بلاغ

عقدت اللجنة المركزية اجتماعها الدوري منتصف شهر حزيران 2021، ناقشت فيه قضايا تنظيمية وأوضاع منظمة المهجر وتقرير مكتب الإعلام والتطورات السياسية على الصعيد الوطني وعلى بعض الساحات العربية وخاصة الساحة الفلسطينية. كما توقفت عند الأوضاع الإقليمية والدولية وأثرها على القضية السورية، وخلصت إلى ما يلي:

1-لا يزال الملف السوري معلقاً، ولم يدخل ضمن أولويات إدارة بايدن، حيث تحتل الملفات الداخلية الأولوية في الاقتصاد ومواجهة تداعيات كورونا. أما خارجياً فينصب اهتمامها على ترميم علاقات الولايات المتحدة الأميركية مع أوروبا وبقية حلفائها، والتصدي لصعود الصين ولجم روسيا التي تشاغب عليها في عدة ملفات. أما ملفات الشرق الأوسط، فيشكل البرنامج النووي الإيراني أولوية عند هذه الإدارة، وسياستها اتجاه الملف السوري هو الإبقاء على الوضع القائم، والتركيز على تقديم المساعدات الإنسانية ووصولها، وتخفيض مستوى العنف ووقف العمليات العسكرية، مع الاستمرار في محاربة داعش، واستنزاف أطراف الصراع وخاصة الروس ومنعهم من تحقيق أهدافهم. وهذا يعكس استمرار الجمود في الوضع السياسي وتأجيل تقديم حلول ملموسة لمأساة الشعب السوري.

أما روسيا ومع كثرة الحديث مؤخراً عن تغيرات في موقفها، إلا أنه لا يحمل جديداً سوى المزيد من المناورات للخروج من حالة الاستعصاء الذي تواجهه موسكو في الملف السوري، بسبب فشلها المتكرر في تمرير أجندتها السياسة، وفشلها أيضاً بمقايضة الأسد بأي من ملفاتها العالقة مع الغرب، حيث يتركز اهتمامها اليوم في منع انهيار النظام، واضفاء الشرعية على “انتخابات الأسد” وفرضه رئيساً “شرعياً” على سورية. لكن موسكو غير قادرة على إنعاش نظام الأسد اقتصادياً، فهي تعاني أزمة مالية واقتصادية وبالتالي لا تستطيع منع انهيار اقتصاد الأسد، كما أنها تعلم أن الرهان على حلٍّ سياسي في سوريا وإعمارها مستحيل من دون توافق مع الأمريكان والأوروبيين على هكذا حل وفق قرار مجلس الأمن 2254. لذلك نجدها توحي بإعادة الملف السوري إلى المسار الدبلوماسي والتفاوض للخروج من المستنقع الذي بدأت تغرق فيه، لكن التحركات الروسية تحمل مسارات مختلفة، وتخاطب كل الأطراف لأهداف متعددة، لا تقتصر على سوريا وحدها. فنجدها تطرح إمكانية إعادة الانتخابات الرئاسية كرسالة إلى الولايات المتحدة تقول: نحن جاهزون للمقايضة على الأسد.

أن مفتاح انفراج الازمة السورية مرهون بالتوافق الأمريكي الروسي، لكن ما نشهده اليوم من تزايد حدة الصراع والتنافس بينهما حول ملفات كثيرة في العالم، يجعل الحديث عن قرب نهاية الأزمة أمراً بعيد المنال، ولم يحن أوانه بعد، طالما بقي الملف السوري مرتبطاً بحل أزمات المنطقة ومنها الملف النووي الإيراني.

2- بعد عشر سنوات، من حرب الإبادة والتدمير التي أطلقتها عصابات الاسد وحلفاؤه ضد الشعب السوري، وما تولد عنها من كوارث ومآسٍ، وتمزيق البلاد التي أصبحت تتصدر قائمة الدول الاكثر فقراً في العالم، واقتراب الاوضاع المعيشية من حافة المجاعة الحقيقية ومن شفير الانفجار الاجتماعي بسبب الفقر والجوع والغلاء وانعدام الأمن وفقدان مقومات الحياة البسيطة، وافلاس النظام واقتصاده المهدور على الحرب والفساد، ورغم تحذيرات التقارير الدولية من اقترابنا من حافه الانهيار الشامل، فإن النظام ومافياته لا يكترثون بما يعانيه السوريون من كوارث معيشية وإنسانية، ولا يعترف بمسؤوليته عن ايصال البلاد الى مثلِ هذه الاوضاع المأساوية، فهو مشغول بتجميل وجهه القبيح، والاحتفال بمسرحيته الهزلية المسماة “انتخابات رئاسية” والتي تبقيه على رأس السلطة والانفراد بالحكم والتحكم بسورية ورقاب مواطنيها، وينحصر اهتمامه بالإعلان أنه المنتصر على الشعب السوري وعلى السوريين الخضوع لسلطته مهما ساء حال البلاد والعباد. كما يسعى لتأمين احتياجات ميليشياته وأجهزته القمعية، عبر السطو على ممتلكات التجار والصناعيين وأموالهم، ومواصلة امتصاص دماء الشعب بأية وسيلة.

3- كان قرار إجراء “انتخابات” رئاسية وما نتج عنها من تمديد لحكم الطاغية سبع سنوات أخرى، إمعاناً بقهر السوريين، وتحدياً للمجتمع الدولي، واستهتاراً معلناً بالقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الامن، ناهيك عن انعكاساتها على الملف السوري، في ظل الأوضاع الميدانية والسياسية الناشئة التي حولت سوريا الى مناطق نفوذ إقليمية ودولية، تبدو خطوة الأسد ومن ورائه روسيا وإيران بمثابة إقرار بهذا الواقع، وتكريس لتقسيم سورية أرضاً وشعباً بين دول الاحتلال. كما يوجه ضربة في الصميم لملايين المهجرين في الشتات، باعتباره تأبيداً لتشردهم، كما يقلّب مواجع ملايين النازحين في مخيمات البؤس. أما بالنسبة لملايين السوريين الرازحين تحت سلطة مخابراته ومافياته، فهي تعني لهم استمرار الاستبداد والفساد والتوحش بالإضافة إلى استمرار الفقر الجوع والمرض والاذلال اليومي بحثاً عن الحد الأدنى لبقائهم على قيد الحياة.

لقد أراد الأسد وحلفائه توجيه رسالة لا تخطئها العين بأنه انتصر على شعبه لصالح ” اخوته في الولاء والانتماء”. ومراهنة على استجرار الاعتراف بشرعيته من بوابة المصالح الدولية، متجاهلاً أنه تحول إلى واجهة سياسية لدول الاحتلال وورقة في صراعها مع الولايات المتحدة والغرب.

إن التجديد للأسد عبر انتخابات صورية، يضع المجتمع الدولي بكافة هيئاته على المحك، ولاسيما بعد صدور بيانات الإدانة وعدم الاعتراف بها من قبل القوى الدولية الفاعلة، التي تعتبر كل انتخابات بعد صدور قرار مجلس الأمن 2254 عام 2015 بلا شرعية، ما دامت تجري مخالفة لهذا القرار وخارج عملية الانتقال السياسي، ومن دون اشراف ومراقبة من قبل المجتمع الدولي. وهذا يستدعي أن تسحب هيئة الأمم المتحدة الاعتراف الدولي بهذا النظام لأنه لم يعد شرعياً، أولاً بسبب المخالفة الصريحة للقرار /٢٢٥٤/، وثانياً لأن هذه الانتخابات لا تستوفي الشروط المطلوبة في ظل وجود مناطق نفوذ متصارعة للجيوش والمليشيات الأجنبية، وثالثاً لغياب نصف الشعب السوري عنها بين رافض ومهجر ونازح. فهل ستكون هذه الخطوة مناسبة لتطوير الموقف الدولي باتجاه نزع الشرعية عن هذا النظام المجرم؟! أم الاستمرار بمكافأته على إجرامه كما فعلت منظمة الحصة العالمية.

4-لقد أعادت انتفاضة القدس الوحدة والتلاحم والمصير المشترك إلى صفوف الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده. ولم تكن هذا الانتفاضة بمواجهة الطغيان الإسرائيلي وإجرامه فحسب، إنما أيضاً بمواجهة عوامل الانقسام والقهر والتواطؤ التي تلفُّ مناخاتها الأجواء الإقليمية والدولية والمحلية، وهي موجهةٌ أيضاً ضد الأنظمة العربية المهرولة نحو التطبيع مع إسرائيل، وضد سياسات التنسيق الأمني ومخلفات “أوسلو”، ورفضاً للخضوع للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية. وضد فساد السلطة الفلسطينية وضد حماس التي حولت حياة أهل غزة إلى جحيم، وهي تحمِّل السلطة وحماس المسؤولية الكاملة عن حالة الانقسام والتنابذ وإبقاء الشعب الفلسطيني رهينة لمشروعيهما في الحفاظ على سلطتيهما، واستمرار تدفق المال عليهما. فهي بحمولتها وزخمها الثوري امتدادٌ لثورات الربيع العربي التي حملت طموحات التغيير بيد الشعب نحو رحاب الحرية والكرامة والعدالة.

لقد وضعت انتفاضة القدس القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمام الدولي، إلا أن قادة إماراه غزة وعلى رأسهم حماس وأخواتها، لم يجدوا في انتفاضة الشعب الفلسطيني سوى فرصة للاستثمار السياسي والايديولوجي، ووضعها في خدمة الأجندة الإيرانية كأحد أوراق القوة في مفاوضاتها النووية مع الولايات المتحدة. فاسحين في المجال لإحلال غزة والقضية الفلسطينية برمتها كمنصة لإيران تضاف إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن.

دمشق أواسط حزيران 2021

اللجنة المركزية

لحزب الشعب الديمقراطي السوري