رسائل بالجملة حرصت موسكو على توجهيها، إلى محور “أنقرة – الرياض – الدوحة”، عشية زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى السعودية، واجتماعه بالملك سلمان.

الرسائل، تنوعت ما بين اقتصادية. بتوقيع بوتين مرسوماً بتوسيع العقوبات الاقتصادية، على خلفية إسقاط تركيا طائرة سوخوي 24. وسياسية عبر تصريحات رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش،إثر عودته من زيارة مُلتبسة لموسكو “بشان منح الأتراك الأكراد “حكماً ذاتياً”، والتي وصفها أردوغان بالخيانة أول أمس .  وميدانية، بتحرك  “قوات سوريا الديمقراطية” الحليفة لجماعة الإرهابي صالح مسلم غربي نهر الفرات، ومحاولتها عبوره، بعد انسحاب “داعش” من سد تشرين. وهو تحرك تعتبره أنقرة خطاً أحمر. بالتزامن مع قيام ما يُسمى وحدات حماية الشعب الكردية، بنقض اتفاقها مع الثوار في ريف حلب الشمالي، وشنها هجوماً مُباغتاً، على عدة قرى وبلدات، بغطاء جوي روسي.

رسالة دموية بشروط بوتين!
لعل الرسالة الأهم، وقعها بوتين، باغتيال طائراته، لقائد جيش الإسلام زهران علوش. والتي لم تكن موجهة إلى الدوحة، التي أعلن وزير خارجيتها خالد العطية من موسكو، عن استمرار الخلاف مع الأخيرة، حول تصنيف الجماعات “الإرهابية”، ومصير الأسد. ولا إلى الرياض، التي جددت على لسان الملك سلمان، الأسبوع الماضي، تمسكها بالحل السياسي استناداً إلى جنيف1. إنما إلى المحور ككل، الذي يجمعهما بأنقرة.

ما تريده موسكو، لا يقتصر على شطب “مؤتمر الرياض”، من خلال تفخيخه بالمعارضة المٌصنعة أسدياً وإيرانياً. بل يتعداه إلى فرض تصنيفها لمن تعتبره “إرهابياً”، ويشمل جميع الثوار طبعاً، باستثناء جماعة الإرهابي صالح مسلم، والميلشيات الإيرانية. حتى دون انتظار ، أو مناقشة “اللائحة الأردنية”. وصولاً إلى اعتماد رؤيتها للحل السياسي في “جنيف3”، بطي صفحة “جنيف1” للأبد. واستبدال هيئة الحكم الانتقالية “بحكومة وحدة وطنية”، يرأسها “الأسد” ، وبشر بها وزير خارجيته وليد المعلم مؤخراً. ثم تُتوج “بانتخابات” على الطريقة الروسية، يترشح فيها بشار، مرفوعاً على ركام سورية، و أشلاء أكثر من نصف مليون ضحية، وحوالي 12 مليون سوري، ما بين مُهجر ومُشرد.

اللافت، أن موسكو  تتعامل مع الأطراف المعنية بالأزمة السورية، بمنطق القوة بدلاً من الدبلوماسية. بما فيها الشطب الجسدي، لكل من لا يروق لها، كما في اغتيال “علوش”، أحد أهم المُتصدين لتنظيم الدولة، الذي تدعي موسكو محاربته. في حين أنها تُخلي الساحة له عملياً، بإزاحة مناوئيه في سورية.

مسلسل الرسائل
تلك التهديدات والرسائل، ليست الأولى التي توجهها موسكو للمحور الرافض لاستمرار الأسد. إذ استبقتها بتهديد دول الخليج علناً، خصوصاً السعودية . حين أعادت “الاعتبار”، لصفقة صواريخ “اس 300” المُعدلة. وبالتوافق مع “إسرائيل”، التي أسقطت فجأة “الفيتو” الذي عطل سابقاً إتمام الصفقة مع إيران. عدا تزعمها تحالفاً يضم “الأسد” وطهران وبغداد، تحت “يافطة” مواجهة الإرهاب. فيما هو في حقيقته إعلاناً موارباً لتحالف ضد “الإسلام السني”، أرادت التغطية عليه بدعوتها أنقرة للانضمام إليه، رغم يقينها المُسبق، برفض تركيا للفكرة. وهو ما يُفسر انقلاب حكومة العبادي على التواجد العسكري التركي المحدود داخل العراق، والذي تم بالتنسيق مع إقليم كر دستان، ووزارة الدفاع المركزية لأغراض تدريبية.

لا شك، بأن موسكو تُدرك ضمناً، بأن مخططاتها في سورية، والتي هي قلب الإقليم. لن تمر بسهولة. ذلك أن دوله، لن تسلم لموسكو برسم صورته المُستقبلية على هوى مصالحها. وهو الملف الأكثر سخونه على طاولة المباحثات بين الملك سلمان والرئيس أردوغان. إضافة إلى تناولها مكافحة الإرهاب، في سياق التحالف الإسلامي، والمستجدات في اليمن والعراق وليبيا، والتعاون في مجال الطاقة. وهي خاصرة تركية رخوة، في التعاون الاقتصادي مع موسكو. تحاول أنقرة تدعيمها، بإيجاد البدائل، حيث تُغطي روسيا نحو 55%من حاجتها للغاز.

خوف بوتين المُستتر!
ما يتحسب له بوتين. هو مضي محور “الرياض – أنقرة – الدوحة” بعيداً بتسليح الفصائل السورية المقاتلة، عبر الحدود التركية. وصولاً إلى تزويدها بمضادات طائرات، تنهي العربدة الروسية في الأجواء السورية، أو ترفع كلفتها جداً. وتُعيد إحياء المنطقة العازلة في الشمال، التي لم تسقط من الحسابات التركية، بحسب ما أشار إليه أردوغان، في حديثه لقناة العربية، قبل أيام.

هذه المضادات، والخوف الروسي منها. هو “السر” خلف التصعيد الروسي المُبالغ فيه، بالرد على إسقاط المقاتلة الروسية، والمتواصل منذ 24 تشرين الثاني الفائت بلا توقف. ومفاده تلويح موسكو باستعدادها لتفجير  مواجهة عسكرية مُباشرة في المنطقة. إذا ما اتخذ المحور المناوئ لها في سورية قراراً، بإدخال مثل هذا السلاح، الذي يُذكرها بكابوس أفغانستان.

لا يعني ذلك، أن خصوم موسكو الإقليميين في سورية، على وشك تبني خيار  صواريخ”ستينجر”، أو ما يُعادلها إن جاز التعبير، أقله “حالياً. إذ أن تمريرها إلى مجاهدي “أفغانستان”، بمواجهة الاتحاد السوفيتي آنذاك، تم بتغطية أمريكية عسكرياً وسياسياً. انقلبت إلى نقيضها حالياً. بعد أن صار بإمكان واشنطن الاستغناء عن نفط المنطقة، مُفضلة الانكفاء تاركة خلفها حلفاء الأمس، ليقلعوا أشواكهم بأيديهم.

هؤلاء الحلفاء “عراة” من غطاء الأمس الأمريكي. لكن موسكو بالمقابل، ليست بأفضل أحوالها اليوم. ولا يُمكنها احتمال حرب استنزاف اقتصادي وعسكري طويلة. وهو الخيار المتاح بيد خصومها. ولن يوفروا استخدامه،
ما يعني أن قرار مجلس الأمن 2245، صدر مع وقف التنفيذ الفعلي، حتى إشعار آخر.

اورينت نت