نظام الملالي إذ تلاحقه اللعنات

لم تكن لوليتا في نظر نظام الملالي  نصًا أدبياً صنعت شخوصه مخيلة مبدعة، وأطّر أحداثه زمان ومكان مغايران لنظيريهما في عالم البشر الحقيقيين، وإنما كان عملًا لا أخلاقيًا يُخشى أن يفعل فعله في تخريب الناشئة وحرفهم عن جادة الصواب.

ولما كانت لوليتا كائنًا يقيم بين الواقع والخيال، فقد نبا سيف منعها ولم يفلح في إزهاق روحها، وقيض لها من يفهم ماهيتها ويجد لنفسه في عالمها حيزًا يحاورها فيه، ويكتب عنها، ويسخر بسلاح مانعها.

فقد تناجى “همبرت” بطل الرواية الواقع في غرام ابنة زوجته المراهقة “دولوريس هيز” مع ثلة من الفتيات الإيرانيات في مكان بعيد عن عين الرقيب بحضور أستاذتهن “آذر نفيسي” التي خلقت لهن فضاء يمكن أن يلجن منه إلى عالم لوليتا عندما رددت على مسامعهن تحذيرها:

” إياكن … تحت وطأة أي ظرف كان … أن تقللن من قيمة أي عمل أدبي بأن تجعلنه نسخة كربونية من الواقع لأن ما نبحث عنه في الأدب ليس هو الواقع تمامًا، وإنما هو الاحتفاء بإظهار الحقيقة مثلما يحتفل النصارى بعيد الظهور”.

ولم يكن ليفهم نظام الملالي مجسّدًا في مرشده الخميني حق سلمان رشدي في السخرية عندما أصدر فتوى بهدر دمه.

فليس الحق في السخرية مفصولًا عن الحق في حرية التعبير، وهو إذ يكون كذلك في النصوص العادية، فكم بالأولى في النصوص الأدبية التي لا يجوز محاكمتها محاكمة شبيهة بمحاكمة الأولى.

إن هذه القسوة في التعامل مع الفن مفرز طبيعي للعجز عن تذوقه، ونتيجة حتمية للفشل في ولوج عالمه.

وللمنظومة المغلقة أن تمعن في سلّ سيف رقابتها والتلذذ بما تظنه دمًا مسفوحًا من جسد ضحاياها، ولكنها تجهل أنها بذلك تبث في ضحيتها المفترضة روحًا جديدة.

ولعل محاولة فرض مفردات عالمها المصمت على ما حولها هو ما يجعلها تذهب بعيدًا في غيّها وتسرف في أوهامها.

فالعقلية التي حكمت بالمنع وهدر الدم على نصوص وكتاب نصوص هي نفسها العقلية التي لم تستطع في أفق النظر المحدود خاصتها أن تدرك البعد الرمزي في ثورات الربيع العربي، ولم تتمكن من فهم الشحنة الوجدانية في هتافات الحرية، وظنت لذلك أنها تستطيع بسيفها المثلوم أن تخترق ما يعجز السيف عن اختراقه.

وهي العقلية نفسها التي ظنت أن أحلامها الامبراطورية يمكن أن تجد لها موطئ قدم في عالم لم تعِ متغيراته؛ لأنها تقاربه بخرافات قومية وميثولوجية.

كان رشدي قد حكم بالموت على بطل روايته الساخر من المقدسات قبل أن يحكم آية الله الخميني على رشدي بالموت، وكان “نابوكوف” كاتب رواية لوليتا يريد أن يختبر مدى صدق المجتمع وكيفية تعاطيه مع المسكوت عنه، وقد صور ببراعة وقوع الشاذ فريسة حدي التحضر والوحشية.

وكانت ثورات الربيع العربي حراكًا عفويًا مجسدًا للدحض الذي تُشلّ حركة التاريخ بدونه، والذي لا بد أن يُستولد من جوف الفرض القسري للقبول.

وهي كلها مقاربات من عالم سيميائي مغاير للعالم السيميائي لآيات الله متقدم عليه قطعًا، وساخر بتخلفه وفواته بلا شك.

يوشك نظام الملالي على الانهيار بسيف أمريكي إسرائيلي لا يختلف عنه كثيرًا في ماديته ومجافاته للمعاني المتعالية، ولكنه يفترق عنه في سبقه له من حيث قدرته على اجتراح الأنموذجات النظرية  المرنة القابلة للتبدل كلما فرض عليها الاحتكاك بالواقع ذلك.

إنها دماء شهداء سورية، وروح لوليتا التي ثأرت لنفسها، ولاحقت لعنتها آيات الله الذين لا يمكن ولا يصح أن يكونوا مضافًا إلى هذا المضاف إليه “الله” إلا باعتداء صريح وسفيه عليه وعلى قدسيته.

رئيس التحرير