ما أن أطلق موسادي إسرائيلي، اسمه إيلي كوهين، شائعة تدّعي أن بشار الأسد سيغادر موقعه في شهر يوليو/ تموز المقبل، حتى فُتح بازار الترشيح للرئاسة السورية، لأن من شاركوا في مزاده صدّقوا أن إسرائيل هي التي ستحدد مخرجات الصراع السوري، وليس واشنطن وموسكو، لذلك يعلن كوهين نهاية دوريهما بإعفاء الأسد من منصبه، بعد أن أنجز الأخير مهمته، ودمر دولة سورية ومجتمعها، وصار من الضروري البحث عن رئيسٍ آخر لسورية الجديدة: الإسرائيلية قلبا وقالبا. هذا الوهم، تنقضه الوقائع التالية:

أولا، لن تكون الخفّة التي تمليها النوازع غير الوطنية لدى كثيرين ممن يدّعون الانتماء إلى الثورة كافيةً لتمكين مُخبر إسرائيلي من تعيين أحدهم رئيسا لبلادٍ ثار شعبها لتكون إرادته الحرّة هي من يحدّد هوية وأدوار من سيتولون مسؤوليات عامة في دولةٍ تنهض على خياراتٍ وطنيةٍ حرة. لو رشّح “رؤساء الغفلة” أنفسهم قبل تفوّهات كوهين، لكان الأمر مقبولا. أما أن يندفع أربعة سوريين إلى ترشيح أنفسهم بإيماءة من موسادي إسرائيلي، أصدر أمرا بتعيين أحدهم رئيسا، فهذا يعني أنهم أصدروا حكم إعدام سياسي على أنفسهم.

ثانيا، مشكلة التمثيل القائمة لدى طرفي الصراع السوري، فلا الأسد يمثل الخاضعين لمخابراته، ولا الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة يمثل سوريي المناطق الخارجة عن سيطرتها. هذه المعضلة التي لا يجوز التعايش معها بعد الآن، لا مفرّ من مواجهتها بأعلى قدر من المسؤولية الوطنية ونكران ذات، ونحن نقترب من مرحلة الحل التي طال انتظارها، ويحاول الموساد بث الاضطراب والبلبلة في صفوف الشعب والمعارضة، وفتح ميدانٍ للصراع على المناصب بين أشخاصٍ لا دور لهم في الثورة، ولا قدرة على الفعل والتأثير، لكنهم مؤهلون للتلاعب بالمسألة الوطنية، ولارتكاب جريمةٍ سياسيةٍ ضد شعبهم، بتنافسهم على دورٍ تافه، لكنه سيكون خطير النتائج، في حال استمرت هامشية المعارضة الشعبية وسلبيتها الوطنية، وتواصل تهجير السوريين وتجويعهم وقصفهم وقتلهم. ونجح الموساديون في العبث بما ضحّوا بكل شيء من أجله، وفي شرشحة المعارضة واختراقها، ودفعها إلى قلب أولوياتها رأسا على عقب، بالقفز عن مراحل الحل الدولي التي توافق العالم على أنها تبدأ بوقف إطلاق نار شامل، ثم بإحياء اللجنة التي ستضع دستورا جديدا يقره الشعب، قبل أن ينتخب رئيسا جديدا للجمهورية بإرادته الحرّة، وليس بقرار إسرائيلي يعلنه موسادي، يرمي ورقةً في ساحةٍ تعاني ما يشبه الضياع، فتعمق مشكلاتها، وتظهر أعداء الأسدية بمظهر جهاتٍ لا تني تنقسم فيما بينهم، تملك تل أبيب حصة فيها، وتلعب دورا هو الوجه السوري لسياساتها الذي يعزز فرصها، خصوصا إذا نجحت في تحويله إلى اختراق جدي ومؤثر في الحل القادم.

والآن: هل تتدارك المعارضة معضلة التمثيل التي تحمل مخاطر جدّية على حصة الشعب من الحل، وتبادر إلى تسويتها ولقطع الطريق على البدائل الإسرائيلية وغير الإسرائيلية؟ وهل تدرك المعارضة، أخيرا، أن عليها المسارعة إلى ردم الهوة بين السوريين، عبر حواراتٍ لا بد أن تنتهي بمصالحاتٍ وطنية، وبالتوافق على نمط دولتهم والمواقف الوطنية الجامعة التي تغلق الثغرات التي يتغلغل عبرها أعداؤهم إلى ثورتهم وقضيتهم؟

ثالثا، في صراع دولي وإقليمي وداخلي محتدم، كالصراع السوري، ليست إسرائيل من سيقرّر مآلاته النهائية. وليس التنصل المعيب والمدان من القضية الفلسطينية كافيا لخطب ودّها، ومع أن مصالحها ستؤخذ بالاعتبار في الحل، فإنها لن تكون الطرف الذي سيوزّع حصصه، وإن توهم “رؤساء الغفلة” أن الصهيونية تمسك بدول العالم، كبيرها وصغيرها، وبيدها حلول مشكلاته، ولذلك، لن يكون هناك دور للثورة السورية إلا الذي تريده تل أبيب!

أخيرا: إذا لم يكن لدى إسرائيل غير هؤلاء، يكون من واجبنا القول إن ثورة سورية ستكون بخير.