شهدت الأسابيع الأخيرة من العام المنصرم،وهو العام الأكثر دموية وتدميراً في سوريا،نشاطاً دولياً وإقليمياً محموماً حول سوريا، وصدرت بيانات دولية وأممية تشي بأن الملف السوري قد وضع على طاولة التباحث الدولي،لتبريد الصراعات على سوريا، بعد خمسة أعوام من التجاهل وغض الطرف عما ارتكب من فظائع وجرائم بحق شعبنا الذي خرج على نظامه الاستبدادي طالباً الحرية والكرامة،لكن تجربة السوريين المرة مع المجتمع الدولي والدول الفاعلة فيه وطغيان المصالح الدولية،كما الصياغات الفضفاضة التي وسمت هذه القرارات،تلقي ظلالاً من الحذر في وجه المتطلعين إلى إنهاء المقتلة السورية.

مع نهاية تشرين أول الماضي بدأت مسيرة فيينا الدولية للبحث في حل سياسي للقضية السورية،وبعد ثلاثة اجتماعات متسارعة أصدرت مجموعة العمل الدولية بيان 30 تشرين ثاني المعروف بنقاطه التسع. بيان فيينا هذا الذي حمل رؤية موسكو للحل السياسي،جاء فضفاضاً ويكاد أن لا يحدد شيئاً،وهو عملياً، البيان الذي بني عليه قرار مجلس الأمن رقم 2254 تاريخ 18/12/2015الذي صدر بإجماع الأعضاء الخمس عشرة.لقد حدد القرار توجه المجتمع الدولي لإيجاد حل سياسي للقضية السورية عبر التفاوض بين وفدي المعارضة والنظام برعاية أممية، كما حدد جداول زمنية: ستة أشهر لتشكيل هيئة الحكم الانتقالي، وثمانية عشرة شهراً للمرحلة الانتقالية، تنتهي بانتخابات يشارك فيها كل السوريين في الداخل وفي المهجر، ووقف لإطلاق النار يترافق مع عملية التفاوض.هذا القرار جاء أكثر تحديداً من القرارات التي سبقته، إلا أنه فتح المجال للريبة والحيطة من خلال اللغة والصياغات التي اعتمدها عن قصد سياسي، إما للالتفاف على العقبات الحرجة ريثما تبدأ العملية السياسية، وإما لأن القيمين عليه أرادوا تلغيم العملية السياسية برمتها كسباً للوقت ريثما تنضج التسويات الدولية والإقليمية في سوريا والشرق الأوسط عموماً.إن الثغرات والفخاخ التي احتواها القرار الأممي كثيرة ومنها:

1: تعمد القرار،على الرغم من ذكره لمرجعية جنيف1،أن يضيف لهذه المرجعية مرجعيات تتضمن كل القرارات والبيانات الصادرة عن مجلس الأمن، وعلى بياني فيينا والرياض وأقحم بينها بيانات القاهرة وموسكو، مما يدلل على محاولة إيجاد مرجعيات أخرى وتجاوز أن تكون جنيف 1 مرجعية وحيدة، وبالتالي فإن هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، يمكن أن تؤول إلى حكومة مشتركة موسعة، تنقل إليها بعض صلاحيات الرئاسة، وهذا ماتريده موسكو وطهران.

2: تعمد القرار تجاهل مصير الأسد في أي مرحلة من هذه العملية،في وقت أصبحت فيه هذه النقطة هي عقدة العقد في الحل السياسي .فهل يريد المجتمع الدولي نزولا عند رغبة الروس ، أن يكافئ رئيسا ارتكب ما ارتكبه بحق شعبه؟.إن الشعب السوري يستهجن ويرفض هذه المقاربة .

3: تطرق القرار لآليات إجرائية، تطال عملية التفاوض والمرحلة الانتقالية ووقف إطلاق النار ومراقبته وإجراءات بناء الثقة ومنها إيصال المساعدات الإنسانية لمحتاجيها وفك حصار المدن والإفراج عن المعتقلين، لكنها بقيت آليات نظرية تفتقر إلى الإلزام أو النص على إجراءات عقابية بحق المخالفين، وأنيط بالأمين العام للأمم المتحدة أن يقدم تقريره وتصوره خلال شهر فيما يتعلق بآلية الرقابة على وقف أطلاق النار وشهرين لتقديم تقريره حول مدى التقدم المنجز في سياق إجراءات بناء الثقة.

4: لم يعتمد التصنيف للمنظمات الإرهابية الذي قدمته الأردن، والذي كلفت به من قبل مؤتمر فيينا لأن قائمتها تضمنت الميليشيات الشيعية والحرس الثوري الإيراني المتواجدين على الأراضي السورية، بسبب اعتراض كل من روسيا وإيران، فرفع الموضوع من التداول، وشكلت لجنة جديدة من روسيا وإيران وفرنسا والأردن لإعداد قائمة جديدة.وفي كل الأحوال إن أي قائمة تحاول وصم المقاومين للأسد بالإرهاب وتتجاهل الميليشيات الشيعية التي تحركها إيران، أو أنه إذا أريد لهذا التصنيف أن يكون سيفاً مسلطاً على رقاب من يعارض الحل السياسي الذي تريده الدول الفاعلة،فإنه سيصب الزيت على النار، ويدفع إلى مزيد من التطرف على الساحة السورية، وفي المنطقة،لأن هؤلاء هم ثوار وليسوا إرهابيين، يقاتلون لتحرير بلادهم من الاحتلالين الروسي والإيراني ويواجهون نظاماً يقتل شعبه. وما إرهاب داعش الذي يريدون تعميمه إلا وجهاً آخر لإرهاب النظام .

5: مما لاشك فيه بأن القضية السورية والمأساة الإنسانية التي أوقعها النظام وحلفاؤه بالشعب السوري أصبحت ضاغطة على المجتمع الدولي والهجرة المتدفقة على أوربا هرباً من الموت هي أحد عناوينها،كما أن تمدد الإرهاب إلى ساحات أوربا بعد أن كان محصوراً في منطقتنا،هما من يدفعان المجتمع الدولي لفرض حل على السوريين، تمهد له روسيا بقصفها الذي يهدف لإنهاك الثوار واغتيال قادتهم ومنهم من وافقوا على الحل السياسي، وتغيير موازين القوى على الأرض،ومع ذلك وأياً كان الحل فإن النظام سيسعى جاهداً لإفشاله والتملص من استحقاقاته.

6: إن إجراءات بناء الثقة التي نص عليها قرار مجلس الأمن تتطلب أول ما تتطلب أن يترافق وقف إطلاق النار بقرار دولي يوقف القصف الروسي للمدن والبلدات السورية، والذي يقتل المدنيين ويقتل عناصر الجيش الحر،مادامت روسيا تعتبر نفسها راعية لمسيرة الحل السياسي تماماً كما تتطلب  إنهاء حصار المدن وسياسة التجويع الممنهجة التي تمارس على السوريين لإركاعهم ، ووقف البراميل المتفجرة التي يلقيها النظام على المدنيين في طول سوريا وعرضها كما طالبت بذلك عدة قرارات أممية،وعلى المعارضة أن تستمر بالمطالبة بوقفها.

لقد دخلت القضية السورية مع القرار الأممي 2254 منعطفاً جديداً، ومن حقنا أن نشك بأنه لن يفضي إلى حل عادل مادام أنه بني على تفاهمات فيينا،وبالتالي سيقود إلى الفشل،وسوف يطيل أمد الصراع ،وعليه فإن على المعارضة السورية السياسية والعسكرية أن تعي ما يترتب عليها من مسؤوليات في هذه المرحلة، وضرورة توحدها ووحدة خطابها ورؤيتها،وأن تتمسك بمقررات مؤتمر الرياض التي عبرت عن أهداف الثورة وأولها ألا يكون أي دور للأسد وزمرته في المرحلة الانتقالية ،وأن تدعمها بإنجازات في الميدان، وأن تثق بأنها الرقم الصعب الذي لا يمكن للعالم تجاهله،كمالا يمكن لأي حل سياسي لا يتضمن تحقيق أهداف الثورة أن ينجح ولا أن يمضي دون موافقتها،وهي ليست مضطرة لتقديم التنازلات، ولا التفريط بتضحيات الشعب السوري وتطلعه نحو الحرية مهما مورس عليها من ضغوط ومن أية جهة جاءت.

تحية لأرواح الشهداء

عاشت سوريا حرة وديمقراطية

دمشق في  16 /1/2016   

الأمانة العامة لإعلان دمشق

للتغيير الوطني الديمقراطي