ما تشهده الغوطة منذ أكثر من أسبوع من قتل وتدمير بكافة صنوف الأسلحة على يد النظام والميليشيات الإيرانية والطيران الروسي على فظاعته، لا يعدو أن يكون تطويرًا جديدًا في سلسلة الجرائم المتتالية، التي ارتكبت ومازالت بحق الشعب السوري الذي خرج من أجل الحرية والكرامة في وجه النظام الاستبدادي .
مئات الضحايا والجرحى وتدمير ممنهج ووحشي لمدن وبلدات الغوطة وساكنيها، يضعه مرة جديدة في سياق جرائم الحرب الموصوفة التي ينتهك فيها النظام وداعميه الروس القانون الدولي بوقاحة غير معهودة في الإجماع البشري المعروف بعد الحرب الكونية الثانية، فهل يندرج الجنون الروسي وهم الضامنون لخفض التصعيد بالغوطة في إطار الانتقام الحاقد على فشلها السياسي؟، الذي كانت تعمل عليه في سوتشي أو أستانا، يبدو أن هذا التفكير يحتل حيزًا كبيرًا في العقل السياسي الروسي دون أن يستغرقه، فلقد بلغ الصراع في سورية وعليها عتبة حرجة، ودخل مرحلة التحاصص على الأرض، مرحلة تدفع كل دولة من الدول المتدخلة كي ترفع من وتيرة تدخلها وتستعجل تثبيت ما تظنه حصتها من هذا الصراع الذي استثمرت فيه كثيرًا، دون أن تكون واثقة من قدرتها على الاحتفاظ به، لأن معادلات القوة والسيطرة متغيرة بشكل سريع. فالإيرانيون يريدون إحكام السيطرة على محيط العاصمة دمشق وضمان اتصالها بالحدود مع الجولان ولبنان، وكذلك الأتراك يريدون عفرين وجوارها غرب الفرات ساحة حضور لهم في المشهد السوري وإبعاد قوى الاتحاد الديمقراطي pyd عن حدوها في هذه المنطقة، في حين تركز الولايات المتحدة وجودها في شرق الفرات كي يكون راسخًا ومديدًا وقاعدة انطلاق لها نحو المناطق الأخرى عسكريًا أو سياسيًا وكل هذه الأطراف غير عابئة بالدم السوري ولا بالمأساة الإنسانية المتفاقمة.
إن الصراع على النفوذ بين الدول الباحثة عنه، الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، بات يتركز أكثر فأكثر في سورية، وينحصر بشكل أكثر تكثيفًا بين الدولتين الكبيرتين الولايات المتحدة وروسيا، الأمر الذي يدفع للتأكيد بأن الصراع في سورية مفتوح على مزيد من التصعيد، وأن الصدام بين الدولتين لم يعد مستبعدًا مباشرة أو عبر الوكلاء المحليين والإقليميين على الرغم من حرص الطرفين على تجنب الصدام المباشر، لكن ما حدث في دير الزور يوم 7/شباط فبراير الماضي عندما قتل الطيران الأميركي مئتي مرتزق روسي يتغطون بشركة فاغنر الأمنية الروسية، ومن كان معهم من قوات النظام وميليشيات إيرانية في محاولتهم عبور نهر الفرات والسيطرة على حقل كونيكو لتصنيع الغاز، يجعل من كل الاحتمالات واردة، وأن ذلك الحادث قابل للتكرار عبر مشاهد ومشاريع مخبأة في جعبة كل طرف سواءً جاءت على شكل جس للنبض أو استدراج أو حتى مواجهات علنية.
أمام هذا العنف المنفلت من عقاله في الغوطة الشرقية أو عفرين وقبلها في سراقب وأرياف ادلب وطال مئات الضحايا المدنيين وتحويل مناطقهم إل جحيم يستحيل العيش فيه، ودفعهم للتهجير بعيدًا عن مناطقهم، وعجز المجتمع الدولي عن القيام بواجبه تجاه المدنيين العزل بفعل الفيتو الروسي الحاضر دائمًا على طاولة مجلس الأمن الدولي، ولن يغير من هذا العجز قرار مجلس الأمن ذي الرقم 2401 غير الملزم وذي الطابع الإنساني، الذي ناورت روسيا على تعطيله والالتفاف عليه، لذلك كله يصبح التعويل على صمود هذا الشعب العظيم السبيلً المتاح لإفشال هذا التوجه الإجرامي للروس وحلفائهم، وقد كانت مهمًة دون شك الفاعليات الاحتجاجية التي نقذها السوريون في أغلب مدن العالم وعواصمه ودورها في تعرية هذا الإجرام، وحشد الرأي العالم العالمي إلى جانب القضية السورية وفضح وعزل الطغمة الروسية على المسرح الدولي، لكن من المهم أيضًا أن تلتقط المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري معطيات هذه العتبة من الصراع، وأن توحد جهودها وتكثف حضورها على المسرح الدولي، وأن تستفيد من الهوامش التي تتيحها التناقضات في المصالح والأهداف بين الدول المتدخلة بما يفيد القضية السورية، دون أن تتجاهل الفروق الدقيقة والقاتلة أحيانًا بين الحرص على تحالفاتها الخارجية وبين دورها الوطني الذي تصدت له .

تحية لأرواح الشهداء
عاشت سورية حرة وأبية

دمشق في 27/ 2 / 2018
الأمانة العامة لإعلان دمشق