بيان إلى الرأي العام

الثورة وتطورات الصراع في سورية

   باتت ثورة الشعب السوري على بعد عدة أشهر من دخول عامها العاشر، ومازالت صراعات الدول المتدخّلة تمنع الدخول بالحل السياسي الذي نصت عليه العديد من القرارات الأممية، بدءًا ببيان جنيف1 لعام 2012 وصولاً إلى ال قرار2254 لعام 2015، في أشنع عملية تقطيع للوقت على حساب دم السوريين ومآسيهم وتهجيرهم، وعند هذه العتبة من الصراع فإنه يمكن رصد المعطيات التالية، لمرحلةٍ تقف فيها كافة أطراف الصراع الداخلية منها والخارجية في حالة ترقب مبهم، ينتظر فيها الكل نتائج حصاده، وليس عنده يقين بأية نتيجة. 

1: هناك دولتان هما إيران والاتحاد الروسي، تدخّلتا لصالح النظام. وناصب هذا الثنائي الشعب السوري وثورته العداء، ومارس إلى جانب قوات النظام جرائم حرب واسعة النطاق، وقتل عبر ميليشيات إيران الطائفية وطيران الجيش الروسي مئات الألوف من السوريين، ودمّر العمران السوري وهجّر ملايين السوريين، وقد فعلت إيران ذلك خدمة لمشروعها التوسّعي الذي يرتدي لبوساً دينياً، أما روسيا فتبحث عن نفوذ في منطقة استراتيجية، ومقايضةً  في ملفات شائكة تعنيها مع الغرب في مناطق أخرى من العالم، وقد فشلت كلا الدولتين في هزيمة الثورة، أو تثمير إنجازاتهما العسكرية إلى مُحرز سياسي، وتسويق حلّ يخدم مصالحهما غير المتطابقة  في سورية، لكنهما كقوتي احتلال منعتا سقوط النظام وأعادتاه إلى 60% من الجغرافيا السورية.  

  تواجه إيران في هذه المرحلة قراراً أميركياً وإسرائيلياً ورضىً روسياً بإخراجها من سورية خالية الوفاض، فتتعرّض ميليشياتها ومواقعها العسكرية إلى غارات إسرائيلية بوتيرة متزايدة، وعلى الرغم من صعوبة إخراجها بحكم تغلغلها في مفاصل الدولة السورية المدنية منها والعسكرية، إلا أنها أُنهكت بفعل العقوبات، وتوسّع مشروعها بما يفوق قدرتها، كما أن خروجها بات شرطاً لازماً لكسر المعادلات الحاكمة للصراع، كي تتمكن عجلة الحل السياسي من الانطلاق. أما روسيا التي اشتقّت مسارات أستانا وسوتشي بغية الالتفاف على القرارات الدولية وتمييعها، وحاولت تسويق إعادة الإعمار دولياً والسعي لعودة اللاجئين إقليمياً دون جدوى حتى الآن، فقد عجزتْ عن جرّ الغرب إلى طاولة المساومات على النفوذ والمصالح، ومن غير المتوقّع أن تفوز بشيءٍ من هذا القبيل، لكنّها ستبقى طرفاً مؤثراً لمدى ليس بالقصير. 

2: استقبلت تركيا ملايين اللاجئين السوريين، وكانت آخر المتدخّلين بدعوى الحفاظ على أمنها القومي الذي يهدّده حزب الاتحاد الديموقراطي الكردستاني pyd بصفته ذراعاً سورياً لحزب العمال الكردستاني التركي، وقد احتلّت عبر ثلاث عمليات عسكرية واسعة، ما يعادل طولياً نصف الحدود السورية التركية بشكل متقطع، وبأعماق متفاوتة تصل إلى أكثر من ثلاثين كلم،  وباعتبارها باتت راعيةً ومتحكّمة بالمعارضة السورية السياسية والعسكرية، فهي تريد أن تكون طرفاً حاضراً وقوياً على طاولة المفاوضات عندما يتقرر إنهاء الصراع السوري، لتحفظ مصالحها وفي المقدمة منها، منع قيام كيان كردي في شمال سورية. أما الولايات المتحدة التي كانت أكثر المتدخّلين، منذ البدايات، وحدّد رئيسها السابق باراك أوباما إطاراً للصراع، آخذًا بعين اعتباره أمن إسرائيل، بألا يكون هناك حسمٌ عسكريّ، فإنها لم تبذل جهداً فاعلًا حتى الآن لوقف هذا الصراع وإنجاز حل سياسي، لكنها نجحت بجهودها الكثيفة في منع المتدخّلين الآخرين من تنفيذ حلولهم، وهي الآن تضع يدها على ربع الجغرافيا السورية المفيد والغني بثرواته، بالإضافة إلى قاعدةٍ عسكرية كبيرة في منطقة التنف، وتدرك الآن أن كل الأطراف قد أُنهكت وباتت تبحث عن مخارج لمآزقها، كما أصبحت عاجزةً عن التقدم بقدر ارتفاع كلفة تراجعها، ومن المرجح أن تطلق الولايات المتحدة الضوء الأخضر للبحث في تفاصيل الحلّ السياسي ومُخرجاته، لذلك فإن كل الأطراف تعيش حالة انتظار بُغية الوقوف على التوجّه الأميركي المحتمل بعد الانتخابات الأميركية بصفته المتدخل الفاعل . 

3: المجتمع الدولي بصفته المعبِّر عن إرادة دولية متوافقة وفاعلة كما يفترض، لم يوفّر هذه الإرادة تجاه مأساة الشعب السوري، وكان عاجزاً ومتعاجزاً عن القيام بالدور المنوط به قانونياً وأخلاقياً. فاستخدم الروسي الفيتو 16 مرة للحؤول دون صدور قرارات تنصف السوريين وتلبي حقوقهم ، ولعب الوسطاء الأمميون أدواراً غير بريئة لتقطيع الوقت، وإغماض العين عن جرائم الحرب التي ارتكبت بحق الشعب السوري، وربّما كان الدور الأسوأ هو الذي لعبه ديمستورا، الذي ابتدع فكرة السلال الأربعة للحلّ السياسي، ثم اختصرها عملياً وبالتواطؤ مع الطرف الروسي، بتبنّيه مخرجات مؤتمر سوتشي حول اللجنة الدستورية، هذه اللجنة التي شَكّلت انتهاكاً فاضحاً واعتداء على حقّ أساسي من حقوق الشعب السوري ، بأن يصيغ دستورَه بنفسه وفق الطرق المتعارف عليها عالمياً، لا أن يُفرض عليه دستور من الخارج ينشئه الآخرون؛ وقد عُقدت حتى الآن ثلاث جلسات  فاشلة بسببٍ معاندة النظام، ودون أن تتطرّق إحاطات المندوب الأممي أمام مجلس الأمن الدولي إلى من يعرقل الحلول.   

4: المعارضة التمثيلية في الائتلاف وهيئة التفاوض، باتت مشلولة بسبب عجزها وقصورها الذاتي وفقدها لثقة السوريين نتيجة رهن قرارها للدول المتدخّلة، وهي تعيش حالة انتظار سلبي، لا يفيد القضية التي تصدّت لتمثيلها، وقد باتت عاجزة عن إصلاح وضعها وتجاوز عجزها، ولم تتحقق حتى الآن إمكانية تجاوزها لصالح تمثيلٍ أكثر قدرة وتمثيلًا واستقلالية، وينطبق ذاتُ الأمر على فصائل المعارضة المسلّحة التي حوصرت بالشمال السوري، بعد انخراطها القاتل بمسار أستانا، ودخولها في بدعة مناطق خفض التصعيد، حيث باتت رهينة القرار العسكري والسياسي للراعي التركي.

5: النظام الذي يتوهّم ويوهم مواليه، أنه انتصر بواسطة الإيرانيين والروس على الشعب السوري، بات يتخبّط في أزماته متنقلاً من أزمةٍ إلى أخرى، وبات عاجزاً عن تأمين الحاجات الأساسية للناس في مناطق سيطرته، يلاحقه إفلاسٌ على كافة الصعد، وهو يستمرّ بحكم وجود داعميه على أرضه، ومصالحاته الداخلية هشة كما تحالفاته، كما اقتصاده المنهار. وها هي التحركات الشعبية المختلفة الأشكال تواجهه في ريف دمشق ودرعا والسويداء. وهو لا يعتقد أو لا يريد الاعتراف، من خلال مراهنته على الزمن وباللعب على تباينات المصالح والأهداف بين حلفائه أو غيرهم من المتدخّلين، أنّ من رَبح في الحرب التي أعلنها على شعبه، هم من جلبهم لنصرته واستحوذوا على مقدرات البلاد وعلى قراره السياسي.  

لقد بات السوريون جميعاً خارج معادلات الصراع، ومنعت انتصار ثورتهم حتى الآن إرادة دولية ظالمة، على الرغم من التضحيات الأسطورية التي قدّموها، لكن من المؤكد أن الشعب السوري سوف يستعيد حيويته ويسعى لاسترداد قراره المستقل ودوره في معترك الحلّ السياسي الذي ينقذ البلاد ويحقق أهداف الثورة. 

عاشت سورية حرّة وديموقراطية.

 تحيّة لأرواح الشهداء.

دمشق في 1 /11/2020                         

                                                                    الأمانة العامة لإعلان دمشق

                                                                     للتغيير الوطني الديموقراطي