NEW YORK, NY - MARCH 06: The United Nations Security Council meets regarding the on-going crisis in the Central Africa Republic on March 6, 2014 in New York City. Earlier this week United Nations Secretary General Ban Ki-moon directed up to 10,000 United Nations soldiers to protect civilians from armed militias. (Photo by Andrew Burton/Getty Images)
بشير عبدالفتاح 
جاء نطاق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2401 الخاص بالوضع في سورية، محدوداً للغاية على المستويات كافة، إذ ينص على وقف «العمليات العدائية» لمدة لا تقل عن 30 يوماً، من دون تحديد موعد بدء الهدنة أو نطاقها الجغرافي؛ لأنه استثنى استهداف «داعش» و «القاعدة» و «جبهة النصرة» وكل من يرتبط بها من المجموعات المصنفة إرهابية بموجب قرارات أممية سابقة. وحصر القرار هدفه في نطاق ضيق كذلك، حين طالب الأطراف كافة بتسهيل تقديم المساعدة الإنسانية والخدمات والإجلاءات الطبية للمرضى والجرحى، وفقاً للقانون الدولي الساري، وأن تتيح وصولاً آمناً ومستداماً ومِن دون إعاقة لقوافل الأمم المتحدة وشركائها التنفيذيين الإنسانيين إلى المناطق المطلوبة والسكان، وأن تجرد المرافق المدنية من الأسلحة، وتتجنب إقامة مواقع عسكرية في المناطق المأهولة بالسكان، وأن تكف عن الهجمات الموجهة ضدها. ونتيجة لذلك، وعلى رغم تشديد الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا مركل خلال محادثات هاتفية أعقبت صدور القرار نفسه، على أهمية مواصلة الجهود المشتركة لضمان تطبيق فوري لنصوصه، لم تمض ساعات قلائل، حتى أعلن رئيس أركان الجيش الإيراني استمرار حملة طهران العسكرية حتى يتم تطهير الأراضي السورية من الإرهاب. فيما عمد نظام الأسد إلى مواصلة مساعيه الرامية إلى الحسم العسكري في الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق توخياً لإنهاء العمليات العسكرية ضد المعارضة لمصلحته، وتقويض مسار جنيف بعد إضعاف الموقف التفاوضي للمعارضة، عبر شن غارات عنيفة تمهد السبيل لهجوم بري على الغوطة يتيح للنظام بسط سيطرته التامة عليها بما ينهي مشكلة مزمنة ظلت تؤرق الأسد وتمثل نقطة ضعف في خاصرة نظامه الرخوة قرب العاصمة. فبينما كانت من أولى المناطق الثائرة، تعد الغوطة الشرقية إحدى بوابات دمشق الأساسية، وآخر المعاقل الرئيسة للمعارضة المسلحة التي تمكنت من الصمود في وجه ضربات جيش الأسد كما استطاعت من خلالها على رغم الحصار القاسي، إمطار العاصمة دمشق بالقذائف الموجعة.

كان من شأن ذلك الوضع المذري أن ينال من فعالية القرار الأممي في ما يخص وقف العمليات القتالية في عموم سورية، وما يمكن أن يتمخض عن ذلك من وضع نهاية لمأساة الغوطة الشرقية، أو تحديد أفق زمني ومكاني لعملية «غضن الزيتون» التركية، لتمهيد السبيل لنزع فتيل التوتر المتفاقم في الشمال السوري الملتهب. فعلى رغم تأكيد القرار 2401 على الوقف الشامل لإطلاق النار في سورية, بما فيها منطقة عفرين التي تتعرض لهجوم تركي بمشاركة من فصائل المعارضة السورية المسلحة، منذ أكثر من شهر؛ ثم ترحيب وزارة الخارجية التركية بذلك القرار، أبى الرئيس التركي إلا التشديد على أن عملية «غصن الزيتون» ستستمر حتى يتم تطهير المنطقة من التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن إعادة عفرين إلى أصحابها الحقيقيين مثلما جرى خلال عملية «درع الفرات» التي أطلقها الجيش التركي في شمال سورية قبل نهاية آب (أغسطس) 2016 وساعدت على إعادة 140 ألف سوري إلى ديارهم في مناطق تم تأمينها بفضل هذه العملية.

وأكد الناطق باسم الحكومة التركية بكر بوزداغ، أن قرار مجلس الأمن في شأن هدنة الثلاثين يوماً في عموم سورية لن يؤثر في مسار عملية «غصن الزيتون»، فيما نقلت قناة NTV التركية عن مصادر حكومية أن القرار الأممي لا ينطبق على تلك العملية؛ على اعتبار أن تركيا ليست في حالة اشتباك مع طرف دولي أو إقليمي بعينه داخل سورية, وإنما تحارب «منظمات إرهابية مارقة». وبناءً عليه، كثف الجيش التركي – عقب صدور القرار- ضرباته الصاروخية والمدفعية وغاراته الجوية على بلدة جنديرس في محيط عفرين وطريق جبل الأحلام وباسوط، الأمر الذي أدى إلى حركة نزوح واسعة مِن تلك المناطق.

وكان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أعلن في أيلول (سبتمبر) الماضي أن بلاده تتباحث مع كل من روسيا وإيران في شأن إقامة منطقة «خفض تصعيد» جديدة حول عفرين، لتلحق بأربع مناطق أخرى شملتها الجولة الرابعة من محادثات آستانة في أيار (مايو) الماضي. وعلى رغم ترحيبها بالقرار الأممي الرقم 2401، أعلنت وحدات حماية الشعب الكردية تمسكها باستثناء الحرب على تنظيم «داعش» من تطبيق القرار، مشددة على الاحتفاظ بحق الرد في إطار الدفاع المشروع عن النفس في حال تعرضها لأي اعتداء من قبل الجيش التركي والفصائل الأخرى المتحالفة معه في عفرين. وهكذا، يبدو أن بمقدور الثغرات التي تحيط بذلك القرار الذي يشدد بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي على ضرورة وقف الأعمال العسكرية في عموم الأراضي السورية، بما فيها عفرين ومحيطها، أن تحد من قدرته على إنهاء المواجهات العسكرية الدامية، التي تتصاعد وتيرتها يوماً تلو الآخر، ما بين القوات التركية ومناصريها من الفصائل السورية المسلحة من جانب، ووحدات حماية الشعب الكردية وحلفائها من الأكراد والقوات الموالية لنظام الأسد على الجانب الآخر.

* كاتب مصري.