الأرجح ان أجراس الانذار دقت في كل من موسكو وطهران بعدما  أوحى الرئيس السوري بشار الاسد في حديثه الصحافي الاخير مع وكالة “فرانس برس” ان الحرب في سوريا، التي تقترب من دخول عامها السادس، ما زالت في بدايتها، وهي مرشحة للاستمرار وقتاً طويلاً..حتى استعادة جميع الاراضي السورية.  كلفة الحرب السورية، البشرية والمالية، كانت ولا تزال أحد أهم ألغازها. العبء المالي الرئيسي يقع على إيران، التي تقدم كل سنة ما يصل الى أربعة مليارات دولار لتمويل النظام ودعم آلته العسكرية وبنيته الإقتصادية. وهو بالمناسبة ضعف المبلغ الذي تقدمه دول الخليج العربي الى معارضي النظام وخصومه سنوياً. بينما تتحمل روسيا الان العبء العسكري الذي تقدر كلفته بنحو مليار دولار منذ نهاية ايلول سبتمبر الماضي حتى اليوم، اي ما يزيد على ملياري دولار سنويا.  من وجهة نظر إيرانية، الدفاع عن نظام الاسد هو بمثابة حماية للنظام في طهران وللداخل الايراني، حسبما قال المرشد آية الله علي خامنئي وعدد من كبار المسؤولين الايرانيين أخيراً، في سياق المعركة الانتخابية الحالية. ما يعني ان الكلفة المالية بسيطة، برغم انها كانت ولا تزال مثيرة للجدل في بعض الاوساط الايرانية التي تفضل إنفاق هذه المليارات على مشاريع التنمية او مكافحة الفقر في إيران. من وجهة نظر روسية، أفصح الرئيس فلاديمير بوتين نفسه اكثر من مرة، أن الكلفة المالية زهيدة، وهي بمثابة إقتطاع جزء من النفقات السنوية المخصصة لمناورات القوات الروسية، التي تتخطى في الاصل عشرة مليارات دولار . الحرب في سوريا هي مجرد مناورة جوية وصاروخية روسية، تشبه أي مناورة تجرى في منطقة الاورال او في سيبيريا اوفي اقصى الشرق الروسي، ولا تختلف عنها سوى انها تستخدم ذخيرة حقيقية وأهدافاً حية، ليس لها حساب في البورصة الروسية التي إستعادت احلام الدولة العظمى، وأوهام القياصرة الروس. معركة شمالي حلب الحالية، نموذجية في هذا السياق. يخوضها الروس من الجو والايرانيون على الارض، فيما يبدو جيش النظام دليلاً او حتى شاهداً على بعض الجبهات. وها هو رئيسه اليوم يدعو الجانبين الروسي والايراني الى المزيد من المعارك الطويلة، ويوضح ان حلب المدينة ليست الهدف، بل الحدود مع تركيا. فهو يدرك أن معركة المدينة نفسها يمكن ان تكلف أكثر من مئة ألف قتيل من الجانبين، حسب تقدير الخبراء العسكريين الذين يميلون الى الاعتقاد ان حلب باتت مثل مدينة بنغازي الليبية التي حُظرت على جيش معمر القذافي..ويعتبرون ان الحملة العسكرية الروسية والايرانية الراهنة تهدف فقط الى توجيه ضربة قاسية الى الدور والنفوذ التركي في سوريا اليوم، وغداً أيضاً. الاسد يحدد في حديثه الاخير جدول أعمال مفرط في الطموح. استعادة الاراضي السورية كافة الى حضن النظام هي اشبه بوهم لا يمكن ان يراود حتى النظام المقبل.  والاهم من ذلك ان الامر يقع الان على عاتق الروس والايرانيين الذين يدعوهم للبقاء والقتال سنوات في سوريا..ربما حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة التي أكد انه لا يزال يراها بعيدة جداً، وصرح بانه لم يفكر بقرار خوضها بعد. حسب التقدير السابق للأكلاف المالية والسياسية، يمكن لروسيا وإيران ان تواصلا القتال  الى ما لا نهاية، او على الاقل الى حين موعد انتهاء ولاية الاسد الرئاسية الحالية في العام 2021، من دون تردد او إرهاق.  هيبة البلدين ونفوذهما الاقليمي والدولي هي العنوان الرئيسي لحربهما السورية، فضلا عن كونها خط دفاع رئيسي عن نظاميهما وعن حدودهما بل وعن أمنهما الداخلي. يؤمن الاسد بانه، ونظامه، باتا عقدة مستعصية في النظام الاقليمي والدولي. هذا ما يوحي به كلامه الاخير ونداؤه الى الروس والايرانيين، الذي سيطلق المزيد من النداءات المقابلة، ويقرع المزيد من طبول الحرب.. لان بوتين يخاطر مرتين، مرة عندما ينتهك حدود الصراع مع تركيا ومرة أخرى عندما يعمق التحالف مع إيران، ويرفع معها مستوى المقامرة على الاسد وعلى سوريا.  جزم الاسد في حديثه الاخير، وربما للمرة الاولى، بانه لن يبقى الى الابد، ولن يورث النظام: العد التنازلي لن يكون صعباً..لا في موسكو ولا في طهران.  –

ساطع نور الدين

المدن