من الطبيعي أن يحتدم النقاش حول السياسات الأمريكية القائمة والمحتملة على أبواب الانتخابات الرئاسية، التي تجري كل أربع سنوات. ولا يتم ذلك داخل الولايات المتحدة فحسب، إنما يشمل العالم بأسره لما لهذه السياسات من تأثير وفعالية على الوقائع والمجريات (سلباً أو إيجاباً) في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في مناطق التوتر وعدم الاستقرار وازدحام المصالح كمنطقتنا. ومن الطبيعي أيضاً أن يكون الشرق الأوسط وسورية بالذات نقطة ارتكاز في هذا النقاش؛ لما للسياسة الأمريكية من دور محوري في مجريات الأمور فيهما، وظلال مباشرة أو غير مباشرة، يتأثر بها أو يتطلع إليها الحاكمون والمحكومون على السواء.

تشهد مراكز البحث ووسائل الإعلام على الأرض الأمريكية في هذه الفترة سجالاً قوياً وحاداً بين السوريين حول صوابية الموقف والتصويت لأحد المرشحين استناداً للتطلعات المأمولة التي تساعد في إنجاز حل سياسي، يخرج السوريين من زمن المحنة. فمن يختار المرشح الجمهوري ترامب، لا تبرح ذاكرته الفترة الرئاسية القاتمة للديمقراطي أوباما، حيث كان جو بايدن نائباً للرئيس وأحد كبار مستشاريه. ويلوحون بخطوط النفاق الحمراء التي تبين زيفها والممالأة المتمادية للسياسة الإيرانية في المنطقة. ومن يدعو للتصويت لبايدن، يتذكر ويذكِّر بفترة ترامب، التي كانت السياسة الأمريكية في المنطقة خلالها خبط عشواء دون منهج محدد ونتائج واضحة، وبعيداً عن منظومة القيم الديمقراطية والإنسانية. وأنها كانت الوجه الآخر للسياسة الأوبامية التي أنهكت الشرق الأوسط وعقدت قضاياه، وبقيت في حدود الخطابات والتصريحات والوعود الخلبية، لدرجة تدعو للاعتقاد بأن المنطقة فقدت أهميتها في أجندة السياسة الخارجية الأمريكية. فازدياد الاضطراب والتدخلات الدولية فيها، يجعلها مقبرة للأفكار ومشاريع الحلول، أو صندوقاً لحفظها وتأجيل معالجتها إلى وقت لاحق، ريثما تتغير الظروف.

فمن المعروف جيداً أن السياسة الأمريكية في المنطقة بقيت لعقود مضت معنية بأمن إسرائيل أولاً وهو هدف قد تحقق وهي تتمتع بفائض من الأمن والقوة، كما لم يحصل منذ نشوئها وبشكل لا يحتاج إلى دليل. بعد ذلك يأتي نفط الشرق الأوسط ، الذي لم يعد موضع اهتمام واعتبار أمريكيين؛ لأن 85% منه يذهب إلى آسيا ولم تعد للولايات المتحدة حاجة إليه؛ بسبب تزايد إنتاج النفط الصخري والطاقة النظيفة، وتوفر كميات كبيرة من النفط خارج منطقة الخليج . وتبقى محاربة الإرهاب والحد من آثاره، ومنع إيران من الحصول على السلاح النووي، وهذا جهد دولي تشارك فيه الولايات المتحدة كطرف في التحالف وعبر وكلاء في المنطقة. وإذا أضفنا ما كشفته سنوات الصراع الماضية من تحديات كبيرة في الشرق الأوسط تواجه السياسات وأجندات الحلول بمصاعب وعقبات مثل تعمق النزاعات الطائفية والإثنية، والتنافسات القبلية في ظل افتقاد واضح للقيادات الفاعلة والمؤهلة، وضعف الدول والمؤسسات وغياب مريع لحكم القانون واحترام حقوق الإنسان، يمكن تفسير الإحجام الأمريكي عن الانخراط الفاعل بقضايا المنطقة؛ لأنها لم تعد من المصالح الحيوية الأمريكية المباشرة، والولايات المتحدة تحقق ما تريده منها بأيسر السبل. بالطبع باستثناء القضية الفلسطينية، وما يتعلق بمشروع ” صفقة القرن ” وتوابعه، الذي يشكل رافعة هامة لعودة ترامب إلى البيت الأبيض لفترة رئاسية جديدة، ولمساعدة نتنياهو في الخلاص من أزماته الداخلية وإعادة تأهيله.

ومن القضايا التي تحرف اهتمام السياسة الأمريكية عن الشرق الأوسط وقضاياه، تفشي فيروس كورونا الذي يقتل الأمريكيين ويهدد حياتهم، وينال من مصداقية إدارة ترامب وكفاءتها. مثلما تفعل حرائق الغابات الشاسعة والمتواترة في كاليفورنيا والمتغيرات المناخية المصاحبة والمتوقعة. إضافة إلى تفاقم العنف والعنصرية في الشارع الأمريكي والذي أصبح مشكلة تواجه البلاد. 

يمكن القول إن الصين هي التي تتربع على رأس قائمة اهتمامات أي إدارة أمريكية قادمة كشريك ومنافس في الوقت نفسه ليس من صداقته بد  على الرغم مما يرافق إيجابيات هذه الصداقة من مخاطر وسلبيات تجعل الصين وآسيا  في بؤرة اهتمامات السياسة الأمريكية ومحور الجهد الرئيس فيها؛ مما يشي بأن المنطقة وقضاياها ستبقى في جمادة الصراعات، وعلى قائمة الحلول المؤجلة.