قد تصبح قاعدة أميركية صغيرة في عمق المنطقة التي يسيطر عليها الكرد في شمالي سوريا قريباً مركز الإمداد لهجومٍ مدعوم من الولايات المتحدة ضد معقل تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في الرقة.
وقد تصبح كذلك محطةً للمكاشفة بين واشنطن، التي تريد ضرب “داعش” في مركزه الرئيسي في الرقة، وتركيا، التي تكره فكرة أنَّ الكرد يقتحمون مدينةً عربية.
ويمكن أن يستقبل مهبط الطائرات الترابي المجاور لقاعدةٍ مُحصَّنة بأكياس الرمال، الواقع بالقرب من مدينة كوباني، طائرات نقل عملاقة من طراز سي-17 مُحمَّلة بالأسلحة، والذخائر، وغيرها من المعدَّات الأخرى المُخصَّصة لقواتٍ سورية عربية (وربمَّا مقاتلين أكراد أيضاً)، إذا ما تُرك الأمر لما يريده الجنرالات الأميركيون الذين يُنسِّقون المعركة.
واصطحب اثنان من كبار الجنرالات الأميركيين في المنطقة مجموعة صغيرة من الصحفيين بينهم طاقم تلفزيوني خلال جولةٍ للقاعدة ومعسكر تدريباتٍ الأسبوع الماضي، لاستعراض المقاتلين المحليين الذين يُعدُّهم المستشارون العسكريون الأميركيون للمعركة.
اختبار صعب
ولم يكن تباهي الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأميركية، والجنرال ستيفن تاونسند، قائد القوات الأميركية في العراق وسوريا، باستعداداتهم من قبيل المصادفة. إذ أكَّدت الزيارة على رؤية كبار القادة بـ “أنَّ القوات الكردية السورية تُمثِّل السبيل الوحيد لطرد داعش من الرقة”، حيث يُعتَقَد أنَّ المُتطرِّفين يُخطِّطون لهجماتهم الإرهابية ضد الأهداف الغربية. وجاءت الزيارة قبل أيامٍ فقط من تسليم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مجموعةً من الخيارات لهزيمة “داعش” إلى الرئيس دونالد ترامب كما طلب.
وفي الوقت الذي يدرس فيه البيت الأبيض خيارات تحرير الرقَّة من سيطرة “داعش”، يواجه ترامب أول اختبارٍ رئيسي له بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية، وهو الاختبار الذي من شأنه أن يساعد على تحديد نهج الرئيس الجديد تجاه حلفاء وخصوم رئيسيين، وعلاقته مع قادة عسكريين أميركيين كبار، والمسار المستقبلي للحرب السورية والشرق الأوسط.
ولا يزال من غير الواضح إذا ما كان سيستمع إلى نصائح جنرالاته بتسليح الكرد مباشرةً ووضعهم في صميم هجوم استعادة الرقة. وطالبت تركيا باستبعاد خصومها الكرد في قوات “سوريا الديمقراطية”، الذين لا تعتبر أنَّهم يختلفون كثيراً عن الإرهابيين الكرد الذين تحاربهم منذ عقود، من العملية. وبدلاً من ذلك، اقترحت خطتها الخاصة بها، والتي من شأنها أن تضم قوات تركية وقوة سورية عربية لم تُجرَّب بصورةٍ كبيرة وتُسلِّحها أنقرة.
وقال تاونسند خلال جولة شمالي سوريا إنَّ مخاوف تركيا يُمكن تفهُّمها ويجب وضعها في الحسبان. لكنَّ الجنرال الأميركي وصف خيار تركيا الاستراتيجي بعباراتٍ واضحة للغاية: “سيتمتَّع طرفٌ ما بالنفوذ على قوات سوريا الديمقراطية بعد الرقة وبعد هزيمة داعش. مَن سترغب أنقرة في أن يكون هذا الطرف؟ يمكنم الاختيار: روسيا، إيران، النظام السوري، أم الولايات المتحدة؟”.
ويحمل الاعتماد على القوات الكردية لاستعادة الرقة الكثير من المخاطر. فقد يُغضب ذلك تركيا، ما سيضعف حجراً أساسياً في جدار أميركا ضد إيران، ناهيك عن المخاطرة باندلاع حربٍ شاملة بين الأتراك والكرد في سوريا. ويمكن كذلك أن يُوفِّر تدفُّق قواتٍ غير عربية إلى مدينة سورية دعماً لدعاية “داعش”.
لكنَّ الانتظار حتى تجهيز القوات العربية المناسبة من الناحية الدبلوماسية يحمل مخاطر أيضاً، خصوصاً بالنسبة لرئيسٍ يفكر بطريقةٍ مانوية (أي يفكر بخيارين فقط، إمَّا أبيض أو أسود، نصرٌ أو خسارة)، ويُفضِّل القرارات السريعة التي تبدو حاسمة. وطالما بقيت الرقة تحت سيطرة “داعش”، ستقلق الحكومات الغربية، لا سيَّما فرنسا، بشأن وقوع هجماتٍ إرهابية تُحَاك في معقل التنظيم بالرقة.
أوباما أعطى الضوء الأخضر
وحذَّرت وكالات الاستخبارات الأميركية مراراً من أنَّ “مُتشدِّدي داعش سيواصلون التخطيط لهجماتٍ خارجية خارج الرقة”، وتتوصَّل باستمرارٍ إلى محادثات ومعلومات أخرى تشير إلى أنَّ التنظيم يُخطِّط لهجماتٍ إرهابية ضد المصالح الأميركية والغربية.
وحين تولَّى ترامب رئاسة الولايات المتحدة، ورث مخططاً عسكرياً مفصلاً من قِبَل إدارة أوباما، دَعى إلى السيطرة على الرقة مع مجموعة من المقاتلين الكرد والعرب السوريين، يُدربهم ويُسلِّحهم الجيش الأميركي. ومؤخراً، في يناير/كانون الثاني، رأى المخططون العسكريون قيمةً في مهاجمة كل من الرقة والموصل، معقل داعش في العراق، في وقت واحد، لزيادة الضغوط على التنظيم وبناء الزخم ضد المتطرفين.
وقال مسؤولون سابقون إن أوباما فكر في إعطاء الضوء الأخضر للخطة في أيامه الأخيرة في الرئاسة، لكنه اختار تأجيلها احتراماً لإدارة ترامب القادمة والتي طلبت من فريق أوباما عدم المضي قدماً في هذه الخطة.
الآن، تقوم إدارة ترامب بالبيت الأبيض، مع مستشار الأمن القومي الجديد هربرت رايموند ماكماستر، بمراجعة القضية برمتها، وسط تحذيرات عامة من تركيا من لعب الكرد السوريين أي دور في تحرير الرقة.
وقال أحد الموظفين الجمهوريين في الكونغرس: “تتمثل وجهة النظر في أن القيام بالأمر على الوجه الصحيح أهم من سرعة إتمامه” وهذا التقدير الذي ظهر فجأة يؤكد بأنَّه من الأفضل التوقف مؤقتاً عن الخطة”.
رفض تركي لمشاركة الكرد
وتشمل قوات “سوريا الديمقراطية” مكونات كردية وعربية سورية، لكن المستشارين العسكريين في الولايات المتحدة والقيادة العليا في البنتاغون ينظرون إلى القوات الكردية باعتبارها أكثر فعالية وأكثر خبرة. وللمضي قدماً في هجوم الرقة، سوف تحتاج إدارة ترامب إلى السماح رسمياً بتقديم الدعم اللوجستي وغيره من أشكال الدعم للقوات الكردية السورية – وهي خطوة من شأنها أن تثير غضب حلفاء أميركا في حلف ناتو، تركيا على وجه الخصوص.
من وجهة نظر أنقرة، فإن قوات الكرد، البالغ عددها 27 ألفاً، في قوات “سوريا الديمقراطية” ليست إلا الذراع لحزب العمال الكردستاني، وهي جماعة إرهابية تخوض حملة انفصالية دموية في جنوب تركيا منذ عقود. وبينما تسلم واشنطن -مثل الاتحاد الأوروبي– بأن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، وتومئ إلى الروابط التاريخية بين تلك المجموعة والأكراد السوريين، إلا أن السياسة الأميركية لا تعتبر الأكراد السوريين المسلحين بمثابة جماعة إرهابية.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد حذر لعدة أشهر من أن قوات “سوريا الديمقراطية” تقع مرمى تركيا الهجومي. وقال للصحفيين يوم الأربعاء 1 مارس/آذار 2017 “بعد طرد الدولة الإسلامية من مدينة الباب شمال سوريا في أواخر الشهر الماضي، فإن الهدف التركي الجديد هو منبج السورية” وأضاف “منبج مدينة تنتمي إلى العرب، كما لا يجب على قوات سوريا الديمقراطية الوجود في الرقة”.
في الخريف الماضي، دفعت تركيا بعدَّة آلاف من قوات المعارضة بالإضافة إلى أفراد من القوات الخاصَّة التركية إلى شمال سوريا حتَّى يمنعوا القوات الكردية من تشكيل منطقة نفوذ كردية متماسكة على طول حدود تركيا الشمالية مع سوريا. وتُشير المناوشات بين قوات المعارضة التي تدعمها تركيا وبين الكرد حول منبج في الأيام القليلة الماضية (وهي منطقة قريبة من المكان الذي تقوم فيه القوات الأميركية بتدريب المعارضة السورية)، تُشير إلى أزمات أخرى في القريب.
وفي خطوة أذكت التوتُّرات مع تركيا، سلَّم المجلس العسكري لمنبج (القريب من الولايات المتحدة) عدَّة قرىً إلى قوات النظام السوري، هذا الأسبوع، في مسعىً إلى إقامة منطقة عازلة بينها وبين القوات التركية.
ومع أنَّ الكرد يُشكِّلون أكثر من نصف قوات “سوريا الديمقراطية” البالغ قوامها 50 ألف مقاتل، يقول المستشارون الأميركيون إنَّ العنصر العربي بالقوات ينمو بسرعة، تزامناً مع إنهاء 4000 من المقاتلين العرب تدريبهم على يد الولايات المتحدة على مدى الأشهر القليلة الماضية. وقال ضابط أميركي، يعمل على الأرض في سوريا، لمجلة فورين بوليسي إنَّ القوات الخاصة الفرنسية والأردنية تعمل في شمال سورية كجزء من برنامج التدريب.
“أهمية الدور التركي”
ولاسترضاء تركيا، تشمل الخيارات التي طرحها قادة الولايات المتحدة توفير معدات لقوات “سوريا الديمقراطية” مؤقتاً فقط، أو الحد من إمدادها بالذخيرة ليقتصر على حاجتها المُلِحَّة.
تهميش الكرد قد لا يكون أفضل حل عسكري، لكنَّه قد يكون أذكى خطوة من حيث الأمن الإقليمي في صورته الأوسع.
وقال جيمس جيفري، السفير الأميركي السابق في العراق الذي تحمل آراؤه ثقلاً كبيراً بالنسبة لمسؤولي وزارة الدفاع، إنَّه سيكون من الخطأ اعتماد خطة معركة تتجاهل تركيا؛ لأنَّ واشنطن لا يُمكن أن تخسر أنقرة كشريك في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة والتعامل مع مظالم العرب السنة في العراق وسوريا.
وقال جيفرين الذي يعمل الآن في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: “من المهم للغاية ألَّا نهزم داعش فحسب، بل أن نتعامل مع هذه التحديات الأوسع حتَّى لا يُطلَق العنان لإيران في المنطقة تفعل بها ما تشاء”.
وقد نصح الدبلوماسي السابق الحكومة الأميركية بتأجيل أيَّة عمليات في الرقَّة حتَّى تنتهي تركيا من استفتاء التعديلات الدستورية المُقرر عقده في 16 أبريل/نيسان المقبل؛ لأن أردوغان لن يخاطر بأن يُنظَر إليه في الداخل التركي وهو في خضم حملته السياسية على أنَّه يعقد تسويات مع الكرد.
لكنَّ ذاك الانتظار يحمل خطراً بأن تتشتَّت قوات “سوريا الديموقراطية” بأولويات أخرى، أو أن تفقد ثقتها في رعاتها الأميركيين. أمَّا اختيار أن تقود تركيا العملية فقد يأتي بنتائج عكسية إذا لم يوفِّ المقاتلون العرب الذين تمولهم أنقرة بما يُتوقَّع منهم.
ولخطة تركيا عيوب أخرى. فإنشاء خط إمداد لوجستي، من قواتها بالقرب من الحدود إلى الجنوب باتجاه الرقة، سيستوجب من تركيا التوصُّل إلى اتفاق مع الكرد السوريين، أو أن تشُق القوات التركية طريقها بالقتال عبر مناطق سيطرة الكرد لتصل إلى الرقَّة.
لم يتحمَّس ضباط الجيش والمسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية عندما عرضت تركيا خططها لعملية الرقة على واشنطن. وقال مسؤول في إدارة أوباما سابقاً لفورين بوليسي: “لم تكُن (الخطة) متوافقة والمعايير الصارمة التي تتبعها وزارة الدفاع الأميركية”.
لكنَّ ثمَّة خياراً آخر يضع الولايات المتحدة في المواجهة مباشرةً، بدلاً من الاعتماد الكُلِّي على قوات كردية وعربية مدعومة أميركياً ومُدرَّبة على عجل. حتَّى الآن، استبعد القادة العسكريون الأميركيون أي شيء يتجاوز الدعم المدفعي والدور الاستشاري لقوات العمليات الخاصة الأميركية. ولكنَّ بعض المسؤولين والمستشارين بالإدارة الأميركية منفتحون على النظر مبدئياً في فكرة تكليف القوات التقليدية في القيام بدور قتالي كامل.
في أحد السيناريوهات المحتملة، يُمكن لوحدات مدرعة أميركية -على غرار النهج المُتَّبع في الفلوجة في عام 2004 أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق- أن تساعد في السيطرة على المدينة قبل أن تنقل السيطرة لقوات عربية سورية في وقت لاحق.
وفي شهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، الشهر الماضي، طرح جيفري احتمال تكليف وحدة مدرَّعة أميركية قوامها عدة آلاف من الجنود بشق الطريق إلى الرقَّة.
– هذا الموضوع مترجم عن مجلة Foreign Policy الأميركية.

هافينغتون بوست عربي:4/3/2017