لم ينتظر المنتفضون اللبنانيون أن تضع حرب الكورونا أوزارها، لكي يستأنفوا انتفاضتهم ويعودوا إلى الساحات. فالاقتصاد اللبناني يترنح وهو على شفا الإفلاس الكامل؛ والوضع السياسي يتخبط ويتحول يوماً عن يوم ليكون تحت سيطرة حزب الله، وتواجه حكومة حسان دياب في مسيرتها طريقاً شبه مسدودة. فهي عاجزة حتى الآن عن القيام بأية خطوة إصلاحية على مستوى السياسة أو خطوة إنقاذية على مستوى الاقتصد وتحسين المستوى المعيشي للشعب اللبناني الذي يئن من هول الانهيار الاقتصادي.

لقد خسر لبنان الكثير من موارده ومن أهمها الدخل الذي كان يأتيه من السياحة وكذلك لم يعد تلك السوق المصرفية المعهودة والمأمونة في المنطقة. وبالإضافة إلى أزمة الكورونا الراهنة، فلبنان يعيش منذ فترة في عزلة خانقة عن محيطه العربي والخليجي خاصة بسبب تجيير سياسته الخارجية لصالح المحور الإيراني وعدم صدقية سياسة النأي بالنفس التي اخترعها السياسيون اللبنانيون الموالون لحزب الله. وبالإضافة إلى ذلك ما زاد الطين بلة هو حجم الأموال المنهوبة التي هُرِّبَت إلى الخارج.

وفي الفترة الأخيرة طغت على الوضع اللبناني أزمة المصارف وارتفاع سعر الدولار وقد وصلت قيمته لتعادل أربعة آلاف ليرة لبنانية، وكذلك برزت قضية أموال المودعين وصعوبة استرداد مدخراتهم. وهذا الانهيار المالي كان فرصة للبدء بحملة مركزة على مصرف لبنان المركزي وعلى مديره رياض سلامة. وهذه الحملة تقودها في الكواليس أوساط حزب الله وحلفائه العونيين، ولقد أظهرها إلى العلن رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب في كلمة متلفزة وجهها إلى الشعب، وحمَّل فيها مصرف لبنان مسؤولية الأزمة الاقتصادية اللبنانية الراهنة. وحتى الأوساط العونية والحزب اللهية راحت تستغل النقمة الشعبية ضد المصارف لتجييرها شخصياً ضد مدير مصرف لبنان رياض سلامة. ويبدو أن هذه الحملة قائمة على خلفية تطبيق الشروط والتعليمات المتعلقة بالعقوبات الأميركية على إيران وحزب الله في كافة المصارف اللبنانية. ولقد استدعت هذه الحملة أن يلقي رياض سلامة كلمة متلفزة ليقول فيها: “إنه يتعرض شخصياً لحملة مبرمجة ضده وأنه لا يتحمل مسؤولية الأزمة وإنما تتحمل مسؤوليتها الحكومة والسياسيون”.

ضمن هذه الظروف الاقتصادية والمالية والمعاشية الصعبة التي يعيشها لبنان، راحت تتبلور كتلة معارضة صريحة وعلنية للعهد العوني وحكومته الحالية ومن خلفهما حزب الله الذي يقوم بدور المايسترو في قيادة المرحلة الراهنة. وأخذت تعلو أصوات قيادية في المعارضة لتتهم العهد بعدم احترام اتفاق الطائف والدستور اللبناني والتهيئة لقلب نظام الحكم من نظام برلماني إلى نظام رئاسي.ومن الذين تكلموا بشكل صريح وواضح في هذا السياق سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونهاد المشنوق من تيار المستقبل والزعيم الدرزي وليد جنبلاط  وزعيم القوات اللبنانية سمير جعجع الذي اقترح أن تتشكل معارضة صريحة وواضحة ضد حزب الله الذي يعمل على إكمال السيطرة على الدولة. ولأول مرة يخطب البطريرك الماروني ويعلن اعتراضا على الوضع الراهن ويحمل مسؤولية الأزمة للسياسيين وليس فقط لمدير البنك المركزي. وضمن هذا السجال السياسي الدائر يصرح بلهجته الوسطية والمراوغة المعهودة رئيس المجلس النيابي نبيه بري ليقول: ” إذا اسقطنا البنك المركزي لن يكون هنالك لبنان”. ويبدو بالفعل  أن الحاكمين الآن لايستطيعون إقالة مدير مصرف لبنان. والكثير من التحاليل الصحفية ترى أن الطرف الحاكم الآن في لبنان لا يستطيع إقالة رياض سلامة من منصبه لأنه لا يجني أية فائدة من هكذا خطوة ولربما بإقالته يسوء وضعهم أكثر من ذلك.  وعلاوة على ذلك فإن الدستور اللبناني لا يسمح للحكومة بإقالة مدير البنك المركزي إلا إذا كانت هناك أسباب صحية أو جرمية تمنعه من الاستمرار في منصبه.

وإن أية خطوة في اتجاه تزايد نفوذ حزب الله على لبنان سياسياً واقتصادياً ستلقى معارضة شديدة من المحيط العربي والخليجي ومن الأوساط الدولية الأميركية والأوربية ومن الأطراف التي تعهدت بإقراض لبنان وتمويله لإنقاذه من غمته ووضعه الاقتصادي المترنح، ولقد جاء تصريح وزير خارجية فرنسا(أدريان) ليؤكد هذه المقولة فيقول في تصريحه إن فرنسا هي على استعداد لتقديم المعونة إلى لبنان ولكن ضمن شروط وخطط تسمح بإمكانية إصلاح الاقتصاد اللبناني والنهوض به. ولقد أقرت الحكومة اللبنانية في الثلاثين من الشهر الحالي نيسان خطتها لإصلاح الاقتصاد اللبناني، ولكن الفيصل يبقى في إمكانية نجاح وتطبيق هذه الخطة وقبل كل شيء في قبول الأطراف الخارجية الممولة بتنفيذها.

في كل الأحوال تبقى الانتفاضة المستمرة للشعب اللبناني من أجل كرامته وحريته ومن أجل الحفاظ على استقلاله وعودته لمحيطه العربي هي بقعة الضوء الأساس في تطور الوضع اللبناني.