لا يمكن لنا أن نصدق أن مشاعر السيد ترامب قد اهتزت لرؤية مشاهد أطفال خان شيخون المختنقين بالغاز، فقرر توجيه الضربة الصاروخية إلى مطار الشعيرات في حمص.
فالسوريون الذين يذبحون منذ ست سنوات بكل أنواع الأسلحة، والذين يلقون حتفهم تحت التعذيب في أقبية أجهزة الاستخبارات السورية، هم أنفسهم الذين استهدفتهم طائرات نظام الأسد في خان شيخون، ولا يُتصور أن نزعة إنسانية مفاجئة قد استولت على وجدان الرئيس الأمريكي فاستجاب لندائها.
ولا يعنينا أن تروع مشاهد الأبرياء ترامب كما ادّعى، ولكن المهم أنه اتخذ قراره الذي غير المشهد، ووضع أسسًا جديدة للصراع.
ثمة إجماع أن الضربة لا أثر عسكريًا لها، وهي غير كفيلة بتغيير التوازن ضد النظام عسكريًا، وإنما يسعى ترامب من خلالها إلى إرسال رسالة للداخل الأمريكي؛ لصرف نظره عن مشاكل تواجه إدارته، ولإثبات أنه غير مرتهن لروسيا بعد ما شاع عن تعاون وطيد معها إبان حملته الانتخابية.
ورسالة إلى نظام الأسد أن المجال ليس فسيحًا أمامه؛ لكي يتصرف كما يشاء.
ورسالة إلى حلفاء الأسد: فحواها أن اللاعب الأمريكي موجود، وقادر على التصرف من دون مرجعية أممية.
وأخرى إلى الدول التي يعدها الأمريكي مارقة تقول إن القوة الأمريكية يمكن استخدامها في أي وقت، ومن دون إنذار مسبق.
من هنا فإن الضربة الأمريكية ليست -بالتأكيد- تعبيرًا عن رغبة أمريكية بالإطاحة بالأسد، فمثل هذه الرغبة لو وجدت لما عوقب الأسد عقابًا موضعيًا غير موجع، ولما أُبلغ حليفه الروسيّ بها مسبقًا.
ولكن المهم أنها يمكن أن تكبح جموحه الهمجي، وتقول لحلفائه إن الساحة ليست خالية، وإن الأمريكي له رأي في مجريات الصراع، وفي طريقة حسمه.
ليس فيما قلناه جديدًا، ولكن ما يمكن أن نضيفه أن الاستبشار بالضربة من طرف معارضين سوريين، واستنكارها من معارضين آخرين يعبر عن معضلة مزمنة تتمثل في فقدان أدوات مقاربة التدخل الخارجي مقاربة منهجية.
فلا المبالغة في الترحيب بالتدخل من دون فهم أسبابه، ولا استنكاره بحجة السيادة التي مسخ الاستبداد مفهومها، واتخذها ملاذًا له؛ للاستفراد بشعبه موقفين صالحين للتعاطي مع هذا التدخل.
لأجل هذا، وإذا كنا نريد أن نعرف شرعية التدخل العسكري في سورية من طرف قوات غربية، فإن علينا أن نتوجه بالسؤال لا إلى الأوغاد الذين مسخوا مفهوم السيادة، وغيرهم من الممانعين، ولا إلى المعارضة التي ترفع العقيرة ليل نهار مطالبة به.
حاجات الناس هي روافع التغيير، وخصوصًا عند العجز عن إنتاج معرفة جديدة من جانب النخب، ولأجل هذا يصبح من الاختزال المخلّ تصنيف الموافقين على التدخل في أحد صنفين أغبياء أو عملاء.
فلنتوجه بالسؤال عن التدخل الخارجي إلى عموم الناس، فإذا كان جوابهم بالموافقة، وكان ثمّة إصرار على تصنيفهم في إحدى هاتين الخانتين، فلنعترف إذن أن الناس أغبياء، ولنبحث عن طرق لرفع مستوى ذكائهم، وإذا اعتبرناهم عملاء فلنسأل ما الذي أوصل عموم الناس _ الذين يفترض في الحالة الطبيعية أنهم بعيدون جداً عن العمالة على اعتبار أن الأخيرة ليست حالة طبيعية _ ما الذي أوصلهم إلى هذه المرحلة، وما الذي مسخ وطنيتهم، ولنطالب عندها بإزالة المتسبّب في مسخها.
لقد جعل النظام من نفسه عدواً للشعب لا يقل عن العدو الخارجي ضراوة، إن لم يكن أكثر.
والمعالجة السياسية للأحداث، وعقابيلها لا تصلح من دون الانطلاق من هذه الحقيقة، وباستخدام أدوات نقاش سياسي صالحة للتطورات، ومتوافقة مع حاجات السوريين الحالية بعد ما ارتكبه النظام من جرائم بحقهم كانت نتيجة طبيعية لعقليته، وللبناء المتداعي الذي بناه، وليس برفع شعارات، ومزاودات خارج السياق.

رئيس التحرير