في ذكراها السابعة، تشهد الثورة السورية مخاضات عسيرة هي الأقسى في تاريخها، وتغدو معها القضية السورية أشدَّ صعوبة وأكثر تعقيداً من أي وقت مضى، حيث تطوقها مخاطر الاحتلال والتقسيم من كل حدب وصوب، وتزدحم على أرضها معارك المتدخلين والطامعين لتُحيلها إلى ساحة لتصفية الصراعات الدولية والإقليمية على مستقبل المنطقة بدماء السوريين العزل، وعلى مصيرهم ومستقبلهم.
للسنة السابعة على التوالي ، والشعب السوري الجريح مازال متروكاً لِقَدره، يتقلّب في جحيم من الكوارث والأهوال، يتجرع يومياً مرارات الحصار والتجويع والتهجير، ويتعرض ابناؤه لحملات الإبادة الجماعية على أيدي مرتزقة الاحتلالين الروسي والإيراني وما تبقى من شراذم الأسد مدعومة بطيران العدوان الروسي، ويقّدم قرباناَ على مذابح المصالح الدولية والإقليمية في محيط من الخذلان والتواطؤ والنقاق بدأ يلقي بظلال من شك حول مشروعية ما يسمى بالمنظومة الدولية ويطلق أسئلة جارحة عن مسؤوليتها في حماية المدنيين، ومدى احترامه للشرائع والمواثيق التي تأسست بموجبها.
سبع سنين تنقضي من عمر الثورة، وما تزال ذاكرتها تحتفظ بما حفلت به من نجاحات كادت أن تأخذ بيدها نحو النصر واسقاط النظام على ايدي الثوار والمتظاهرين لولا التدخل الدولي والإقليمي الذي حضر ليمنع هذا الانتصار. ورغم ما ألمَّ بها من انتكاسات وخيبات تضافرت على أسبابها عوامل ذاتية وموضوعية، إلا أنها ما زالت تختزن جمرها تحت الرماد وتطوي في ثناياها طاقة لا تنضب من البطولات والتضحيات، حيث الصمود في الإنفاق والملاجئ كما في اقبية التعذيب ما زال عنوانها الأبرز، والتمسك بالأهداف والإصرار على تحقيقها ما زال صراطها مهما طالت المحنة، واشواقها للحرية والكرامة لم تزل قبلتها حتى تحقيقها. ظهر ذلك جلياً في التظاهرات التي خرجت من بين أنقاض المدن لتعيد الحكاية إلى أصلها، تنديداً بجرائم النظام والاحتلال، ورفضاً لكل أشكال الانحراف والتشويه لمسيرة الثورة، وكذلك في مختلف الفعاليات الاحتجاجية التي نفذها السوريون في معظم دول العالم تنديداً بمجازر الغوطة الشرقية، معيدة إلى الاسماع بأن الأهداف التي خرجوا من أجلها ما تزال ممكنة ومطلوبة.
لم تكن معاناة الثورة وآلامها الداخلية أقل وطأة عليها من الأخطار الخارجية، فتعدد الرايات، وسيادة النزعة الفصائلية، وعمليات التوحد والانقسام وما تبعها من موجات الاقتتال الداخلي عمقت الشروخ والانقسامات في صفوقها، وفتحت الباب واسعاً لتسلل الأجندات الخفية الشاذة والغريبة عن البيئة السورية والتي مهدت لانتشار ظواهر الغلو والتطرف الإسلامي بخلفياته ومشاربه المتنوعة وما نجم عنها من سلوك إرهابي وعنف أعمى أفسح في المجال لظهور التنظيمات الإرهابية الموصوفة والتي رعتها وغذتها أطراف دولية وإقليمية. وقد تم الكشف مؤخراً عن علاقتها الوطيدة مع إيران والنظام وأطراف أخرى، وكذلك ارتباط “داعش والنصرة” بأجندات يوجهها العديد من مراكز الاستخبارات الدولية والإقليمية، والأدلة واضحة للعيان، ليس أولها صفقات التفاهم بين حزب الله وداعش، ولن يكون آخرها وجود هذه التنظيمات برعاية كاملة من النظام وإيران في أحياء دمشق الجنوبية، وصولاً إلى استخدامها كذريعة لحرق الغوطة الشرقية وتهجير سكانها.
يواجه الشعب السوري اليوم حالة هي الأصعب في تاريخه، فالصراع في سورية لم يعد بين الشعب وجلاديه، بل بين القوى الدولية والإقليمية على الأرض السورية، حيث تسعى كل منها لتحسين مواقعها وتثبيت نفوذها استعداداً للحلول القادمة في سورية وفي عموم المنطقة. وأصبحت معاناة هذا الشعب من كثرة المتدخلين والمرتزقة وتحت عناوين مختلفة، تارة باسم الصداقة وأخرى باسم اخوة الدين مرة لحماية النظام وأخرى لحمايته، وقد تحول هذا التدخل إلى قوة احتلال غاشمة، ليس للأرض فحسب بل للسيادة والكرامة وإرادة الشعب السوري، وأضحت سوريا بموجبه بلداً مستباحاً وفريسة يتناهشها المتصارعون، وباتت مهمة الشعب السوري الرئيسية التحرر من هذه الحالة على الرغم من تعقيدها بسبب التناقضات في مصالح المتدخلين الرئيسين. وهذه المسؤولية التاريخية والوطنية ملقاةً على عاتق ومسؤولية قوى الثورة مجتمعة وأصبح مطلوب منها الالتفاف حول نداء وطني جامع لكل السوريين والتمسك بمبادئ السيادة وإرادة الشعب وصيانة القرار الوطني، والإصرار على حل سياسي يلبي تطلعاتهم وتحقيق أهداف الثورة عبر تشكيل مرجعية جديدة للوطنية السورية وللقرار الوطني المستقل.
دمشق 13 / 3 / 2018

الأمين الأول
لحزب الشعب الديمقراطي السوري
غياث عيون السود