خاص للموقع

   دمر الانفجار الضخم الذي حدث في مرفأ بيروت في الرابع من آب/ 2020 أخر صور الوجه الحضاري لهذه المدينة الساحرة بيروت او باريس الشرق بالنسبة للكثير من العرب. ترقد اليوم على الركام  ويلفها الحزن على آلاف الشهداء والجرحى الذين سقطوا نتيجة هذا الانفجار والذي وصل عصفه إلى كل مناطق بيروت،  وترك حجم الأضرار التي خلّفها بشرياً ومادياً ومعنوياً صورة واضحة  عن مدى وحجم الفساد السياسي الذي يعيشه لبنان، وبحسب التقارير الأولية الواردة فإنّ حجم الكارثة تجاوز في آثاره السلبية فداحة الأضرار التي عاشها  لبنان خلال الحرب الأهلية أو العدوان الإسرائيلي عليه، أمّا الأشد إيلاماً في هذه الكارثة، ورغم أنه لم تتضح حتى الآن ملامح السبب الأساسي في كارثة انفجار المرفأ، إلا أن قناعة  الشباب المتظاهر في الشارع بأن إهمال السلطة وفساد النظام القائم وسيطرة ميليشيا حزب الله على القرار اللبناني  ، وليس العدو الإسرائيلي، هو السبب بهذه الكارثة. وأن هذه الطبقة السياسية هي المسؤول الأول والأخير عن كل ما حدث ويحدث في لبنان على الأقل منذ سيطر هذه الميليشيات على الدولة اللبنانية  من خلال تحالف مافيا الطائفية والسلاح وتهريب المخدرات، فأصبح ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح “تحالف الفاسدين “، يمثل السلطة السياسية في لبنان ، هذه السلطة الفاسدة والمفسدة التي يحكمها حزب الله والذي يرهن نفسه لإيران وسياستها التوسعية في المنطقة،  ويجعل من ميشيل عون الذي كل طموحه البقاء برئاسة الجمهورية  رهينةً  لهذ السياسة  التي أصبحت أداة لهدم السيادة الوطنية اللبنانية وأوصلت لبنان لأن يكون مفلساً اقتصادياً وسياسياً. “حزب الله” بتحالفه مع الجنرال عون وفرض وجوده بقوة السلاح عطل الحياة السياسية في لبنان داخلياً. فالحكومات التي شكلها هذا التحالف هي حكومات واجهة فقط ولا تمتلك أي قرار داخلياً ولا خارجياً، حيث تمكن حزب الله من ابقاء خطوط السياسية الداخلية مرتبطة بزمرة النخبة الفاسدة. فصادر قرار الحرب السلم،  وأمسك بقرار السياسة الخارجية بيده  من خلال  تحالفه مع إيران والنظام السوري وتدخله العسكري المباشر في  سوريا والعراق واليمن، ويمنع أي طرف من التعامل في سياسة لبنان الخارجية دون المرور بخطوطه العريضة التي رسمتها إيران ، حزب الله الذي تحالف مع هذه النخبة السياسية الفاسدة سيطر على موارد البلاد الاقتصادية ومرافقه الحيوية البرية والبحرية، فلا يمر شيء في لبنان دون أن يكون لخزينة “حزب الله” وتحالفه الفاسد النصيب الأكبر منها ، وهذا ما نبه عليه المتظاهرون في بيروت خلال لقائهم مع الرئيس الفرنسي ، حيث طالبوه بعدم تقديم أي مساعدات انسانية مباشرة إلى الحكومة الفاسدة، وأن يتم ذلك عبر الهيئات الدولية التي يمكنها التحقق من وصولها إلى مستحقيها ، كل ذلك لقناعتهم التامة بأن هذه المساعدات ستجد طريقها إلى مافيا “حزب الله” وتجار الطبقة السياسية الفاسدة .

  كارثة مرفأ بيروت هي إحدى الفصول الجديدة من المآسي التي جلبها تحالف حزب الله وعون إلى لبنان، ولجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة على عجل لن تصل إلى شيء. “فحزب الله” لن يسمح لأي طرف خارجي بالتدخل فيما يخص التحقيق وستبقى النتيجة فرضية واحدة هي الإهمال والتقصير، ولكن المعطيات الحقيقية تستبعد كل الفرضيات وتبقي على فرضية واحدة هي مسؤولية حزب الله الكاملة عن هذا التفجير، وهو فعل قصدي أراد منه اخفاء كل أثر للشحنة التي استوردها حزب الله وتم ارسائها عمداً في مرفأ بيروت ضمن عملية ضخمة لاستهداف الثورة في سوريا. من هنا المطلوب لجنة تحقيق دولية لكشف حقيقة هذا الانفجار والمسؤولين عنه. 

  بسبب فساد الطبقة السياسية الحاكمة ومافيا “حزب الله” وتحالف الفاسدين، فإن لبنان لن يخرج من هذا المستنقع ولن يعرف أي تغيير سياسي حقيقي، فلا خلاص للبنان بدون الخلاص من حزب السلاح وميليشياته، ولن يكون هناك أي تعديل وزاري حقيقي ولا انتخابات نيابية تحدث أي فرق وتنقل لبنان إلى حياة سياسية جديدة. لأن الإنتخابات النيابية المبكرة، والتي طالب بها رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب، مع النظام الانتخابي الحالي هي مجرد تحالف أخر بين الفاسدين، ولن ينقذ لبنان وثورته سوى إلغاء المحاصصة الطائفية التي تمثلها الرئاسات الثلاث، وتشكيل حكومة انتقالية أو إدارة أزمة تعيد النظر بالدستور وتعمل على نظام انتخابي جديد لتأسيس الدولة الحديثة دولة المواطنة والمؤسسات والقانون.