“المدينة دُمرت بشكل شبه كامل، لا بنية تحتية، ولا أغذية كافية، ولا مستشفيات، والسكان ما زالوا يقيمون في الأقبية منذ شهر وعشرة أيام. الجميع يترقب نتائج المفاوضات الجارية مع الضباط الروس”، بحسب عدنان سقباني، وهو ثلاثيني من أهالي مدينة دوما. وعلى الرغم من إبدائه أملاً “بألا يتم تهجيرنا كما تم تهجير حرستا والقطاع الأوسط”، فإنه يوضح أن “الأيام القليلة المقبلة ستكون مصيرية، وكثيرون هنا استعدوا لكافة الخيارات”.

وفيما تتسارع وتيرة عملية “الترانسفير” الجماعي في مناطق القطاع الأوسط من الغوطة الشرقية، مع وصول نحو 20 ألف شخص، ما بين مدني ومقاتل إلى شمال غرب سورية، تسود حالة من الترقب مدينة دوما، آخر معاقل المعارضة السورية المسلحة شمال الغوطة، إذ يعيش أكثر من مائة ألف مدني، إضافة إلى عسكريي “جيش الإسلام”، وهم بالآلاف، أصعب الأوقات منذ نحو سبع سنوات، بانتظار مصير غير واضح المعالم تماماً حتى الآن. ويقول سقباني، وهو من السكان المحليين في دوما، لـ”العربي الجديد”، إن “لجنة المفاوضات هنا (تتألف من مدنيين وعسكريين) أبلغتنا بأنها تبذل جهوداً كبيرة كي لا يتم تهجير السكان على غرار القطاع الأوسط وحرستا”، وأن “المفاوضات في هذا الشأن ما تزال جارية مع ضباط روس”. وأشار إلى أن “مئات العائلات قررت مغادرة دوما في الأيام القليلة الماضية نحو معبر مخيم الوافدين، فيما قررتُ أن أنتظر مع آلاف العائلات ما ستسفر عنه المفاوضات، علّنا نبقى في أرضنا وبيوتنا، رغم أن المعيشة هنا باتت شبه مستحيلة، مع الدمار الهائل الذي أصاب معظم أرجاء المدينة”.


تجري مفاوضات بين عسكريين روس وممثلين عن مدينة دوما لتحديد مصيرها


وكان يعيش في الغوطة الشرقية، قبل الحملة الأخيرة للنظام والروس، والتي بدأت قبل نحو 40 يوماً، ما بين 350 و400 ألف شخص، منهم 175 ألفاً يعيشون في مدينة دوما المحاصرة، وهي آخر معقل لـ”جيش الإسلام” والمعارضة السورية في الغوطة الشرقية، إذ تبلغ المساحة المتبقية خارج سيطرة النظام في شمال الغوطة نحو 14 كيلومتراً مربعاً، بعد أن كانت تقارب الـ 110 كيلومترات مربعة قبل 18 فبراير/شباط الماضي. وتجري مفاوضات، غير واضحة التفاصيل تماماً، بين عسكريين روس وممثلين عن مدينة دوما لتحديد مصيرها. وقال المتحدث باسم “جيش الإسلام”، حمزة بيرقدار، في تصريح لوكالة “رويترز”، إن “مقترحات قدمت لروسيا بشأن الوضع في دوما، لكنهم لم يتخذوا أي قرار حيالها حتى الآن”، متوقعاً عقد اجتماعٍ آخر “لاستكمال هذه المداولات”. وقال “نحن قرارنا قدمناه وهو البقاء، وهذا ليس قراراً على مستوى جيش الإسلام فقط، وإنما على مستوى جميع المؤسسات والفعاليات والشخصيات الثورية في دوما”. وكان “جيش الإسلام” بعث، أول من أمس، برسالة إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن، يبلغهم فيها بمبادرة كان قد قدمها الفصيل إلى الجانب الروسي كحل لتردي الأوضاع في الغوطة الشرقية بريف دمشق. ووفقاً للرسالة، فإن الجانب الروسي يرفض هذه المبادرة، التي تضمنت وقفاً فورياً لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإدارة الأمن في دوما بالتنسيق المباشر بين “جيش الإسلام” والقوات الروسية والشرطة المحلية. كما تضمنت المبادرة إدخال المؤسسات التابعة للنظام السوري إلى مدينة دوما، وتشكيل لجنة أهلية محلية للتنسيق مع النظام تحت إشراف مكتب الأمم المتحدة في دمشق.

وكانت تقارير صحافية ذكرت إن “جيش الإسلام” رفض مقترحات روسية بتسوية أوضاعه، وتحول مقاتليه إلى “قوات حماية شعبية” تعمل مع النظام في دوما، وأن روسيا هددت بإبادة مدينة دوما، ما لم يرضخ “جيش الإسلام” لشروطها، ضمن المفاوضات الجارية بين الطرفين، مشيرة إلى أن الجانب الروسي منح “جيش الإسلام” مهلة 48 ساعة، تنتهي أمس الأربعاء، لقبول مغادرة المدينة، مع توقعات بتمديد هذه المهلة، ريثما يتم إغلاق ملف القطاع الأوسط، واستكمال عمليات نقل مقاتلي “فيلق الرحمن” وما تبقى من السكان نحو إدلب.

ونقلت صحيفة “الوطن”، الموالية للنظام من جهتها، عن مصادر عسكرية قولها إن جميع القوات العاملة في الغوطة الشرقية تستعد لبدء عملية عسكرية ضخمة في دوما، “ما لم يوافق جيش الإسلام على تسليم المدينة ومغادرتها”. وأوضحت أن هذا التطور “يأتي على ما يبدو بعد إخفاق المفاوضات التي كانت تجري برعاية روسية مع جيش الإسلام لتسليم دوما، وإبرام اتفاق على غرار الاتفاقات التي عقدت مع باقي المليشيات المسلحة في بلدات الغوطة الشرقية”. وقال مسؤول في النظام السوري، لوكالة “رويترز”، إن “الوضع يمر بمرحلة حاسمة”، مضيفاً “سيكون هذان اليومان حاسمين”. ولم يقدم المسؤول مزيداً من التفاصيل. وكان آخر تعليق رسمي لـ”قاعدة حميميم” الروسية في سورية، حول الوضع في دوما، قد صدر مساء الثلاثاء، إذ قالت القيادة العسكرية الروسية في سورية “لا نسعى إلى إجراء أي تغيير ديمغرافي في المناطق التي تحوي مسلحين غير شرعيين. كما أنه من غير المقبول على الإطلاق بقاء أي مظاهر مسلحة خارج سلطة الحكومة السورية في دمشق ومحيطها”، وذلك بعد ساعات من نشرها بأن “المهلة الروسية الممنوحة للمسلحين غير الشرعيين (في دوما) ستكون الأخيرة”، دون تحديد زمن بدء أو نهاية هذه “المهلة”.


“جيش الإسلام” يسعى لصفقة مع الجانب الروسي تتضمن تمكينه من إدارة المدينة أمنياً والسماح بدخول مؤسسات النظام المدنية والخدمية


غير أن العديد من المراقبين يعتقدون أن لدى “جيش الإسلام” بالفعل أوراقاً تفاوضية أقوى مما كان لدى فصائل المعارضة الأخرى في الغوطة، وأنه قد ينجح في انتزاع تسوية بشروط مختلفة، أي لا تتضمن التهجير وتسليم مدينة دوما للنظام، رغم رفض “حميميم” والنظام لأي اتفاق لا تخضع فيه دوما لسيطرة النظام السوري. ويقول الصحافي السوري، شادي عبد الله، إن “جيش الإسلام” يسعى لصفقة مع الجانب الروسي، تتضمن تمكينه من إدارة المدينة أمنياً، من دون دخول القوات العسكرية والأمنية للنظام، لكن مع السماح بدخول مؤسسات النظام المدنية والخدمية. واستشهد عبد الله بكلمة قائد “جيش الإسلام”، عصام بويضاني، التي وجهها قبل أيام لفصائل درعا وشدد فيها على ضرورة وجود “قوة سنية” بالقرب من العاصمة دمشق، ما قد يؤشر إلى وجود تفاهمات، إقليمية ودولية، تقوم على توزيع المناطق على أساس طائفي، ويكون “جيش الإسلام” هو ممثل السنة للوقوف في وجه “التمدد الشيعي” الذي تقوده إيران وتستهدف من خلاله الهيمنة على دمشق وريفها. وذكر عبد الله أن استراتيجية “جيش الإسلام” العسكرية، وتحالفاته السياسية، كانت دائماً تراعي أن يلعب دوراً رئيسياً في مستقبل سورية، وأنه ليس من السهولة تحييده، وبعثرة وجوده، على غرار الفصائل الأخرى، لافتاً إلى أوراق قوة أخرى لدى “جيش الإسلام” تتمثل في قوته العسكرية وأسلحته الثقيلة، وتمكنه من بناء مؤسسة عسكرية منظمة إلى حد بعيد، فضلاً عن العدد الكبير من أسرى النظام لديه، والمقدر بعدة آلاف ما بين عسكريين ومدنيين موالين للنظام. وأضاف عبد الله، لـ”العربي الجديد”، أنه إذا لم يتمكن “جيش الإسلام” من تحقيق مطالبه في البقاء بالغوطة، فالأرجح أنه لن يخرج إلى الشمال السوري حيث تسيطر “هيئة تحرير الشام” التي خاض ضدها معارك كثيرة في الغوطة وغيرها من المناطق، مشيراً إلى أن وجهته قد تكون إلى القلمون الشرقي، أو محافظة درعا في الجنوب السوري، وهذه ستكون مشكلة للنظام السوري وروسيا، لأن منطقة الجنوب قد تكون هي المحطة التالية بعد الغوطة. وترجح مصادرُ في دوما، وهي قريبة من اللجنة التي تلتقي بالضباط الروس، أن تشهد الأيام القليلة المقبلة، حسماً نهائياً حول مآلات مدينة دوما، وما إذا كانت ستشهد أم لا، مصيراً مختلفاً، عن مدن القطاع الأوسط بالغوطة الشرقية.