محمد حسان – صحافي سوري 

مايو 26, 2020

العمليات الأمنية لتنظيم “داعش”، أثناء معركة الباغوز كانت تفتقد للتنظيم، لكنها كانت تهدف إلى التخفيف عن عناصر التنظيم الموجودين في الباغوز ومخيمها.

أمام أحد مقرات “قوات سوريا الديموقراطية” في بلدة الشحيل في ريف دير الزور الشرقي، يقف أسعد، متأهباً يلتفت يمنةً ويسرة، سلاحه الكلاشنيكوف لا يغادر قبضة يده السمراء، على رغم وجوده في وسط البلدة، إلا أنه يأخذ أقصى درجات الحذر، بخاصة مع مرور الدراجات النارية بالقرب منه، والتي باتت خلايا “داعش”، تستخدمها في عمليات استهداف المقاتلين المناوئين للتنظيم.

منذ شهر آذار/ مارس الماضي، وسلاح أسعد دائماً مهيأ للإطلاق، بعد تعرضه لمحاولة اغتيال فاشلة، قام بها مجهولون، تسببت بإصابته بطلق ناري في البطن، فيما قتل زميله علي الذي كان يشاركه نوبة الحراسة لحظة الاستهداف، بينما تمكن منفذو العملية من الهرب.

لا يخفي أسعد مخاوفه من عودة التنظيم لاستهدافه، لكنه يُصر على الاستمرار في عمله في صفوف التنظيم الكردي “قوات سوريا الديمقراطية” أو “قسد”، لإعانة عائلته، في ظل البطالة التي تشهدها المنطقة وصعوبة ظروف الحياة التي تواجه السكان.

التحول إلى “الولايات الأمنية” 

مع وصول معارك قوات التحالف الدولي وحليفتها “قوات سوريا الديموقراطية”، ضد تنظيم “داعش”، إلى مشارف بلدة الباغوز، آخر معاقل التنظيم في سوريا، بدأت خلايا التنظيم التي تمكنت من البقاء في الخطوط الخلفية للقوات المهاجمة، عملاً أمنياً يستهدف تجمعات ومقار تلك القوات.

العمليات الأمنية لتنظيم “داعش”، أثناء معركة الباغوز كانت تفتقد للتنظيم، لكنها كانت تهدف إلى التخفيف عن عناصر التنظيم الموجودين في الباغوز ومخيمها، واستطاعت تلك العمليات تحقيق نجاحات نوعية، على مستوى إرباك القوات المهاجمة وتكبدها خسائر كبيرة في الأرواح، مثل عمليات السيطرة على مخيم هجين، الذي كان بالقرب من الباغوز، والذي احتجزت فيه عائلات ومقاتلين من التنظيم فروا من المنطقة، وكانت عملية السيطرة ثمرة عمل خلايا التنظيم خلف خطوط قوات “قسد” ومقاتلي التنظيم المحاصرين في الباغوز.

بعد السيطرة على مخيم الباغوز في آذار 2019، سعى التنظيم إلى إيجاد مساحة لعمل يبقي على حضور التنظيم في المنطقة، ما دفعه إلى التوجه إلى استراتيجية “الولايات الأمنية”، والتي تقوم على تفعيل خلايا سرية تنفّذ عمليات استهداف للأطراف المعادين. قوام تلك الخلايا، عناصر يبايعون التنظيم كان أعدهم في فترات سابقة ولم يكشف عنهم، للعمل في مثل هذه الظروف التي يمر بها التنظيم، يضاف إليهم عناصر من التنظيم استسلموا وأعلنوا تبرؤهم منه، لكنهم ما زالوا يقدمون الدعم لهذه العمليات، ويشكل أولئك، الجهاز السري الضارب، الذي يعتمد عليه التنظيم في حربه “الأمنية” طويلة الأمد.

بعد السيطرة على مخيم الباغوز في آذار 2019، سعى التنظيم إلى إيجاد مساحة لعمل يبقي على حضور التنظيم في المنطقة، ما دفعه إلى التوجه إلى استراتيجية “الولايات الأمنية”.

أعمال تنظيم “داعش” الأمنية، بدأت مع تفجير انتحاري في مطعم يرتاده جنود أميركيون وقادة من “قسد”، في 16 كانون الثاني/ يناير 2019، ما أسقط 4 قتلى أميركيين. تلى العملية بأقل من أسبوع، هجوم انتحاري على قافلة للجيش الأميركي، في منطقة الـ47 في الشدادي جنوب محافظة الحسكة، قتل فيه 5 عناصر من “قسد” وجرح جنديان أميركيان. ثم نفذت عمليات اغتيال استهدفت قادة مجلس دير الزور العسكري، كتلك التي استهدفت الملازم إسماعيل العبدالله في كانون الثاني 2019، ومنذ تلك الفترة لا يكاد يمر يوم ولا تشهد مناطق سيطرة “قسد”، عمليات أمنية لـ”داعش”، تطاول حواجز “قسد” ومقراتها أو الموظفين في الإدارة المدنية التابعة لها.

وعلى رغم حملات الاعتقال والتفتيش واسعة النطاق، التي تنفذها “قوات التحالف الدولي” و”قسد”، لكن الاغتيالات والعمليات الأمنية لـ”داعش”، لم تتوقف، وما زالت تحقق هدفها بزعزعة الأمن والاستقرار في مناطق سيطرة التحالف الدولي وقوات “قسد”.

زيادة النشاط ورقعة الاستهداف 

منذ مطلع عام 2020، ازدادت عمليات تنظيم “داعش” الأمنية، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ انهيار آخر معاقله شرق دير الزور مطلع عام 2019 واتباعه أسلوب “الولايات الأمنية”. هذه العمليات تنوعت طرائق تنفيذها، من الهجمات المباشرة على الحواجز والدوريات، إلى عمليات الاغتيال لعناصر أو متعاونين مع قوات “قسد”، وزراعة العبوات الناسفة أو الآليات المفخخة في طرق مرور العناصر المستهدفين من التنظيم.

نشاط التنظيم في مناطق شرق الفرات لم يقتصر على نقاط جغرافية محددة، بل سعى ليشمل تلك المناطق كلها في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور، وإن كانت المناطق التي تسيطر عليها “قسد” في دير الزور، تشهد أكثر العمليات الأمنية لـ”داعش”، بخاصة مناطق ريف دير الزور الشرقي، وتحديداً المنطقة الممتدة بين مدينتي الصور والبصيرة، وصولاً إلى بلدات الزر والحوايج والشحيل ودرنج.

عمليات “داعش” لم تقتصر على العنصر العسكري المقاتل، بل تطورت أخيراً لتشمل الجهات المدنية العاملة مع “قسد”، كالمجالس المدنية المسؤولة عن توفير الخدمات الأساسية، والشخصيات المحلية العاملة في “الكومين”، أي الموظفين في الإدارة الذاتية في الأحياء والحارات ممن يقومون بوظيفة “المختار” التقليدية، كما طاولت تلك العمليات مدنيين ليسوا على ارتباط بأي طرف من أطراف الصراع، في تطور خطير لتوجهات عمل خلايا التنظيم التي تزداد عنفاً وانتقامية.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وثقت مقتل 69 مدنياً على يد خلايا تنظيم “داعش”، منذ آذار 2019 وحتى شهر أيار/ مايو 2020، بينهم 6 أطفال و3 سيدات، توزعوا على ثلاث محافظات، دير الزور 42 ضحية، الرقة 26، والحسكة ضحية واحدة. وأكد فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لـ”درج” “إن جميع الضحايا من المدنيين ولا يربطهم في أطراف الصراع أي رابط، مضيفاً أن “مصير 8648 مختفياً قسرياً كان اعتقلهم التنظيم خلال فترة سيطرته، لا يزال مجهولاً، بينهم 386 سيدة و319 طفلاً”.

أما عمليات استهداف “قوات سوريا الديموقراطية” والتحالف الدولي، منذ آذار 2019 وحتى أيار 2020 فبلغت قرابة 100 عملية استهداف، راح ضحيتها ما يقارب 150 عنصراً بينهم 8 جنود أميركيين، إضافة إلى عشرات الجرحى وخسائر مادية كبيرة في المعدات وبعض المقار العسكرية. 

عماد الخلايا والعقل المدبر

إن عماد خلايا تنظيم “داعش”، العاملة في شرق الفرات، هو العنصر المحلي المنحدر من تلك المناطق، وممن كان على علاقة سابقة بالتنظيم، إذ تكشف الحملات الأمنية للتحالف الدولي و”قسد”، التي تطاول تلك الخلايا، أن معظم هؤلاء من السوريين، وهم على قسمين، الأول هم المنتسبون السابقون في صفوف “داعش”، الذين اعتقلوا وأطلق سراحهم لاحقاً، نتيجة الوساطات العشائرية ومبادرات “قسد” للمصالحة المجتمعية. أما القسم الثاني، فهم الخلايا السرية التي جندها التنظيم في فترات سيطرته بين عام 2014 و2018 وما بعد انحساره الجغرافي، وتلك الخلايا كانت غي معلنة ما يزيد من تعقيد ملاحقتها والتعرف إلى عناصرها.

خلايا التنظيم الأمنية، يشرف على عملها وإدارتها عناصر أجانب، تمكنوا من الاختفاء في مناطق عمل التنظيم، أو تمكنوا من العودة إليها بعد هروبهم منها في فترة تقدم التحالف الدولي وحلفائه في المرحلة الأولى التي تلت عملية السيطرة. ومعظم الشخصيات المشرفة على عمل تلك الخلايا من الأجانب هم شخصيات عراقية، وذلك لأسباب عدة، أولها كون العنصر العراقي موجود بصفة لاجئ في تلك المناطق في مراحل ما قبل سيطرة “داعش”، وحتى ما قبل انطلاق الثورة السورية. الأمر الثاني قدرة هؤلاء العناصر على التغلغل وسط المجتمعات العشائرية، نتيجة عوامل تشابه العادات والتقاليد واللهجة المحكية في المنطقة، وغالباً ما ينتحل هؤلاء العناصر صفة سوريين نازحين، تساعدهم في ذلك سهولة الحصول على الأوراق الثبوتية المزورة، التي تنتشر طباعتها في المناطق السورية منذ ما بعد أحداث 2011.

عماد خلايا تنظيم “داعش”، العاملة في شرق الفرات، هو العنصر المحلي المنحدر من تلك المناطق.

ففي السادس من أيار 2020، نفذ التحالف الدولي و”قسد”، عملية إنزال في بلدة الزر في ريف دير الزور الشرقي، استهدفت خلايا من تنظيم “داعش”، العملية أسفرت عن مقتل عنصرين من التنظيم قاما بتفجير نفسيهما، وهما من الجنسية العراقية، فيما ألقي القبض على شخص عراقي، الناطق باسم التحالف الدولي. العقيد كاجينز قال في بيان صحافي وقتها، “إن الشخص المعتقل عراقي الجنسية، وهو من قيادات الصف الثاني، وكان يشرف على عمل خلايا التنظيم في مناطق ديرالزور، وله دور كبير في التخطيط للعديد من العمليات الإرهابية التي استهدفت المنطقة”.

خلايا التنظيم تتبع استراتيجيات متنوعة في عملها، كإجراءات للحفاظ على أمنها، أولها أن عملها غير مركزي، إذ تعطى لكل مجموعة حرية اختيار الأهداف وطريقة التنفيذ، من دون الرجوع إلى القيادات المركزية إلا في حالات خاصة جداً. الأمر الثاني اتباع أسلوب السلسلة المنفصلة بين أعضائها، بحيث لا يعرف عضو الخلية سوى عدد محدد من الأعضاء، وكل مجموعة في داخلها مسؤول مرتبط بالقيادة الأعلى منه، ويتبع هذا الأسلوب للحد من حجم الخسارة في حال انكشاف أمر خلية ما، إضافة إلى تقسيم عمل الخلايا لنطاقات جغرافية خاصة بكل واحدة، إلا في حالات العمليات النوعية، يمكن التنسيق لعمل يجمع أكثر من خلية بشكل مشترك.

الاستهداف المجتمعي

عمل خلايا تنظيم “داعش” الأمنية، لم يعد يقتصر على استهداف العنصر المعادي له عسكرياً والمرتبط بالتحالف و”قسد”. ففي الفترة الأخيرة تطور عمل تلك الخلايا، ليشمل التدخل في الشؤون المجتمعية للسكان المحليين، إذ بدأت تمارس عمليات ضبط داخل تلك المجتمعات، مثل إصدار قرارات بمنع بيع التبغ وتقديم النرجيلة في المقاهي، وعمليات اغتيال طاولت أشخاصاً قال التنظيم إنهم يمارسون “السحر”، بحجة مخالفة تلك الأعمال الدين الإسلامي، إضافة إلى فرض “الزكاة” على التجار وأصحاب الأموال.

خلال الأشهر الأخيرة تعرضت مقاهٍ في مدينة البصيرة شرق دير الزور، لمداهمات من خلايا تنظيم “داعش”، التي كسّرت النراجيل داخل تلك المقاهي، واعتدت بالضرب على الموجودين، كما هددت أصحاب المقاهي بحرقها في حال استمرار تقديم النرجيلة لمرتاديها، أو عمل أصحاب المقاهي داخلها أثناء أوقات الصلاة، ما دفع الكثير من المقاهي إلى الامتناع عن تقديم النرجيلة، والتوقف عن في أوقات الصلاة خوفاً من خلايا التنظيم.

وفي مطلع شهر أيار، استهدف عناصر تابعون لـ”داعش”، حسن غنام العصمان (50 سنة)، من أهالي بلدة الصبحة، امام منزله، ما تسبب بمقتله على الفور وإصابة زوجته. التنظيم برر عملية الاستهداف، بعودة العصمان إلى ممارسة السحر والشعوذة، على رغم تقديمه “استتابة”، إبان سيطرة التنظيم على دير الزور عام 2014، وسبق عملية اغتيال العصمان، اغتيال كل من غربي الصبيخان والسيدة أم علي من أهالي بلدتي درنج وسويدان جزيرة، من قبل عناصر التنظيم لذات السبب.

كما بدأ التنظيم فرض “الزكاة” على بعض أصحاب المحال التجارية وأصحاب الأموال والمقتدرين، في خطوة لتعزيز مصادر دعمه المادي، التي تقلصت خلال العامين الأخيرين، وفرضت خلايا التنظيم عقوبات قاسية على من يمتنع عن الدفع. عزيز الكواخ من أهالي قرية درنج، فرض عليه التنظيم مبلغاً مالياً كزكاة، لكنه رفض دفع المبلغ على رغم تهديدات التنظيم، ليقوم الأخير بتفجير منزله لعدم انصياعه لقرار دفع الزكاة. عزيز قال لـ”درج”: “وصلتني رسائل من خلايا التنظيم على هاتفي الشخصي من أرقام مجهولة، طالبت بدفع 5 آلاف دولار زكاة أموالي للتنظيم، لكنني رفضت الأمر، وغادرت منزلي بعد التهديد باستهدافه، ليقوم العناصر بزراعة عبوات ناسفة وتفجير المنزل”.

أما محمد جمال النجم، من أبناء مدينة البصيرة، فقد ألقى عناصر التنظيم قنبلة يدوية على منزله، بعد رفضه دفع “الزكاة”، التي فرضتها عليه خلايا التنظيم وطالبته بدفعها.

عمليات الاستهداف المجتمعي، التي يقوم بها التنظيم، تهدف إلى فرض السطوة وترهيب المجتمعات المحلية، كنوع من تأكيد وجوده المستمر وإمكان عودته في أي وقت، كما يريد تعزيز فكرة إمكان وصوله، لمنع تلك المجتمعات المحلية من الانخراط في أي عمل يهدف للقضاء على وجوده، وهذا ما دفع الكثير من المدنيين إلى عدم التعامل مع قوات “قسد” حتى في الأمور التجارية، خوفاً من بطش خلايا التنظيم. 

كيف تخوض “قسد” حربها؟ 

تقتصر استراتيجية “قسد”، في حربها على خلايا تنظيم “داعش” في الوقت الحالي، على العمل الاستخباراتي والاستهداف المركز لأعضاء الخلايا، تساعدها في ذلك “قوات التحالف الدولي”، صاحبة الباع الطويل في مثل هذه الصراعات، ويعتبر جهاز مكافحة الإرهاب وقوات الأمن الخاص في “قسد”، رأس حربة العمل المناهض للتنظيم.

وتعتمد “قسد” في تنفيذ استراتيجيتها، على شبكة متعاونين محليين نجحت في تجنيدهم، إذ يقوم هؤلاء بجمع المعلومات الأولية، لتقديمها إلى القوى الأمنية التي تقوم بمعاينتها ومحاولة التحقق منها عبر عمليات المراقبة المكثفة، وبعد التثبت منها، تنتقل القوى الأمنية إلى مرحلة التنفيذ، التي تتم بعد التنسيق مع قوات التحالف الدولي، وغالباً ما تنفذ العمليات عبر التطويق وعمليات الإنزال المروحي، على الخلية المستهدفة.

وتمكنت “قسد” خلال الفترات الماضية من تحقيق نجاحات مهمة في محاربة خلايا “داعش” الأمنية، لكن تلك النجاحات غير كافية للحد من خطورة التنظيم وتحقيق استقرار نسبي في مناطق سيطرتها. ويعود عدم نجاحها إلى أسباب عدة، أولها الانضباط الأمني العالي لخلايا التنظيم والإعداد المسبق لها وامتلاكها المال والسلاح. السبب الثاني هو تغلغل عناصر الخلايا في المجتمعات المحلية، والاستفادة من الشبكات القبلية، ومن حالة النفور من “قسد”، نتيجة هيمنة المكون الكردي عليها وتحكمه بالقرار داخلها.

كينو كبرييل الناطق الرسمي لـ”قوات سوريا الديموقراطية” قال لـ”درج”: “إن أهم أسباب عودة نشاط خلايا داعش في مناطق شرق الفرات، هو التدخل التركي، عبر عملياته العسكرية التي استهدفت مناطق “قسد” في غصن الزيتون ونبع السلام، الأمر الذي دفع قسد إلى التركيز على مواجهة القوات التركية والفصائل الموالية لها، ما فتح المجال لخلايا داعش لمعاودة نشاطها مستغلة حالة الفراغ التي حدثت”.

وأضاف كبرييل: “محاربة خلايا داعش الأمنية مستمرة على قدم وساق، وقسد في طور تطوير العمل العسكري لمواجهة خطرها، لكن الأمر يحتاج إلى تكاتف الجميع من القوى العسكرية والمحلية، واستمرار دعم قوات التحالف الدولي عسكرياً واستخباراتياً”.

الباحث سقراط العلو يرى أن “عودة نشاط داعش تتحمل قسد المسؤولية الأكبر فيه، نتيجة عمليات إطلاق سراح عناصر التنظيم نتيجة المبادرات العشائرية وعمليات العفو ومخاوف تفشي فايروس كورونا داخل معتقلاتها”. وأكد العلو أن “خلايا التنظيم سوف ترفد بعناصر جديد، من الذين أطلقوا بعد تفشي الفايروس، وهؤلاء يملكون مقومات الاستمرار بسبب الدوافع العقدية وأخرى نتيجة النقمة على قسد، بخاصة بعد سنوات من الاعتقال غذت مشاعر الحقد والكراهية داخلهم”. 

طرف ثالث 

على رغم نشاط خلايا “داعش” الواسع، إلا أن هناك عمليات تنفذها أطراف أخرى، مستغلةً حالة التوجه العام إلى اتهام التنظيم في الوقوف وراء كل عملية تحصل في المنطقة، والأطراف التي تستغل تلك الحالة، النظام السوري والميليشيات الإيرانية، التي تهدف إلى خلق حالة عدم استقرار في المنطقة، في مساع بعيدة لمحاولة تأليب الرأي العام المحلي، ودفعه للتوجه إلى النظام لتأمين وضع مستقر في تلك المناطق. كما تشهد المنطقة حالات اغتيال وقتل نتيجة خلافات عشائرية وشخصية، إضافة إلى عمليات تصفية تقوم بها جهات داخل قوات “قسد”، تعود أسبابها إلى الحالة التنافسية بين تلك القيادات على السلطة والمال.

“قوات سوريا الديموقراطية”، تمكنت خلال العام الأخير، من إلقاء القبض على عدد من الخلايا التابعة للنظام السوري، كانت تقف وراء عدد من عمليات التفجير التي حصلت في دير الزور والرقة، كان آخرها القبض على خلية للنظام في منطقة الشعيطات، في ريف دير الزور الشرقي، في آذار 2020. وقد اعترف أفرادها بتنفيذ عدد من التفجيرات بينها تفجير دراجة مفخخة في بلدة أبو حمام، تسببت بمقتل طفل وجرح 3 مدنيين آخرين، وسبقها بأشهر اعتقال خلية مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، كانت تخطط لعمليات استهداف حقول النفط والغاز في محافظة دير الزور.

النظام السوري، يستغل أبناء مناطق شرق الفرات الموجودين في صفوف قواته أو مناطق سيطرته، إضافة إلى بعض الموالين له في مناطق “قسد”، لتجنيد خلاياه، مستفيداً من شبكة العلاقات الاجتماعية التي يمتلكونها مع أبناء المنطقة، تحت مغريات كثيرة منها ما هو مادي، وآخر يتعلق بمنحها ميزات مستقبلية تتعلق بالتوظيف في دوائر النظام.

عبد السلام الحسين من شبكة “نهر ميديا” الإعلامية قال لـ”درج”: “إن عمليات اغتيال حصلت في مناطق سيطرة “قسد”، كانت نتيجة خلافات شخصية وأخرى عشائرية، يستغل فيها الطرف المنفذ “داعش” كشماعة لإبعاد الشبهات عنه”.

وأضاف الحسين: “استهدفت عمليات اغتيال قياديين في مجلس دير الزور العسكري، وكانت قسد تقف خلفها، من بينهم قادة في مجلس دير الزور العسكري، بسبب تعاظم دورهم وتخوفها من اعتماد التحالف عليهم مستقبلاً في إدارة المناطق العربية”.

قبضته السمراء لم تسعفه

طوال فترة كتابة هذا التحقيق، لم يتأخر أسعد يوماً عن مساعدتي في كل ما يملك من معلومات، أحاديث طويلة جمعتنا، لمست فيها طيبة قلبه، ومحبته الكبيرة لطفلته سارة التي تبلغ من العمر عاماً واحداً، أسعد لم تسعفه قبضته السمراء، ففي العاشر من أيار، قتل، بعد استهدافه مع زميل له أثناء توجههما لإحضار بعض الخضروات لتحضير وجبة إفطارهما، قاتل أحمد الذي تمكن من الفرار، لم يقتل أحمد فقط، بل قتل الحب الذي كان يمنحه ذلك الشاب لطفلته وعائلته الصغيرة.