وداعًا فرسان الحرية

ويترجل فرسان الحرية السوريون واحدًا تلو الآخر قبل أن يعيشوا الحلم الذي أفنوا حياتهم في سبيله، وعانوا كغيرهم من المناضلين السوريين الملاحقة والتضييق والسجون، دون أن تلين لهم عزيمة، أو يراودهم شك بعدالة قضيتهم، لأنهم منذ البداية أمنوا بما أرادوه لبلدهم وشعبهم، وحقه بأن يعيش حريته وحقوقه المشروعة، التي حرمته منها سطوة الاستبداد الذي جثا على صدر السوريين لعدة عقود، وأوصل سورية إلى ما وصلت إليه، بما في أغلى الأكلاف على سورية والسوريين من تدمير وقتل وتهجير.
في اليومين الماضيين رحل عنا ثلاثة من الفرسان السوريين، الذين كان لهم حضورهم واسهاماتهم في المجالات السياسية والفكرية والتنظيمية، فالراحل مشيل كيلو المناضل والمثقف والسياسي الذي عارك الاستبداد من أجل الحرية وانفتاح سورية على التطور والتنمية ومحاصرة الفساد والمفسدين، منذ وقفة النقابات عام 1980 التي سجن على أثرها، ومع تصحير الحقل السياسي والقمع المعمم الذي مارسه النظام وأجهزته الأمنية التي تغولت بعد أحداث الثمانينيات، ودخلت سورية معها عقدًا من الصمت القاتل، تابع خلالها ميشيل كيلو اسهاماته الثقافية ، وما أن بدأت سورية خروجها الخجول من الحالة التي فرضت عليها بعد حرب الخليج الثانية، عاود أبو أيهم اهتماماته واسهاماته في السياسة والفكر السياسي، وما أن دخلت الألفية الجديدة وانطلاق ربيع دمشق حتى كان حضوره بارزًا، سواءً بالبيانات التي وقعها مثقفون، أم عبر تأسيس لجان إحياء المجتمع المدني، وهو من بادر بفكرة إعلان دمشق عام 2005، ثم مبادرة إعلان دمشق بيروت التي دخل على أثرها السجن وحكم عليه ثلاثة أعوام ونصف العام مع آخرين، وبعد انطلاقة الثورة في آذار عام 2011 ، برز دور ميشيل كيلو واضحًا وكان حراكه أكبر مما أتيح لأية شخصية معارضة أخرى، وتابع نشاطه من أكثر من منبر سياسي وثقافي وإعلامي وتنظيمي، ولا ينكر أحد على الرجل ممن اتفقوا معه أو اختلفوا أهميتة وأهمية اسهاماته خدمة لقضية الشعب السوري، وقد ترك – لاشك -بصمته على المستوى السوري والعربي والدولي، وسيبقى حاضرًا في الذاكرة الجمعية للسوريين وعنوانًا في تاريخ نضالاتهم.
أما الراحل العروبي الناصري حبيب عيسى ففد ترك هو الآخر بصمته النضالية على مدى عقود في حقلي الفكر والتنظيم السياسيين على المستويين السوري والعربي، وعانى ما عاناه من تضييق وملاحقة وسجن كغيره من النخب السورية المناضلة ، التي انحازت إلى جانب قضية الحرية والعدالة للشعب السوري، لقد أمن أبو عصمت بفكرة الوحدة العربية وأهمية وضرورة المشروع النهضوي العربي، وله اسهاماته الفكرية في هذا المجال، لقد كان أبو عصمت حاضرًا في كافة المنعطفات السياسية التي مرت على سورية في العقود الأخيرة، وكان ثابتًا على موقفه الذي لا يساوم عليه في مواجهة الاستبداد، ولعل المحطة الأبرز له كانت إدارته لمنتدى الأتاسي إبان ربيع دمشق، حيث دخل على إثرها السجن لخمس سنوات، ثم شارك في إعلان دمشق، وعندما انطلقت الثورة السورية صدمه تعثر خطوات المعارضة وعجزها عن التوحد والاصطفاف خلف الثورة، وكان رفضه لهذا الاستقطاب غير المبرر، الذي أملته عند البعض نزوعات حزبية أو شخصية أو ربما انتهازية، حازمًا وواضحًا، حيث تفرغ بعدها للعمل الفكري والمشروع النهضوي العربي، وقد بقي مكتبه منبرًا مفتوحًا للكثير من المهتمين بالتداول والنقاش في القضايا المطروحة وما آل إليه الوضع السوري وتعقيداته، نعم لقد رحل حبيب عيسى لكنه باق في ذاكرة السوريين ووجدانهم .
الراحل الثالث كان الناشط الناصري تيسير الحج حسين، الذي كان مؤمنًا بقضيتي العروبة والوحدة العربية، ولقد مارس العمل التنظيمي على مدى عقود مناضلًا من أجل الحرية في مواجهة الاستبداد، أبو تميم كما عرفه الجميع كان هادئًا في طبعه وفي ممارسته للسياسة، بعيدًا الاستعراض والضجيج، وهذا يعرفه عنه ويشهد له به كل رفاقه ومجايليه ومن تعاملوا معه، في الحقلين السياسي والاجتماعي، لقد كان جميل الحضور دمث المعاشرة مخلصًا لقضيته التي خدمها بالقدر الذي استطاعه.
رحل مناضلونا النبلاء الثلاثة، لكنهم باقون في وجدان السوريين وذاكرتهم، بسيرتهم وعطاءاتهم واسهاماتهم السياسية والفكرية والثقافية. لأرواحهم الرحمة والسلام ولذويهم ومحبيهم خالص العزاء.
دمشق في 20/4/2021
عاشت سورية حرة وديموقراطية
وتحية لأرواح الشهداء

الأمانة العامة لإعلان دمشق
للتغيير الوطني الديموقراطي