لندن – إبراهيم حميدي
أظهرت الدعوة التي أرسلها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الى وفدي الحكومة السورية و «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة الى مفاوضات جنيف في 23 الشهر الجاري حذف أي إشارة الى «الانتقال السياسي» ورفض «أي شروط مسبقة»، في مقابل تمسكه بأن تكون مرجعية المفاوضات «بيان جنيف» مع تركيز على الأجندة التي وضعها القرار 2254 وتتعلق بتشكيل حكم تمثيلي وغير طائفي وإنجاز دستور لإجراء انتخابات حرة، لكن من دون أي إشارة الى برنامج زمني لتحقيق ذلك. وكان لافتاً أن المبعوث الدولي رأى «تكاملاً» بين عمليتي جنيف وآستانة.
وجاء في نص الدعوة التي بعثها دي ميستورا الى وزارة الخارجية السورية والمنسق العام لـ «الهيئة العليا للمفاوضات» رياض حجاب قبل يومين، وحصلت «الحياة» على نصها، أن مجلس الأمن الدولي «دعا في شكل مستمر وخصوصاً البيان الرئاسي في 31 كانون الثاني (يناير) الماضي الى إطلاق عملية سياسية للتوصل الى حل للأزمة السورية استناداً الى بيان جنيف الصادر في حزيران (يونيو) 2012 الذي اعتمد بقرار مجلس الأمن 2118 نهاية 2013 وقرارات مجلس الأمن 2254 و2268 و2336 وبيانات المجموعة الدولية لدعم سورية، إضافة الى أن مجلس الأمن حض الأطراف السورية على المشاركة في المفاوضات من دون شروط مسبقة».
في المقابل، فإن الدعوة التي أرسلها دي ميستورا الى الحكومة و «الهيئة» في 26 كانون الثاني العام الماضي وحصلت «الحياة» على نصها، أكدت بوضوح أن المبعوث الدولي يدعو الطرفين لـ «المشاركة في المفاوضات حول الانتقال السياسي التي تقوم الأمم المتحدة بتسييرها للتوصل الى حل للنزاع السوري ووضع أسس لتسوية دائمة»، مع إشارته إلى أن دوره هو «تيسير المفاوضات حول عملية الانتقال السياسي في شكل عاجل عملاً ببيان جنيف» للعام 2012.
كما نصت الدعوة السابقة على أن المفاوضات ستكون «مباشرة ومستمرة لستة أشهر» لبحث أجندة حددها القرار 2254، وهي: «إقامة حكم ذي صدقية يشمل الجميع ولا يقوم على أسس طائفية، مع وجدول زمني وعملية لصوغ الدستور الجديد في غضون فترة ستة أشهر وانتخابات حرة ونزيهة تجرى بموجب الدستور الجديد خلال 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة». لكن في الدعوة الجديدة غاب الجدول الزمني لتنفيذ 2254 وغابت عبارة «الانتقال السياسي» التي ذكرت مرتين العام الماضي، إذ إن دي ميستورا قال حالياً أن القرار 2254 «لا سيما الفقرة الرابعة، حدد جدول أعمال واضحاً للعملية السياسية بقيادة سورية وتيسير من الأمم المتحدة، وسأحدد آليات ومنهج العمل للتعامل مع الموضوعات الواردة في جدول الأعمال وإدارة المفاوضات السورية – السورية في شكل فعال». وأعرب عن الأمل بأن يكون وفدا الحكومة والمعارضة «مستعدين للمشاركة في شكل مستمر في المفاوضات في الأسابيع والأشهر المقبلة» بعدما كان واضحاً في الدعوة السابقة أن المفاوضات ستجرى «خلال ستة أشهر» وفق القرار 2254.
ويفسر الوفد الحكومي عبارة «الحكم» على انها تشكيل «حكومة وحدة وطنية»، في حين تفسرها «الهيئة» على انها «هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة» بموجب «بيان جنيف». واذ يركز الطرف الأول على محاربة الإرهاب، فإن «الهيئة» تركز على «الانتقال السياسي». ودخلت موسكو على الخط لدى طرحها مسودة روسية للدستور السوري، الأمر الذي رفضته المعارضة، بل إن وفد الفصائل رفض تسلمه في اجتماع آستانة. لكن النص الخطي لرسالة الدعوة، ترك التفاصيل غامضة وللمفاوضات، إضافة الى تمسك دي ميستورا بإجراء مفاوضات مباشرة ومتوازية حول النقاط الثلاث في القرار 2254. وهو قال في روما امس إن جدول أعمال المفاوضات واضح وهو القرار 2254 و «استند إلى ثلاث نقاط رئيسية، هي وضع أسس الحكم والاتفاق على دستور جديد وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة… هذا هو جدول الأعمال ولن نغيره وإلا سنفتح أبواب الجحيم».
وبعدما دعا دي ميستورا «الهيئة» الى جنيف «لإرسال وفد من 15 عضواً لإجراء مفاوضات حول الانتقال السياسي»، طلب دي ميستورا هذه المرة من حجاب «موافاتنا بأسماء وفد المعارضة السورية (وليس الهيئة) الذي أعلن في 11 شباط (فبراير) ودعوة الوفد للمشاركة في المفاوضات على ألا يتجاوز عدد الوفد 22 شخصاً بحيث يكون موجوداً في جنيف اعتباراً من 20 شباط لإتاحة الفرصة لإجراء مشاورات مسبقة معي (دي ميستورا) وفريقي قبل بدء المفاوضات في شكل رسمي في 23 شباط».
وكانت «الهيئة» شكلت في ختام اجتماعها في الرياض وفد المعارضة وضم 22 شخصاً برئاسة نصر حريري، بينهم 10 من ممثلي الفصائل المقاتلة وسمت ممثلاً لكل من مجموعتي موسكو والقاهرة ضمن الكتلة السياسية، الأمر الذي رفضته مجموعتا موسكو والقاهرة وطالبتا بمثالثة في الكتلة السياسية وقبول ذهاب نصف مقاعد الوفد الى الفصائل المسلحة شرط أن تكون مرجعية الوفد القرار 2254 وليس بيان مؤتمر المعارضة في الرياض نهاية 2015، كما تطالب «الهيئة».
ويُعتقد أن محادثات دي ميستورا في موسكو اليوم مع وزيري الدفاع والخارجية الروسيين سيرغي شويغو وسيرغي لافروف ترمي الى الحصول على موافقة موسكو على وفد المعارضة واتخاذ إجراءات لتثبت وقف النار في ضوء اجتماع الدول الضامنة، روسيا وايران وتركيا، في آستانة اليوم. كما ان هذه الأمور ستكون ضمن لقاء لافروف ونظيره الأميركي ريكس تيلرسون على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في بون (ألمانيا) اليوم.
ونصت الدعوة الخطية على أن دي ميستورا يعتبر أن «وقف النار الذي أعلن في 30 كانون الأول الماضي وما تبع ذلك من جهود في آستانة ساهما في شكل كبير في إعطاء دفعة للعملية السياسية وسيسهمان في شكل مهم في خلق الظروف المواتية لإجراء مفاوضات جدية» بين وفدي الحكومة والمعارضة في جنيف لمدة أسبوعين. وأضافت: «سأواصل التشاور لضمان أن تكون الجهود المبذولة في آستانة وجنيف مكملة لبعضهما بعضاً خصوصاً في القضايا المهمة المشار اليه في الفقرات 12 و13 و14 من القرار 2254 وتثبيت وقف النار والعمل على مكافحة الإرهاب وفقاً للقرارين الدوليين 2249 و2253».
وتتعلق الفقرات 12 و13 و14 بإدخال المساعدات الإنسانية الى المناطق المحاصرة في سورية وإطلاق سراح المعتقلين وتبادل الأسرى وقف القصف على مناطق مختلفة. وطالب المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في دمشق علي الزعتري «جميع الفرقاء بالتوافق من أجل الوصول الفوري الى البلدات الأربع المحاصرة، الزبداني والفوعة وكفريا ومضايا»، محذراً من «كارثة وشيكة».
وتأخر عقد اجتماع آستانة يوماً واحداً، إذ بدأ اليوم بدلاً من أمس، بسبب خلاف روسي – تركي على أولويات الاجتماع، إذ إن فصائل المعارضة التي تدعمها انقرة تريد التزام روسيا وحلفائها وقف النار ووقف العمليات الهجومية وإقرار آليات لمعاقبة اي طرف يخرق اتفاق وقف النار. وغادر امس انقرة وفد صغير من الفصائل المسلحة برئاسة القيادي في «جيش الإسلام» محمد علوش الى آستانة للمشاركة بالاجتماع الذي سيشارك فيها أيضاً مسؤولون روس وأتراك وإيرانيون، إضافة الى مشاركة الأردن بصفة مراقب على إقرار خطة وضعها فريق دي ميستورا لتثبيت وقف النار والرد على الخروق.
وبعدما كان يتحدث المبعوث الدولي عن تخصيص 30 في المئة للنساء، دعا الى ضرورة «مشاركة فعالة للمرأة» في العملية التفاوضية وفقاً للقرار 1325، الأمر الذي عبّر عنه الوفدان بوضع نساء في تركيبة الوفدين والمستشارين.