لندن: إبراهيم حميدي

الشرق الأوسط:24/3/2020

قدم «كورونا» مدخلاً جديداً في سوريا، من بوابة إدلب. يواجه السوريون في دمشق وإدلب والقامشلي، الفيروس بارتباك، في وقت يتبادل «اللاعبون» اللوم ويبحثون فيما تبقى من طاقتهم الدبلوماسية، عن فرص الإفادة من هذا الوباء للوصول إلى اختراقات سياسية وسط وجود ثلاث «نوافذ» مختلفة بين الدول الغربية.

في دمشق، أعلنت الحكومة بعد إنكار لأسابيع، وجود إصابة أكيدة بـ«كورونا» وسط اعتقاد بأن عدد المصابين أكبر وتقارير عن حرق وإتلاف لوازم لأشخاص أصيبوا بالوباء في مستشفيات وأماكن عامة. وكثفت الحكومة جميع الإجراءات العسكرية والتنفيذية والاقتصادية والخدمة لمواجهة الفيروس ومنع انتشاره. كما صدر مرسوم رئاسي على أمل إخلاء بعض المعتقلات المكتظة من السجناء. وفي مناطق الإدارة الذاتية شرق الفرات، جرى اتخاذ إجراءات مماثلة مع فرض عقوبات على مخالفي حظر التجول على أمل الإفادة من البنية التحتية الضعيفة التي وفرها التحالف الدولي ضد «داعش»، في مواجهة الوباء. لكن القلق الأكبر، هو في شمال غربي سوريا، حيث يوجد أكثر من ثلاثة ملايين شخص بينهم نحو مليون نازح جديد من دون بنية تحتية طبية ومستشفيات ولوازم.

الفرق بين المناطق الثلاث، كان محور جدل بين ممثلي دول غربية والأمم المتحدة؛ ذلك أن عمل منظمة الصحة العالمية يقتصر على دمشق ومناطق الحكومة، في وقت تضغط دول غربية على الأمم المتحدة للعمل والبدء باختبارات الكشف عن الفيروس في إدلب ومناطق معارضة، وتكثيف الجهود في غازي عنتاب جنوب تركيا قرب الحدود السورية.

لكن مقاربة الإفادة من مخاطر «كورونا» سياسياً، قوبلت بعقبات جراء وجود مقاربات أو نوافذ مختلفة بين اللاعبين: أولاً، موقف الأمم المتحدة من دمشق وإدلب. ثانياً، انقسام دول أوروبية بالتعاطي مع مطالب تركيا. ثالثاً، مسار التفاهمات الروسية – التركية وموقف الدول الغربية منها.

بالنسبة إلى العقبة الأولى، تعترف الأمم المتحدة بالحكومة السورية ولا تعمل رسمياً في مناطق خارجة عن سيطرتها. لذلك؛ تثير بعض الدول مطالب بتحويل مخصصات مالية من دمشق إلى إدلب لدعم مواجهة الوباء. كما تتمسك واشنطن وعواصم أوروبية بفرض عقوبات اقتصادية على الحكومة السورية وسط مطالب بتعجيل تنفيذ «قانون قيصر» الذي يتضمن معاقبة أي جهة سورية أو غير سورية تساهم في إعمار سوريا قبل تحقيق حل سياسي ذي صدقية. كما تبحث دوائر أميركية فرض قائمة جديدة من العقوبات على شخصيات رئيسية في دمشق وتواصل حملتها ضد جهود إعادة دمشق إلى الجامعة العربية أو مساهمة عربية من القطاع الخاص أو الحكومي بإعمار سوريا.

بالنسبة إلى واشنطن ودول أوروبية، هذا بمثابة رد على مطالب الحكومة السورية بـ«رفع العقوبات الغربية لمواجهة (كورونا)». لكن في الوقت نفسه، لا تزال واشنطن تفتح نافذة، وهي إمكانية الموافقة على «استثناءات طبية لحالات خاصة» أو عدم عرقلة إنجاز يتعلق بفتح طريق حلب – دمشق مقابل تنازلات محددة من دمشق، قد يكون أحدهما إطلاق الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي يعتقد أنه معتقل في دمشق أو السير بالعملية السياسية. وتخص العقبة الثانية، التعاطي الأوروبي مع مطالب تركية. الرئيس رجب طيب إردوغان طلب من قادة بريطانيا وألمانيا وفرنسا تقديم دعم لـ«الوجود التركي الدائم شمال سوريا»، خصوصاً ما يتعلق بإسكان وإقامة اللاجئين السوريين لتحفيزهم على عدم الهجرة إلى أوروبا. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كانت في البداية مرنة في التعاطي مع الطلب التركي مقابل تشدد فرنسي – بريطاني. لكن هذه الدول عادت واتفقت على أنها لا تريد من خلال «شرعنة» الوجود التركي الدائم في إدلب تسجيل سابقة في العلاقات الدولية.

من هنا تطل العقبة الثالثة؛ ذلك إذ إن الدول الغربية تجد نفسها خارج مسار التفاهمات الروسية – التركية في إدلب. وإذ لم تستطع واشنطن تقديم أكثر من الدعم الدبلوماسي والاستخباراتي لأنقرة، فإن الدول الأوروبية منقسمة؛ إذ إن لندن وباريس تريدان أن يكون الحوار مع أنقرة «أشمل من إدلب»، بحيث يتناول شرق الفرات والموضوع الكردي، إضافة إلى مطالب أوروبية بـ«تخفيف القبضة» على نشاطات الجمعيات في شمال سوريا. وأعربت بعض الدول عن القلق من احتمال سير الأمور بين أنقرة وموسكو باتجاه مقايضة تخلي تركيا عن جنوب الطريق الدولية بين سراقب وجسر الشغور لصالح قوات الحكومة السورية وروسيا مقابل توغل فصائل موالية لتركيا في عين العرب (كوباني) أو جوارها في شمال سوريا.

وأمام صعوبة، تسييس «الحرب على كورونا»، ظهر اقتراح آخر تضمن تشجيع المبعوث الأممي غير بيدرسن لفتح ملف المعتقلين السوريين للضغط على دمشق كي يكون مدخلاً لتحريك العملية السياسية وتنفيذ القرار 2254 باعتبار أن المدخل الآخر المتعلق بالإصلاح الدستوري مغلق جراء عدم اتفاق وفدي الحكومة والمعارضة على أجندة العمل استمرار الفجوة السياسية… حتى لو كان الاجتماع سيحصل عبر دائرة تلفزيونية احتراماً للمسافات الاجتماعية التي فرضها وباء «كورونا».