة رفض الأمريكان السماح لأبنائها بتحرير مناطقهم من داعش، واكتفوا بدعم ميليشيات ” قوات سوريا الديمقراطية” فقد غدت الرقة مسرحاً للقصف والتدمير وارتكاب المجازر، حيث دمر التحالف الدولي 80% من المدينة وارتكب عشرات المجازر بحق المدنيين. وكذلك قامت ميليشيا” قسد” بارتكاب المجازر المتنقلة وتهجير أهلها واحتجازهم في مخيمات الموت. أما في دير الزور: فبالرغم من الحديث عن تفاهم روسي أميركي حول هذه المحافظة، إلا أن الروس وواجهتهم النظام السوري والميليشيات الأخرى تجاوزوا حدود هذا التفاهم بانتقالهم إلى الضفة الشرقية. يبدو أن هذا التوجه آتٍ من الرغبة في السيطرة على معابر النفط، الأمر الذي دفع الأمريكان إلى إنزال عسكري جوي على حقل كونيكو للغاز في شرق ديرالزور، وكذلك طلب لقاء مع الروس لحل هذا الخلاف ومنع الصِدام. كل ذلك يتم وفق سياسة الأرض المحروقة من قبل الروس والنظام خاصة في مدينة المياذين وريفها، وقصف المدنيين من كافة الأطراف المتصارعة وارتكاب المجاز بحقهم وتهجيرهم. أما معارك ريف حماه الشمالي التي اندلعت مؤخراً والتي أطلقتها “هيئة تحرير الشام” وفصائل من الجيش الحر ضد النظام فمردها قلق هذه الفصائل مما يحاك لمحافظة ادلب التي يخطط لها الروس وفق مقررات استانة6.
من الهام جداً أن نشير إلى حالة القلق الكبير الذي بات يتهدد مصير محافظة ادلب التي تضم أكثر من ثلاثة ملايين سوري معظمهم من المهجرين. حيث تُرسم لها سيناريوهات مشبوهة من قبل الروس حيث مهدوا لها بالقصف الممنهج ودمروا البنى التحتية وارتكاب المجازر وقتل المدنيين الأمنين فيها. ومن الهام أيضاً الإشارة إلى دخول بعض فصائل الجيش الحر مدعومة بقوات تركية للانتشار فيها. يأتي ذلك في إطار اتفاق حفض التصعيد الذي تم الاتفاق عليه في استانه6.
ما يمكن استنتاجه من مجمل هذه التطورات الميدانية أنه ليست سوى ستارٍ لإخفاء حقيقة ما يجري من تفاهمات سرية بين الروس والأمريكان، وتؤكد أن ما يجري لا يعدو أن يكون تنفيذاً لها لإعادة ترتيبها من جديد، وتسخير الأدوار الإقليمية والمحلية لخدمتها في إطار تقاسم النفوذ والسيطرة وتحديد صاحب القرار الفصل في ذلك. لكن بدا واضحاً أن الروس قد أخلّوا بهذه التفاهمات مما دفع الأمريكان لخطوات تصعيدية بعضها سري وبعضها مكشوف ظهرت بوضوح في معارك دير الزور والبادية.
ب: تطورات المشهد السياسي
إذا كانت واشنطن قد تركت لموسكو مهمة ضبط الصراع السوري وتشويهه وحرفه عن مساره، وتفريغ البعد الثوري لدى فصائل المعارضة بهدف تصفيتها وتحويلها إلى أدوات ضبط محلية، ودمجها مع منظومة الأسد لمحاربة داعش بدلاً من مواجهة النظام والمشروع الإيراني. فإن موسكو تعهدت بحماية أمن إسرائيل وتحجيم الدور الإيراني، وهو ما يفسر الصمت الأميركي والأوربي عن المجازر التي ترتكبها في ادلب ودير الزور، ونفذت شروط أمريكا وإسرائيل باستبعاد إيران عن هذه التفاهمات وابقائها بعيدة عن تفاصيل الاتفاق الذي رسمته للمناطق الثلاث. وإذا كان الحضور العسكري الأمريكي غرضه حماية مناطق نفوذ واشنطن فقد بدأ وكأنه مقدمة للتدخل السياسي الفاعل في الملف السوري في سياق مزاحمة الروس على رسم المشهد الجديد، إلا أن التفرد الروسي عاد ليفرض نفسه من جديد ولكن بالتفاهم مع واشنطن. فبعد انتظار طال أمده لإعلان الاستراتيجية الأمريكية، اكتفت واشنطن بإعلان أولويتها في محاربة داعش والقضاء عليها في سورية والعراق مع تحجيم النفوذ الإيراني الذي لم يخرج حتى الآن عن حدود التصريحات الإعلامية بما فيها تصريحات ترامب الأخيرة بخصوص الاتفاق النووي والحرس الثوري، إلا أن إدارته اتخذت خطوات عملية تجاه حزب الله فاعتبرته منظمة إرهابية بجناحيه السياسي والعسكري.
إن خط سير التطورات مجتمعة تدفعنا للاستنتاج بأن للولايات دوراً اساسياً في تصفية المعارضة المسلحة، وكان آخر فصوله الغاء برنامج التدريب والتسليح عنها، وسحب السلاح من ايديها، ومنعها من مقاتلة النظام والميليشيات الطائفية، والضغط لتجنيدها في مقاتلة داعش حصراً.
أما موسكو التي نجحت منذ تدخلها حتى الآن في منع سقوط النظام، تسعى اليوم بكامل قوتها من أجل إعادة تأهيله، ومواصلة نزع سلاح المعارضة والسيطرة على مناطقها، وإجبارها على عقد الهدن والمصالحات المحلية. فهي ترسم في سياساتها مسارات متعددة لكنها تتقاطع في هدف واحد اجبار المعارضة بشقيها السياسي والعسكري على رفع راية الاستسلام مقابل اشراكها في سلطة وهمية تحت طائلة التصفية ومزيد من القتل والتدمير.
شكل التفاهم الروسي الأمريكي حول مناطق خفض التصعيد علامة فارقة في سياق الازمة السورية ليس لأنه حدث غير مسبوق فحسب، ولا لكونه رسم مساراً جديداً خارج جنيف الدولي و استانه الروسي، بل لأنه انطوى على أهداف متخفية وادوار تثير الكثير من الشك والريبة حول دوافعه ولا سيما حرصه على استبعاد المشاركة الإقليمية و الدولية، ومن جهة أخرى شكل انحرافاً كبيراً عن قرارات مجلس الأمن وخصوصاً بيان جنيف1 والقرار 2118.
لم يعد سراً الحضور الإسرائيلي في هذا التفاهم، الذي جاء حصيلة لقاءات غير معلنه في العاصمة الأردنية عمان ضمت الى جانب الدولتين كل من الأردن واسرائيل، حيث كان المطلب الاسرائيلي حاضرا بضرورة أخذ مصالحها بالاعتبار، تلك التي تبدأ بإبعاد إيران وملحقاتها عن الأراضي السورية مرورا بضمان أمنها وسلامة حدودها وصولاً الى المطالبة باعتراف دولي بضم الجولان الى أراضيها.
لقد منح هذا التفاهم موسكو زخماً سياسياً قوياً، حيث وفر لها غطاء دوليا مفتقدا لإطلاق يدها في الملف السوري وتحسين موقعها التفاوضي مع الغرب حول ملفاتها الشائكة. أما اتفاق خفض التصعيد بالنسبة لها لم يكن سوى وسيلة لتجميد الجبهات، وشل دور الفصائل العسكرية التي تقاتل النظام والعمل على إذكاء الصراعات فيما بينها وفصلها عن مرجعتيها السياسية كخطوة على طريق تصفيتها، اما بالنسبة لواشنطن فقد ضمن لها نفوذها ومصالحها. كما أمّن حماية حدود حلفائها في إسرائيل والأردن. لعل أخطر ما في هذا التفاهم أنه يتم بين دولتين عضوين في مجلس الأمن من خارج أَطر الشرعية الدولية، ومن دون أن يرتبط بعملية سياسية تفضي الى حل سياسي للأزمة.
ما زال النافذون في المجتمع الدولي يعملون على طمس معالم جرائم الأسد في سوريا والتستر عليها، وتعطيل دور مجلس الأمن في التعامل مع هذه القضية التي وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بأنها أسوأ مأساة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية.
فقد أكد تقرير لجنة التحقيق الدولية الخاصة في استخدام السلاح الكيماوي في 7/9/2017، استخدام الأسد غاز السارين في هجومه على خان شيخون في 4/4/2017، وكذلك استخدمه في عشرين هجوم أخر في مناطق متفرقة. ومما يجدر ذكره أن المادة 21 من القرار 2118 تنص بوضوح أنه في حال كرر النظام جريمته باستخدام السلاح الكيماوي، يجتمع مجلس الأمن لمحاسبته وفق الفصل السابع.
كذلك قدمت كارلا ديل بونتي المحققة الدولية في جرائم الأسد استقالتها من منصبها احتجاجاً على نقص الدعم السياسي من مجلس الأمن في إحالة الملف السوري إلى محكمة الجنائية الدولية متهمته بعدم الرغبة في تحقيق العدالة.
ج: المعارضة السورية:
استنادا للعرض السياسي والميداني الوارد في هذا التقرير يجعلنا ندرك أحوال المعارضة السورية التي تمر بأصعب حالاتها وأنها اليوم تقف على مفترق طرق في ظل تسارع التطورات السياسية والعسكرية العاصفة والتي تضعها امام تحديات مصيرية . حيث تؤكد المعطيات أن واشنطن قد أطلقت يد موسكو حليفة النظام وصاحبة أكبر ملف اجرامي بحق السوريين من اجل الاستفراد بترتيب البيت السوري وفق تفاهمات مشتركة في مقدمتها القبول ببقاء الأسد في السلطة.
تسعى هيئة التفاوض لترتيب اوراقها لمواجهة الأسوأ بعد ان أصبحت في دائرة الاستهداف الدولي لضرب تمثيلها ووحدتها، ودفع المنصات المصنعة في موسكو والقاهرة لمزاحمتها في هذا التمثيل وسط حملة إعلامية وسياسية شرسة ومنظمة ومبرمجة غرضها ضخ المزيد من الأكاذيب والشائعات لإشاعة أجواء التيئيس وفقدان الامل.
لكن خطوتها الأخيرة في عزمها على توسيع دائرة القرار فيها، ودعم قدرتها التمثيلية بالمزيد من الشخصيات الوطنية والكفاءات المتخصصة المتمسكة بخط الثورة، وممثلين عن المجالس المدنية والمحلية المنتخبة في المناطق المحررة، وكذلك عن منظمات المجتمع المدني هي خطوة في الاتجاه الصحيح، لتوسيع مشاركة السوريين في حمل المسؤولية واعلاء راية الوطنية السورية وحماية القرار الوطني.
لكن إذا سارت الأمور نحو الأسوأ قد نحتاج إلى عقد مؤتمر وطني شامل يؤكد على وحدة سوريا ووحدة شعبها. كما يؤكد حقها في أن تكون الممثل الوحيد في أي حل سياسي يرسم مستقبل سوريا.
تبقى المسألة الجوهرية التي يجب الحفاظ عليها في ظل التراجع العسكري والميداني أن تشكل المعارضة السياسية حائط الصد الأخير عن طريق صمودها وتمسكها حتى النهاية بأهداف الثورة التي تضمنتها وثائق الرياض ومحدداتها السياسية وفتح باب الهيئة لأوسع تمثيل وطني مشروطا بالالتزام برفض بقاء الأسد ليس في مستقبل سوريا وحسب بل مع بدء المرحلة الانتقالية.

                                       ثانياً-في الوضع الإقليمي:
   1-العراق ما بعد الموصل :
شكلت معركة طرد داعش من الموصل حدثا عراقيا وإقليمياً هاما دون ان يعني ذلك انتصار العراق التام عليها . إلا أن هذا الحدث فتح الباب واسعا أمام الازمات العراقية القديمة الشائكة والمستعصية وأولها إعادة الاعتبار والحقوق الاجتماعية والسياسية للمكونات العراقية والشروع بإعادة بناء الدولة الوطنية ومؤسساتها بعيدا عن الاقصاء والمحاصصة الطائفية وضرورة حل المليشيات وحصر السلاح بيد الجيش العراقي بعد أن يعاد تنظيمه على أسس وطنية.
لقد اثار هذا الحدث تغيرا في المشهد السياسي العراقي، وخلق حالة فرز جديدة في خريطة التحالفات عكست حالة من الانقسام داخل البيت الشيعي.
مؤخراً برز إلى الواجهة الصراع بين المكون الكردي مع الحكومة الاتحادية في بغداد، متخذاً الدعوة إلى انفصال إقليم كردستان عن الجسم العراقي من خلال الاستفتاء الذي دعا إليه رئيس الإقليم. حجة دعاة الاستفتاء أن حكومة بغداد حكومة لدولة دينية مذهبية تخرق الدستور في الكثير من مواده ضد الجانب الكردي. بينما ترى حكومة بغداد أن ما أعلنه قادة الإقليم يشكل مخالفة صريحة لدستور الدولة الاتحادية والذي يشترط موافقة المكونات الأخرى عليه.
أثار الاستفتاء تصعيداً قوياً من جانب حكومة بغداد، تجلت في حزمة من العقوبات القاسية وأصرت على لغائه. برز إلى الواجهة موقف تحالف القوى الوطنية العراقية وموقف رئيس البرلمان الداعي إلى التهدئة الحوار، حيث أكد الطرفان أن مكمن الأزمة ليس في كردستان، بل بطريقة إدارة السلطة وعجزها عن تمثيل حقوق كافة مكونات المجتمع العراقي، داعين إلى ضرورة إعادة النظر في عقد الشراكة الوطنية والتصدي للأخطاء والانحرافات والفساد وضمان وحدة العراق أرضاً وشعباً.
اقليمياً أثار هذا الاستفتاء موجة تصعيد في المواقف في كل من تركيا وإيران، وموقفاً ملتبساً من الغرب عبر الدعوة إلى التهدئة والحوار، وانفردت إسرائيل بتأييدها الكامل له.
إن دوافع الانفصال سببها الرئيسي أنظمة الاستبداد عبر عقود طويلة، وبعد رحلة اقصاء وتهميش للمجتمعات ومكوناتها، واضطهاد الأقليات أسوة باضطهاد الشعوب وهضم حقوقها، وقد كان نصيب الاكراد مزدوجاً، وتسبب في شعورهم بكونهم مواطنين من الدرجة الثانية بسبب فشل هذه الأنظمة سياسياً وتنموياً. هنا تكمن الأسباب العميقة وراء الدعوة للانفصال سواءاً في العراق أو في سوريا.
لا جدال حول تأييدنا لحق الشعوب في تقرير مصيرها. لكننا نرى أن الموضوع في جوهره لا يخرج عن إطار الصراع السياسي، فقيادة الإقليم أرادت استغلال المصاعب التي يمر بها العراق والأزمات التي تعصف باستقراره خلال حربه مع داعش أولاً، وثانياً: شعورهم بانهيار التفاهمات السرية مع التحالف الوطني الشيعي والتي كانت على حساب المكونات العراقية الأخرى، وثالثاً: إن هذا الخيار يأتي في سياق مناخ إقليمي ودولي ومحلي غير ملائم. وبالتالي فإن تنفيذه يفتح الباب على حروب وصراعات محلية وإقليمية لا تنتهي، وسيدفع ثمنها الشعب الكردي وكافة شعوب المنطقة بسبب توزع مناطقهم في عدة دول، عدا أن رفض الدول الغربية لهذا الانفصال لما يشكله من مساس باتفاقيات سايكس بيكو، وما يحمله هذا المساس من مخاطر وتحديات، فتغيير الحدود مسألة دولية أكثر مما هي محلية.
  2-المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحماس:
كان للضربات التي تلقتها حركة الاخوان المسلمين في أكثر من منطقة وخصوصاً في مصر أثراً كبيراً في دفع حركة حماس لإعادة النظر بتوجهاتها الفكرية والسياسية، وفي ضرورة خروجها من عزلتها. فقد أعلنت انفكاكها عن حركة الاخوان المسلمين، ومراجعة سياساتها تجاه إيران التي تسببت لها بالعديد من الكوارث، والتحرك نحو الإطار العربي كملاذ أخير لها. وكذلك حالة الجمود التي تعيشها السلطة الفلسطينية بعد فشلها في تحقيق أي مكسب جديد لقضيتها، مما دفع الطرفين للاستجابة للضغوط الخارجية والقبول بعملية المصالحة، وبعد مساعٍ واتصالات مكثفة تَوّجت بعودة علاقة حماس مع مصر، وموافقتها على تنفيذ اتفاق القاهرة عام 2011 والذي يتحدد مضمونه بعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة. والذي يفرض على السلطة الالتزام بالاتفاقيات التي تمنع المساس بالأمن القومي المصري، وهو ما يؤدي بالمحصلة لإضعاف دور ونشاط المنظمات المتطرفة في سيناء.
انطلاقاً من هذه التطورات، أعلنت حركة حماس عن حل “الهيئة الإدارية” ودعت حكومة الوفاق لتحمل مسؤوليتها في غزة، كما دعت السلطة الفلسطينية للمصالحة الوطنية من خلال عقد اجتماع بين فتح وحماس يعقبه اجتماع بين كافة الفصائل لإقرار المصالحة، والذي عُقد مؤخراً في القاهرة برعاية مصرية، وناقش مسألة تمكين الحكومة والمعابر والخدمات وتوحيد قوى الأمن تحت اشراف وزارة الداخلية، وبحث مسألة الحرب والسلم وأنها من مسؤولية السلطة الفلسطينية.
أن مسألة الوحدة بين الفصائل الفلسطينية خطوة أساسية لا بد منها لمواجهة التعنت الإسرائيلي، وبالتالي لا بدّ أن نرحب بهذه الخطوة عن طريق المصالحة الوطنية الفلسطينية الحقيقية لما لها من أهمية في تمكين المجتمع الفلسطيني، وانهاء معاناة سكان القطاع جراء حالة الحصار الظالمة المفروضة عليه. ومن اللافت للنظر توقيت رفع الإدارة الأميركية وإسرائيل الفيتو عن عقد مثل هذه المصالحة، وكذلك دوافع النظام المصري والإمارات في الإسراع بعقدها مع عودة محمد دحلان إلى الواجهة من بوابة غزة.
نأمل أن تتوج هذه الجهود بالنجاح، لما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل قضيته العادلة. كما نأمل أن تكون هناك مبادرات عربية ودولية تنهي الاحتلال وتضمن لهذا الشعب المكافح حقه في إقامة دولته المستقلة على أرضه.
3- الأزمة الخليجية :
على الرغم من تداعياتها السليبة الوسعة وما خلفته من إضرار حقيقي بالمصالح الخليجية والعربية عموما. إلا أن ما سمي بالأزمة مع قطر كانت مناسبة للكشف عن سلسلة من الفضائح واماطة اللثام عن ملفات فساد لا تنتهي لعبت فيها قطر ودول أخرى دوراً رئيسياً. فعاثت فساداً وتخريباً بالأوضاع العربية ولا سيما دول الربيع العربي وثوراتها، ومولت ودعمت منظمات إرهابية حول العالم. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف أمَكن لقطر ان تلعب كل هذه الأدوار من دون دعم وتغطية من دول غربية وأمريكا تحديدا ؟؟ وهو ما يفسر حجم الاهتمام الدولي والغربي بضرورة محاصرة الأزمة وتطويقها قبل ان تتكشف معها حقيقة الدور الأمريكي والغربي وتقاطر كبار المسؤولين على عواصم أطراف الازمة لأنه ليس من مصلحتهم فتح هذه الملفات على آخرها، بل تريد الضغط من اجل لفلفتها واجراء مصالحة تحفظ النظام القطري وترضي بالوقت نفسه السعودية المتضررة من تدخلاته، فالميل الغربي يتجه نحو المصالحة أكثر منه إدانة سلوك قطر.
*************************
فيما يلي بعض الملاحظات والانتقادات الهامة التي طرحت اثناء النقاش والتي نطرحها للنقاش والحوار داخل الحزب وخارجه نظراً لأهميتها:
1″- إن نقد الثورة يصب في مصلحتها وليس ضدها. فالمعارضة الحقيقية هي المؤهلة لاستيعاب هذا النقد، لأنها حريصة على تكريس الخطاب الوطني الجامع.
2” -لا يمكننا تحميل العامل الخارجي مسؤولية التراجع الحاصل في الوضع الراهن دون تبيان دور ومسؤولية العامل الذاتي الذي ساهم في هذا التراجع، ومن مظاهره:
1- فقدان القرار الوطني المستقل من قبل الفصائل المسلحة وخاصة الإسلامية منها، سببه ارتماؤها في أحضان             الدول الإقليمية والغرب عموماً.
2-فشل هذه الفصائل في استيعاب الدروس واغفالها لمهمتها المركزية وهي توحيد قواها ورؤيتها، وتأسيس قيادة ورأس   لهذه الثورة.
3- عجز فصائل الجيش الحر عن اتخاذ مسافة واحدة تفصلها عن الفصائل المتطرفة كجبهة النصرة
4- تأخر المعارضة عن تأسيس خطاب سياسي وطني موحد بعيداً عن الطقوس والرموز المتطرفة
5- لعب التطرف لدى بعض قوى الثورة دورا كبيرا في تراجع الدعم الأوربي
6-لعب امراء الحرب دورا لمنع انضمام الضباط والعساكر المنشقين الى صفوفهم
7- عدم تبيان مسؤولية هذه الأخطاء التي تحمّل وزرها قوى الثورة سيؤدي الى تكرار الوقوع بها
8- عدم القيام بمراجعة نقدية يشكل ابتعادا عن الواقع ويتسبب بخسارة كبيرة للمعارضة السياسية ولحزبنا ويفقدها الكثير من المصداقية
9- اذا كان العامل الخارجي بهذه القوة والوحشية فكيف سيكون الوضع في جولة أخرى ؟وكيف يمكن للمعارضة ان تصمد اذا لم تنتقد الثورة ، ووضع النقاط على الحروف وتحميلها المسؤولية
3″ – يجب التوقف عند الاستدارة التركية وتحالفها مع روسيا وتوضيح تأثيرات ذلك سياسيا وعسكريا ، وكذلك الدور القطري الذي ينسق منذ سنوات مع ايران تحت الطاولة وارتمى أخيرا في احضانها .
4″- ينبغي الإشارة الى التحولات الجيوسياسية في المنطقة فهناك دعوة للحرب الباردة على المستوى الدولي ، وتحالفات جديدة
5″- الساحة السورية هي الأكثر وضوحا في صراع الارادات والمصالح مما يجعل الحل فيها مؤجلا حتى يصل المتصارعون لصيغ توافقية او صفقات تلبي مصالحهم وبالتالي فرض حل سياسي .
6″- مازالت الأولوية لدى الغرب محاربة داعش، وايجاد صيغ سياسية لا تتناقض مع سلوك روسيا، ولا تؤدي الى مواجهة مباشرة معها، وهو يتلقى منها الضمانات حول أمن إسرائيل واضعاف نفوذ ايران .
7″ – كل المؤشرات تدل على توافق روسي امريكي لإنهاء المعارضة المسلحة بكل اشكالها المعتدلة والمتطرفة . هذا يتطلب اجراء مراجعة نقدية شجاعة واستخلاص الدروس والعبر وبمشاركة جميع الأطراف الفاعلة في الثورة ومن ثم رسم استراتيجية جديدة تعيد الثورة الى ألقها الأول، وتستطيع الوقوف بوجه النظام وحلفائه. تبنى هذه الاستراتيجية على الفعاليات المدنية والسياسية وقد أصبحت لديهم خبرة جيدة في المجالس وإدارة المناطق .
8″- نعتقد ان كلا الطرفين الروسي والامريكي لن يُبقى على نظام الأسد وهناك عوامل عديدة تجعل من هذا التغير أساسيا أهمها أن سوريا لن تعود الى الوراء كما كانت، وكذلك نظام الحكم فيها، كما ان مسائل إعادة الاعمار وعودة اللاجئين والحفاظ على النسيج المجتمعي ووحدة سوريا ارضا وشعبا كل ذلك يستدعي إزاحة الأسد وتركيب نظام جديد يعتمد فيه كل طرف على فريق مطواع لسياسته .
9″-  تحليل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لأهلنا ومعاناتهم داخل الوطن وفضح الفساد والاختلاس وسرقة معونات الأمم المتحدة ومشاريع إعادة الاعمار .
                              ثالثاً- الاستنتاجات والمهام:
1″- من العرض الميداني والسياسي لهذا التقرير، نرى أن الثورة السورية تمر في أصعب أحوالها. هناك تفاهم دولي لتصفيتها. يتلخص في:
آ- إبعاد الدول الإقليمية المنخرطة في الشأن السوري كتركيا والسعودية. أما إيران وميليشياتها سيحاول إضعاف دورها وبالتالي إخراجها من معادلة الجبهة الجنوبية الغربية حفاظاً على أمن اسرائيل والجولان المحتل.
ب-إنهاء دور الهيئة العليا للمفاوضات التي تشكلت بتكليف مؤتمر فينيا بتاريخ 8/12/2015، الذي طلب من السعودية القيام بهذه المهمة، والعمل على تشكيل هيئة جديدة تحت مسمى (رياض2) تضم المنصات الثلاث الهيئة العليا ومنصة القاهرة ومنصة موسكو. الحجة جمع المعارضة في وفد واحد. هذا يعني تشكيل وفد مطواع لا يعارض التوجهات الدولية الجديدة المتعلقة بالقضية السورية
ج-منح بشار الأسد دوراً في المرحلة الانتقالية وربما السماح له بترشيح نفسه في مرحلتها النهائية. هذه سابقة خطيرة لم يسبق لمرتكبي الجرائم الإنسانية أن أعفاهم المجتمع الدولي من العقاب، بل سيقوا إلى المحاكم الدولية لينالوا جزاءهم.
د-إطلاق يد روسيا في تجميد وتصفية الفصائل المقاتلة تحت مسعى ” خفض التصعيد” بمختلف الأساليب، مترافقاً مع ايقاف الدعم الأميركي عن بعضها والضغط أيضاً على الجهات الداعمة الأخرى لها لقطع المساعدات عنها.
خلاصة الأمر التوجه الدولي يعمل على محاصرة المعارضة بشقيها السياسي والمسلح لفرض الإذعان والاستسلام للتوجه الدولي الجديد.
2” -الحديث عن تفاهم أميركي روسي من الصعب تحقيقه، نظراً لوجود تناقضات عميقة في مصالح الدولتين على المستوى الاستراتيجي دولياً وإقليمياً. كما نرى تعارضاً في سياستيهما في أكثر من مكان. هذا الأمر ينطبق على الوضعين الإقليمي والسوري. كما نعتقد أنه سيضر بمصالح الدول الإقليمية. ولنا الآن مثال واضح من اسرائيل التي لن تكتفي بإبعاد الوجود الإيراني عن الجولان بل تعمل على إنهائه من كامل الأرض السورية وربما من لبنان أيضاً. فمصالح اسرائيل الاستراتيجية في سورية أكبر من مسألة الحفاظ على الجولان المحتل.
3” -لا شك أن المرونة في التعاطي مع المجتمع الدولي مسألة حيوية وضرورية للهيئة العليا للمفاوضات.  لكن استيعاب شخصيات منصة موسكو المعروفة بولائها للنظام والروس مرفوضة. نعتقد أنه لا يوجد قواسم مشتركة أبداً، ولن تكون هذه المنصة إلا صدىً للسياسة الروسية المعادية لتطلعات شعبنا.
4” -لم يكن العمل العسكري خياراً للثورة، بل فرض عليها فرضاً. وبسبب العوامل الذاتية والموضوعية، والوعود والمناورات التي أخفت مصالح الدول، فمن الطبيعي أن يصل العمل العسكري، بالشكل الذي تمّ فيه، لهذا الوضع بسبب الارتهان للقوى الدولية والإقليمية وخاصة “أصدقاء سوريا”. من هنا يجب الحفاظ على الدور السياسي وتفعيل الأداء فيه إلى أقصى حدّ دون تلكؤ، مع الابتعاد عن التناقضات والخلافات الثانوية. وبوابة هذا الدور تبدأ بإجراء مراجعة شاملة لمسيرة الثورة خلال السبع سنوات وكذلك لمواقف المعارضة السياسية والقوى الفاعلة فيها، بحيث تتمكن من استعادة المصداقية من الشارع بعد تراجع الثقة بها. ولكسب هذه الثقة لا بدّ من تقديم هذه المراجعة، عبر قراءة شفافة ودقيقة لمجريات الأمور والاعتراف بالأخطاء، والتأكيد على أهمية العمل السياسي وأفضليته لإظهار أهمية الثورة وموجباتها الحتمية، وإعادة طرح المسألة السورية كقضية وطنية لإنقاذ البلاد من الاحتلالات وأيادي المتدخلين، وكذلك تسليط الضوء على مكامن الخلل والضعف التي خلفها الانزياح نحو العمل العسكري، وتخلي القوى الثورية عن مهامها الوطنية، والعمل على تصحيح الأخطاء ومعالجة آثارها. فالمطلوب تقديم جردة حساب بما لنا وما علينا، والعمل بأقصى طاقة ممكنه لاستعادة الدور السياسي للثورة بزخم جديد بمعزل عن التطورات العسكرية وعن ضغوط وتوجهات حتى أصدقاء الثورة، للخروج من لعبة الدول وأجنداتها، والتركيز على مصلحة الثورة فقط، وعلى قرارها الوطني المستقل، وإبقاء الرهان على استنهاض الشارع بوجهه المدني والثوري رغم صعوبات ذلك بعد موجات التهجير والخسائر العسكرية والمصالحات والهدن، لأن الثورة ليس نزاعاً عسكرياً ولا حالة مرحلية، بل هي استحقاق تاريخي كبير اطلقه الغضب السوري رداً على مظالم واستبداد النظام ووحشيته. وهو ما يفرض إعادة صياغة الخطاب الوطني ليصبح أكثر شمولاً ومسؤولية، وإعادة الصلة بالمجتمع والنضال لاستعادة ثقته وطرح الحلول الممكنة التحقيق.
5″ -إن المرحلة التي نمرّ بها تتطلب من فصائل الثورة المسلحة أن تدرك حجم المخاطر القادمة التي تهدد الثورة وتضع مصير سورية على كف عفريت.  عليها وضع استراتيجية جديدة تتمكن بموجبها من متابعة كفاحها وإعادة النظر بأساليب عملها السابقة بما في ذلك اختيار المقاتلين المخلصين وأصحاب الوعي الوطني. مطلوب إذاً استنباط أساليب جديدة قد تكون مغايرة عما اعتادت عليه.
6″- إن المتأمل بعمق لسيرورة الربيع العربي وثوراته في مختلف مواقعها، وللمخاظات المتعثرة التي عاشتها وما انتهت إليه من مآلات مأساوية ، يدرك بسهولة أن المسارات التي دفعت إليها، وطبيعة التحولات والمنعطفات التي فرضت عليها مع بعض الاختلافات النسبية، تكشف بوضوح ان أساسها العميق يكمن في موقف الولايات المتحدة الأميركية خصوصاً وبالمجتمع الدولي عموماً في سعيهما لإجهاض هذه الثورات انطلاقاً من عدائهم لتطلعات الشعوب في تحقيق أهدافها بالحرية والديمقراطية. وهذا لا ينفي أبداً أهمية العوامل الذاتية التي لسنا بصددها الآن.
أن كل ما شهدناه ونشهده لا يعدو أن يكون نتاجاً لسناريوهات تحقق هذا الهدف بصيغ ملتبسة ومتناقضة، وأن خشيتها من تفشي مناخات الديمقراطية بما تشكله من تهديد حقيقي لمصالحها ومصالح اسرائيل يدفعها بقوة لدعم أنظمة التسلط والاستبداد التي برهنت قدرتها على صيانة هذه المصالح.
لا نعتقد أن بوسع الولايات المتحدة وروسيا مهما بلغت سطوتهما أن يغيّرا حقائق التاريخ، وينجحا بفرض الهزيمة على الشعب السوري وثورته لا سيما إذا ترافقت بمراجعة نقدية لمسيرتها. فالهزيمة لا تكون بالغلبة العسكرية ولا بالمكائد السياسية، لأن الثورة حين انطلقت منذ سبع سنين لم تكن تحفل بالسلاح ولا بالسيطرة على الأرض، وتركز هدفها على اسقاط النظام والظفر بالحرية.
إن كل محاولات فرض النظام بالقوة واجبار الثورة على الاستسلام لا يعني بأي شكل هزيمتها التي تنحصر في معنى واحد هو قبول الشعب بعد كل هذه التضحيات بالعودة إلى بيت الطاعة. لكن كل الوقائع تؤكد أن طاقات هذا الشعب وعدالة قضيته ما تزال في أوجها رغم كل الانكسارات العسكرية والخيبات السياسية ولا يزيدها اجرام النظام وداعميه وقوى الاحتلال الغاشم وتواطؤ المجتمع الدولي إلا مزيداً من الاصرار والعزم لإطلاق موجات متجددة من المد الثوري لن تتوقف إلا بدحر الاستبداد وبناء الدولة المدنية الديمقراطية.
 
دمشق 15 / 10/ 2017
اللجنة المركزية
لحزب الشعب الديمقراطي السوري  

[gview file=”http://www.syria-sdpp.org/wp-content/uploads/2017/10/رسالة-سياسية.pdf”]