تُطلّ علينا الذكرى التاسعة لانطلاقة ثورة شعبنا المجيدة ضد نظام الاستبداد والإبادة، وسط مشهد مأساوي، تتعمق فيه يوماً بعد يوم معاناة السوريين حيثما كانوا وعلى كل الأصعدة. لكن ما يبدد من كآبة المشهد إصرارهم على المضي قدماً على طريق الحرية والكرامة، وتمسكهم ببوارق الأمل لتحقيق أهدافهم، رغم ما يكابده شعبنا من قتل وتشريد وتهجير، وما يعانيه من ويلات الاحتلال وجرائم ميليشيا الأسد الطائفية وحلفائها من المرتزقة والغزاة.

   تمر ذكرى الثورة، والسوريون أكثر ثقة بعدالة قضيتهم وتَفَوّقها الوطني والأخلاقي والإنساني، بعد أن استوعبوا الدروس من أخطائهم، مدركين أن ثورتهم تملك كل شروطها الموضوعية والتاريخية، وحققت فعلها السياسي بزعزعة نظام الطغيان وكسر شوكته، حيث لا عودة لسوريا إلى ما كانت عليه قبل الثورة، وأن ما وصلت إليه أحوال البلاد والعباد، بفعل الاحتلالات والتدخلات العسكرية والخذلان الدولي ، لن يكون نهاية المطاف. ففي تاريخ كل الثورات مَدٍّ وجزرٍ، ولن تفلح جميع المحاولات في إجهاض ثورتهم وإطفاء جذوتها، لأنها مغروسةٌ بعمق في ضمائر وقلوب ملايين المنكوبين والمهجرين، وقدمت من أجلها تضحيات جليلة تعز عن الوصف. والباطل لن يدوم، ولا بُدَّ أن ينكسر أمام إرادة الشعوب.

   تمر الذكرى، وشعبنا أكثر استعداداً للنضال من أجل استعادة حضوره الفاعل وانتزاع قراره الوطني المستقل من أيدي الطغاة وقوى الاحتلال. وهو الآن أكثر تصميماً على إعلاء شأن قضيته الوطنية والتمسك بحقه في تقرير مصيره وسيادته على أرضه، وأكثر وفاءً لتطلعات وآمال الشباب الطليعيين الأوائل الذين اندفعوا بصدورهم العارية إلى الساحات مستعيدين حضور الشعب في مواجهة آلة القتل، وهم يصدحون بشعاراتهم الوطنية الديموقراطية: (واحد واحد-الشعب السوري واحد) و (سوريا بدها حرية) ليردوا على شعارات النظام الفاشية: (الأسد أو لا أحد) و (الأسد أو نحرق البلد).

     لقد خبر شعبنا الصامد والصابر، أن انتزاع الحرية والكرامة التي قضى على مذبحها أكثر من مليون شهيد، يتأسس على توافق شعبي وكتلة وطنية ديموقراطية، قادرة على التمسك بأهداف الثورة وإنقاذ البلاد، بإنهاء نظام القتل والنهب والفساد، لإنجاز التغيير الوطني الديمقراطي وبناء دولة المواطنة، واستعادة السيادة والاستقلال للدولة السورية وشعبها الذي هو مطلب جميع السوريين. إن الوصول إلى هذا الهدف يستوجب من جميع قوى الثورة والمعارضة إجراء مراجعة نقدية عميقة وشاملة، ترقى لمستوى المسؤولية الوطنية والتضحيات العظيمة التي قدمها السوريون على طريق الثورة. وأولى مهام هذه المراجعة إعادة بناء الوطنية السورية المنقذة، وتنقيتها من كل عوامل الانقسام والتصدع، ونبذ كل أشكال التطرف الديني والقومي والمذهبي التي زرعها وتسبب بها النظام وأعوانه، لتتسلل إلى صفوف الثورة بهدف تشويه صورتها وإجهاضها. وبعد وصول ظاهرة الفصائلية إلى نهايتها المحتومة، وتراجع نهج الأسلمة والتطرف في سياق الثورة الذي شكَّل رديفاً غير مباشر لقوى الثورة المضادة وكان ذريعة الذرائع لدى كل الأجندات والتدخلات الخارجية في سوريا، بات المطلوب اليوم صياغة قواسم مشتركة وإجماعات وطنية تؤسس لكيان سياسي جديد، يوحد كلمة السوريين ويعمل لتحقيق أهدافهم.
  نعم، اليوم وفي هذه الذكرى العزيزة يبدو شعبنا أكثر تفاؤلاً بخواتيم الانتصار لثورته وتحقيق أهدافها. ويؤكد أكثر من أي وقت مضى تصميمه على رفد ثورته بمزيد من عوامل القوة والعزيمة والتضحية، فالثورة في المقام الأول والأخير فعل سياسي يعبر عن إرادة الشعب، وتبقى حية طالما بقي الشعب مصمماً وأهدافها راهنة ومطلوبة. لذلك لن تهزم رغم ازدحام التكالب والخذلان والعجز من حولها. والهزيمة تلحق بالقوى والأساليب والأخطاء التي تحكمت بمساراتها، أما هي فستواصل فعلها التاريخي حتى بلوغ أهدافها.

  عاش نضال الشعب السوري وعاشت ثورته المجيدة

 الرحمة للشهداء والشفاء العاجل للجرحى والمصابين

 الحرية للمعتقلين والعودة الكريمة للمهجرين.   

دمشق 15 /3/2020                                                                                        

                                                                                         الأمانة المركزية 

                                                                                  لحزب الشعب الديمقراطي السوري