التدخل الروسي في سوريا قبل خمس سنوات شكل مفاجأة للولايات المتحدة الأمريكية. لكن الشرق الأوسط يتغير بسرعة، والتدخل الذي كان يبدو نجاحاً لبوتين، يتضح الآن أنه قد يكون خطوة خاطئة، كما يرى الصحفي الروسي كونستانتين إيغرت.
في نهاية أيلول/سبتمبر عام 2015، كانت قوى الحرس الثوري الإيراني وحلفائه من مقاتلي حزب الله اللبناني قد خارت. كانوا يحاولون دعم نظام الأسد وقواته المسلحة، التي كانت تخوض معركة خاسرة بشكل مستمر ضد إسلاميين من جميع الأطياف، والذين كانوا بدورهم مدعومين من قبل جهات إقليمية مختلفة منها تركيا والسعودية وقطر، هذا إضافة إلى الأكراد السوريين. قدم الكرملين للأسد والإيرانيين ما كان ينقصهم بشدة: الدعم الجوي المكثف. وسرعان ما تبع الطيارين الروس المستشارون العسكريون وقوات البحرية ومرتزقة ما تسمى بـ”مجموعة فاغنر”، وهي شركة أمنية خاصة من روسيا.
اليوم لم يعد يبدو أن هناك من يستطيع إزاحة الأسد عن السلطة. قام فلاديمير بوتين بتحديث القواعد البحرية الروسية من الحقبة السوفيتية في مدينتي اللاذقية وطرطوس على البحر المتوسط ​​ووسّعها إلى قواعد (عسكرية) داعمة. لكن حتى لو بقيت روسيا -التي لم تكن قوة بحرية عالمية أبداً- على الأراضي السورية، يبدو أن هذا ليس أعظم إنجاز له (بوتين). ليس من الواضح تماماً إلى أي مدى سيتورط النظام الروسي في استغلال المواد الخام السورية، لكن حقيقة أن “مجموعة فاغنر” تحمي الآن أيضاً حقول النفط والمصافي تروي الكثير.
سياسة بوتين الخارجية المعادية لأمريكا
لكن الغاية الرئيسية من تدخل الكرملين في سوريا كانت هي الغاية نفسها دائماً: استمرار الضغط العالمي على الولايات المتحدة الذي بدأه بوتين بخطابه العدواني في مؤتمر ميونيخ للأمن ​​عام 2007. الكابوس المتكرر للنخبة الروسية هو أن الولايات المتحدة، بحماستها التبشيرية لإرساء الديمقراطية في العالم (والتي أضعفتها سياسة الانسحاب التي اتبعها باراك أوباما ثم دونالد ترامب لاحقاً)، قد ترى الكرملين يوماً ما على أنه التهديد الرئيسي. لذلك فإن إبعاد الولايات المتحدة عن دول ما بعد الاتحاد السوفيتي ودعم الأنظمة المعادية للغرب في جميع أنحاء العالم هما الدعامتان الأساسيتان لما يعتبر السياسة الخارجية والأمنية الروسية في عهد بوتين.
في هذا السياق، تدخل سوريا منذ عام 2015 ضمن قائمة الدول التي تحظى باهتمام موسكو؛ مثل جورجيا في عام 2008، وأوكرانيا في عام 2014، ومونتينيغرو (الجبل الأسود) في عام 2016 (حيث حاولت موسكو تنظيم انقلاب لمنع البلاد من الانضمام إلى الناتو)، وفنزويلا في عام 2019 (حيث يدعم الكرملين نيكولاس مادورو بشدة). وفي بيلاروسيا عام 2020، حيث وقف الكرملين إلى جانب الرئيس ألكسندر لوكاشينكو ضد شعبه. كل هذه الدول تندرج الآن في نفس الفئة. ويأخذ بوتين دوره كمدافع عن الأنظمة الديكتاتورية حول العالم على محمل الجد. وهذا في رأيه يجلب له الاحترام، أو بالأحرى الهيبة، في الولايات المتحدة.
ماذا حققت روسيا؟
لكن بالنسبة للمصالح الوطنية الروسية على المدى الطويل، فإن تأمين بقاء الأسد في السلطة مكسب مشكوك فيه. فموسكو الآن مرتبطة بشدة بمصير النظام السوري، والأمر الأكثر خطورة أنها مرتبطة بمصير رعاة الأسد الإيرانيين. يأتي هذا في عصر التغيرات الدراماتيكية في المنطقة، فتطبيع علاقات إسرائيل مع كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين، والذي تم برعاية واشنطن، يمثل تحولاً تاريخياً في الشرق الأوسط. وهذه الخطوة كانت مفاجأة غير سارة أبداً، ليس فقط لملالي طهران، ولكن للكرملين أيضاً. إن الاعتقاد بانحسار النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط وحتمية الهيمنة الإيرانية خدع كليهما.
وإذا حذت كل من السودان وعُمان والمملكة العربية السعودية حذو الإمارات العربية المتحدة والبحرين في النهاية، فسيواجه النظام الإيراني أوقاتًا عصيبة، وحتى انهياره قد يكون متوقعاً. وبدون دعم من طهران، سيصبح الأسد أيضاً ضعيفاً جداً. وفي ظل هذه الظروف، قد يرغب الأسد في أن يمد يده لواشنطن والرياض. ولن تستطيع روسيا منع ذلك بأي شكل من الأشكال، وسيصبح وجودها العسكري في سوريا بسهولة وسيلة ضغط في يد الأسد.
قصر النظر الاستراتيجي تجاه تركيا أيضاً
تجلى قصر نظر بوتين الاستراتيجي في العلاقات مع لاعب إقليمي آخر أيضاً، وهو تركيا. فقد تم تقويض الاتفاق غير الرسمي بشأن سوريا الذي توصل إليه مع الرئيس رجب طيب أردوغان في 2015/2016 منذ وقت طويل. اعتقد الكرملين قبل خمس سنوات أنه يمكن أن يلين الجانب الجنوبي لحلف شمال الأطلسي من خلال استمالة أنقرة. إلا أن أردوغان يمول اليوم جزءاً من القوات المعارضة للأسد في سوريا، ويشارك في القتال في ليبيا ضد عميل الكرملين المشير خليفة حفتر، كما يدعم الآن أذربيجان في عملياتها العسكرية ضد أرمينيا، أحد أكثر حلفاء موسكو موثوقية وأقربهم.
بعد خمس سنوات من ظهور أول طائرة ميغ روسية في سماء سوريا، فإن الجواب على سؤال: “ما الذي جلبته حرب بوتين للروس؟” هو ببساطة: لا شيء! يشعر الناس بذلك ويريدون بشكل متزايد الانسحاب.
Deutsche Welle