أحمد سامى – التقرير

عقِب الادعاءات الإيرانية بالسيطرة على مضيق باب المندب -شريان الحياه لدول الخليج-، تحدث وزير الخارجية الجيبوتي محمد علي يوسف لصحيفة «الشرق الأوسط» السعودية عن «أن مسؤولين عسكريين سعوديين وجيبوتيين تبادلوا الزيارات خلال الفترة الماضية، والتي تم في إطارها وضع مشروع مسودة اتفاق أمني وعسكري واستراتيجي.. ما زال تحت الدراسة»، مشيرًا إلى أن بلاده تتوقع أن يتم التوقيع على هذه الوثيقة «في القريب العاجل».

كما أضاف يوسف أن قادة عسكريين سعوديين أجروا «زيارة استكشافية… إلى بعض المناطق الجيبوتية التي ستستضيف هذا الوجود العسكري السعودي»، لافتًا إلى أنه جرى تحديد بعض المواقع في الساحل الجيبوتي لإقامة القاعدة فيها، وأكد على أنه «لا تردد في هذا الموضوع»! موضحًا أنه «إذا استغرق استكمال هذه الإجراءات بعض الوقت» فسيكون ذلك «لأسباب فنية فقط»، في إشارة إلي المبالغ التي سيستلمها المسؤولون في جيبوتي لقاء ذلك!

وأضاف يوسف: «أنه ليس هناك أي سبب سياسي للتأخير في عملية تطبيق مشروع إقامة القاعدة السعودية في بلاده»، قائلًا: «إن حكومة جيبوتي وافقت بل شجعت على أن يكون للمملكة ولأي دولة عربية وجود عسكري في جيبوتي نظرا لما يحدث… في المنطقة»، حسب زعمه، وتولي السعودية أهمية ملموسة لعلاقاتها مع جيبوتي نظرًا للموقع الجغرافي لهذه البلاد؛ إذ تحتضن جيبوتي (مساحتها 23 ألف كيلومتر مربع فقط، ويسكنها نحو 830 ألف نسمة) قواعد أمريكية، وفرنسية، وإيطالية، ويابانية، وتقع على الجانب الآخر من باب المندب الذي يفصلها عن اليمن.

ويشكل تأجير القواعد العسكرية واحدًا من أهم إيرادات جيبوتي، حيث تحصل سنويًا على قرابة 160 مليون دولار مقابل ذلك، وكانت جيبوتي قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران قبل عام، بعد تلقي دفعة من المساعدات المالية السعودية.

مضيق هرمز

يعد مضيق هرمز، أهم أحد الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن، وله أهمية استراتيجية واقتصادية وتجارية كبرى لدول الخليج العربي بصفة خاصة ودول الشرق الأوسط بصفة عامة، وهو المنفذ البحري الوحيد لعدة دول، وهى «العراق – الكويت – البحرين – قطر – الإمارات العربية».

في الشهور الأخيرة، أصبح مضيق هرمز مفتاحًا رئيسيًا للعلاقات العدائية الإيرانية والأمريكية، لأنه منذ أن طرح الأمريكيون بحثهم عن عقوبات النفط الإيراني، صرحت طهران أيضًا بشكل علني بـ«لو أننا لم نصدر النفط لن يمر أي شخص من مضيق هرمز»؛ حسبما ذكر موقع «عصر إيران» الفارسي.

ويضمّ المضيق عددًا من الجزر الصغيرة غير المأهولة؛ أكبرها جزر قشم الإيرانية ولاراك وهرمز، إضافةً إلى الجزر الثلاث المتنازع عليها بين إيران والإمارات «طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى»، ويبلغ عرضه 50 كم «34 كم عند أضيق نقطة» وعمقه 60 م فقط، ويبلغ عرض ممرّي الدخول والخروج فيه ميلين بحريّين «أي 10,5كم».

السيطرة الإيرانية

مساء الخميس الماضي، أعلنت الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، أن طهران تسيطر الآن على مضيق هرمز والخليج بشكل كامل، كما هدد قائد القوة البحرية الإيرانية الأميرال حبيب الله سياري، دول المنطقة وأمريكا بعد إعلان بلاده سيطرتها على مياه مضيق هرمز.

ولفت قائد البحرية الإيرانية، في كلمة ألقاها في مراسم صلاة جمعة طهران، إلى ذكرى يوم القوة البحرية للجيش، زاعمًا أن نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، كان يعتقد حين شن الحرب على إيران، أن القوة البحرية لا تمتلك الاستعداد التام للدفاع عن الوطن بسبب أحداث الثورة، وأضاف: «إن القوات البحرية الإيرانية ترصد جميع تحركات دول المنطقة والدول الأجنبية في الخليج العربي ومضيق هرمز وبحر عمان وشمال المحيط الهندي، ولا تخشى أي تهديد».

وتابع قائد القوة البحرية للجيش الإيراني قائلاً: «إن أكثر من ثلث التجارة العالمية تمر عبر شمال المحيط الهندي وبحر عمان وخليج عدن ومضيق باب المندب، وإن مسار إمدادات الطاقة العالمية بعد ضمان الأمن يعد أمرًا هامًا بالنسبة للعالم وإيران».

وأردف قائلاً: «حسب توجيهات قائد الثورة الإسلامية؛ فإن القوة البحرية عززت وجودها باقتدار في شمال المحيط الهندي، ومع تواجدها في سواحل مكران وبحر عمان وشمال المحيط الهندي استطاعت ضمان أمن المنطقة، واليوم وبعد أن تمكنت من المحافظة على مصالح البلاد، وتنفيذًا لأمر القائد فإنها تتواجد بشكل مستمر في خليج عدن، وتقوم بإجراءات مؤثرة في التصدي لقراصنة البحر».

وأكد أن قطع الأسطول البحري الإيراني استطاعت خلال السنوات السبع الماضية من توفير الحماية للسفن التجارية، وناقلات النفط الإيرانية خلال عبورها خليج عدن ومضيق باب المندب، ولم تسمح بإلحاق بأدنى ضرر باقتصاد البلاد، وأشار إلى أن قطع الأسطول البحري الإيراني تصل حاليًا إلى ميناء دوربان في جنوب أفريقيا؛ مما يدل على الاقتدار البحري للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وأضاف: «إن القوات البحرية للجيش والحرس الثوري ترصد حاليًا جميع تحركات دول المنطقة والدول الأجنبية في الخليج العربي، ومضيق هرمز وبحر عمان وشمال المحيط الهندي، ولا تسمح لأي سفينة بالاقتراب من حدود إيران أو إلحاق الضرر بالمصالح الوطنية».

الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية

مع اكتشاف النفط ازدادت أهمية المضيق الاقتصادية؛ نظرًا للاحتياطي النفطي الكبير بالمنطقة العربية واستيراد الخدمات والتكنولوجيا، بمعنى أن المضيق يربط بين أكبر مستودع في العالم وأكبر سوق، وتعبره من 20-30 ناقلة نفط يوميًا بمعدّل ناقلة نفط كل 6 دقائق في ساعات الذروة، محمّلة بنحو 40% من النفط المنقول بحرًا على مستوى العالم.

وتعتبر دولة اليابان من أكبر دول العالم استيرادًا للنفط عبر مضيق «هرمز»، وفي حالة غلقه فإن العالم سيحرم من هذه التكنولوجية المتطورة، كما أن 22 % من السلع الأساسية في العالم (الحبوب وخام الحديد والأسمنت) تمر عبر المضيق، وتُصدر المملكة العربية السعودية 88 % من إنتاجها النفطي عبر المضيق، بينما تصدر العراق 98 % من إنتاجها النفطي عبره، والإمارات بنسبة 99%.

مأزق حقيقي

وسط هذه التطورات المتلاحقة، أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي تواجه مأزقًا حقيقيًا، يتمثل في أمرين ربما يصعب التوفيق بينهما، أولهما؛ كيفية التعامل مع التداعيات التي قد تنجم عن إغلاق إيران مضيق هرمز أو على أقل تقدير جعل الملاحة فيه غير آمنة، وذلك بالنظر إلى كون المضيق يعد الممر الوحيد لبعض دول الخليج «الكويت والبحرين وقطر»، وشبه الوحيد للبعض الآخر «السعودية والإمارات وسلطنة عمان»، لجميع صادرات النفط وغيره، ولجميع الواردات أيضًا.

وثانيهما: «أن دول المجلس ستكون بين مطرقة إثبات المصداقية في الالتزام بالقرارات الدولية المتعلقة بالعقوبات النفطية على إيران، وسندان التهديد الإيراني لدول الخليج بأنها ستواجه مسارًا خطيرًا في حال قيامها بتعويض النقص في إنتاج إيران النفطي».

كما ترتبط بذلك معضلة أخرى، تتمثل في أن دول الخليج ستكون حائرة بين تلبية الطلب المحلي المتزايد على الطاقة من جهة، وتعويض النقص في الصادرات النفطية الإيرانية من جهة أخرى.