قفز الجنوب الدمشقي المحاصر إلى واجهة الحدث السوري مع بدء قوات النظام عمليات عسكرية من أجل إخضاع أحياء ومناطق يسيطر على جانب منها تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة”، فيما تسيطر فصائل المعارضة على مناطق من المتوقع أن يُحسم مصيرها خلال الأيام القليلة المقبلة، فيما بدأت أمس السبت عمليات تهجير آلاف المدنيين ومقاتلي المعارضة من منطقة القلمون الشرقي إلى الشمال، في وقت يستعد فيه ريف حمص الشمالي لمصير تدل الوقائع على أنه لن يكون بعيداً عما جرى في مناطق عدة في ريف دمشق أخيراً أبرزها الغوطة الشرقية.

وواصلت قوات النظام أمس، قصفها لمناطق سيطرة تنظيم “داعش” جنوبي دمشق، وبات واضحاً أن الطرفين لم يتوصلا بعد إلى اتفاق نهائي يفضي إلى خروج عناصر التنظيم إلى مناطق في البادية السورية حيث لا يزال التنظيم يحتفظ بمناطق سيطرة فيها. وقالت وكالة “سانا” التابعة للنظام إن قوات الأخير وجّهت صباح أمس السبت ما وصفتها بـ”ضربات مركّزة على مقار وأوكار تنظيم داعش”، ومستودعات الأسلحة وخطوط الإمداد في حي الحجر الأسود جنوب دمشق و”كبّدتها خسائر كبيرة”، وفق الوكالة. من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قصفاً من قبل الطائرات الحربية طاول مناطق في مخيم اليرموك ومناطق أخرى في حي الحجر الأسود، بالتزامن مع قصف من قبل قوات النظام بالقذائف المدفعية والصاروخية وصواريخ يعتقد أنها من نوع أرض-أرض، على مناطق في أحياء مخيم اليرموك والقدم والتضامن والقدم والحجر الأسود.

كذلك، أفاد الناشط الإعلامي أيهم العمر، لـ”العربي الجديد”، بأن قوات النظام شنّت أمس هجوماً على مواقع فصائل المعارضة السورية على أطراف بلدة يلدا جنوب دمشق، وسيطرت على جامع المجاهدين في منطقة الأربع مفارق الفاصلة بين بلدتي يلدا وحجيرة الخاضعة للنظام. وأشار إلى مقتل قيادي بارز في فصيل “جيش الإسلام” أثناء تصديه لقوات النظام، مؤكداً أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق حتى صباح أمس السبت بين “داعش” والنظام بشأن إخراج التنظيم من مناطق سيطرته، إذ طالب التنظيم بالخروج الآمن نحو البادية السورية من دون التعرض للقصف من قبل التحالف الدولي.

وكانت وسائل إعلام تابعة للنظام زعمت الجمعة أن الاتفاق جاء بعد استسلام تنظيم “داعش” في حي الحجر الأسود للشروط التي وضعها النظام، مشيرة إلى أن العمليات العسكرية سوف تتواصل إلى حين التأكد من التزام “الفصائل الإرهابية” بـ”الاتفاق”، بحسب التلفزيون السوري التابع للنظام. ويسيطر تنظيم “داعش” على الجزء الأكبر من مخيم اليرموك، أبرز مخيمات اللاجئين الفلسطينيين إلى سورية، والذي يُوصف بـ”عاصمة الشتات الفلسطيني”، فيما تسيطر “جبهة النصرة” على جانب من هذا المخيم المحاصر منذ سنوات، والذي تعرض لعمليات قصف أدت إلى مقتل وإصابة المئات وتشريد أغلب سكانه. وتشير تقديرات إلى أنه لم يبقَ في المخيم سوى ثلاثة آلاف مدني، من بين قرابة المليون، ربعهم من اللاجئين الفلسطينيين، والبقية مواطنون من مختلف المحافظات السورية. ويسيطر عناصر “داعش” على كامل حي الحجر الأسود الملاصق للمخيم من الجهة الجنوبية، والذي بقي فيه نحو ثلاثة آلاف مدني من نحو نصف مليون كانوا يقطنون فيه عام 2011، كما يسيطر على أجزاء من حيي التضامن والقدم. فيما تسيطر فصائل المعارضة على مناطق يلدا وببيلا وعقربا وبيت سحم التي تخضع لاتفاق هدنة مع النظام منذ سنوات عدة، ولكن النظام ماضٍ في إخضاع هذه المناطق، ويستخدم الحصار وسيلة لدفع فصائل المعارضة للموافقة على تسويات تهجير، شبيهة بما جرى في العديد من المناطق في ريف دمشق. وتشير مصادر مطلعة إلى أن نحو 1500 عنصر يتبعون تنظيم “داعش” ينتشرون في أحياء العاصمة دمشق الجنوبية، فيما يُقدّر عدد عناصر “جبهة النصرة” بنحو 250 عنصراً موجودين في جيب ضيق داخل مخيم اليرموك، من المتوقع نقلهم إلى مناطق الجبهة في محافظة إدلب شمال غربي سورية.

في موازاة ذلك، خرقت قوات النظام فجر أمس السبت، اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت في مناطق ريف حمص الشمالي، إذ قصفت مناطق سكنية هناك، ما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين، فضلاً عن محاولتها التقدّم في نقاط التماس مع المعارضة. وأكد ناشطون إعلاميون مقتل ما لا يقل عن خمسة مدنيين أمس، في قرية غرناطة بريف حمص الشمالي، بقصف قوات النظام الذي طاول مناطق تلبيسة، وجوالك، وغرناطة، والمحطة، وعز الدين، مشيرين إلى أن محور قرية سليم في ريف حمص الشمالي شهد اشتباكاتٍ بين مقاتلي فصائل المعارضة، وقوات النظام، التي حاولت التقدّم داخل مناطق سيطرة الفصائل في ريف حمص الشمالي.

وكانت “هيئة التفاوض” عن مناطق المعارضة في ريف حمص، قد توصلت منذ أيام مع ضباطٍ من قاعدة حميميم الروسية، إلى اتفاق وقف إطلاق نار، لحين موعد اجتماع آخر بين الطرفين، من المقرر أن يجري اليوم الأحد قرب معبر بلدة الدار الكبيرة في ريف حمص الشمالي لحسم مصير هذا الريف إضافة إلى مناطق في ريف حماة الجنوبي تسيطر عليها المعارضة منذ سنوات. وقالت “هيئة التفاوض”، إن جلسة التفاوض الأخيرة يوم 18 الشهر الحالي، بحثت في مواضيع عدة، يتعلق أبرزها بواقع ريف حمص الشمالي ومستقبله، وتم الاتفاق خلال الجلسة على وقفٍ لإطلاق النار، تعهّد الضباط الروس بإخضاع النظام له، على أن يستمر إلى يوم الأحد، التي سيقدّم فيه كل طرفٍ رؤيته لمستقبل المنطقة.

على صعيد آخر، بدأت صباح أمس عمليات تهجير الآلاف من مدنيي ومقاتلي المعارضة من منطقة القلمون الشرقي، شمال شرقي العاصمة دمشق، إلى الشمال السوري. وذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أنه كان من المقرر خروج 25 حافلة أمس تنقل مهجرين من مدينتي الرحيبة وجيرود، ومقاتلين من فصيل “جيش تحرير الشام”، مشيرة إلى أن فصائل المعارضة سلّمت الجمعة الأسلحة الثقيلة للشرطة العسكرية الروسية. وأوضحت المصادر أن وجهة الفصائل إلى شمال شرقي حلب حيث منطقة “درع الفرات”، مشيرة إلى أن فصيل “قوات أحمد العبدو” ستكون وجهة مقاتليه إلى منطقة عفرين، علماً أن المنطقتين خاضعتان للنفوذ التركي المباشر.

ومن المتوقع خروج نحو خمسة آلاف مدني ومقاتل من منطقة القلمون الشرقي بموجب اتفاق أبرم مع الجانب الروسي قبل أيام. ونصّ الاتفاق على نشر الشرطة الروسية على مداخل المدن، وعدم دخول قوات النظام إلى مدن المنطقة، إلى جانب تسوية أوضاع من يرغب بالبقاء من خلال مركز داخل المنطقة، على أن تفتش القوافل لمرة واحدة قبل المغادرة داخل الحافلة بوجود عنصر أمن روسي. وتضمّن الاتفاق أيضاً الحفاظ على أملاك المدنيين المهجرين، لجهة عدم مسّها أو مصادرتها، ويحق للمهجرين حمل أمتعتهم الشخصية التي يمكنهم حملها في الحافلة مع السلاح الفردي. وبحسب بنود الاتفاق، يتم تشكيل لجنة مدنية مشتركة ثلاثية لتسيير أمور المنطقة وحلّ قضايا المعتقلين والموقوفين، بينما يمنح المتخلّفون عن الخدمة العسكرية مهلة ستة أشهر قابلة للتمديد لسنة، في حين يقوم القضاء العسكري بإصدار عفوٍ خاص عنهم شرط أن يلتحقوا خلال 15 يوماً أو يغادروا منطقة القلمون.