تصريح ولي العهد السعودي أن بشار الأسد باق في السلطة، والذي جاء متقاربًا زمنيًا مع تصريح ترامب أنه ينوي الانسحاب من سورية، يأتي في سياق تغليب السعودية مصلحتها الاستراتيجية الأولى بتحجيم النفوذ الإيراني الذي يتغوّل على حساب أمنها ونفوذها الإقليميّ.
وهو ما يفصح عنه التصريح نفسه الذي يؤكد ضرورة ألا يكون الأسد لعبة في يد إيران.
أما تصريح ترامب الذي فوجئ به مسؤولون أمريكيون في وزارتي الدفاع والخارجية فهو يحتمل تأويلات مختلفة قد يكون من ضمنها التحضير لضربة عسكرية لإيران يلزم التمهيد لها بإبعاد القوات الأمريكية عن متناول الانتقام الإيراني.
وقد يكون من ضمن التأويلات الممكنة ابتزاز السعودية بتخويفها من مغبة هذا الانسحاب، وترك الساحة خالية للطموح الإيراني؛ لكي تتحمل تكاليف بقاء الوجود العسكري الأمريكي .
ولعل القرائن ترجح التأويل الثاني؛ لأنها تشير إلى تحركات عسكرية أمريكية على الأرض تخالف فحوى هذا التصريح.
وما يستبطنه التصريحان بقدر قليل من التدبر هو انكشاف أن القضية السورية بالنسبة إلى الحليفين ليست قضية شعب يذبح ويهجر ويقتل في الأقبية الموبوءة، وإنما هي ساحة للكسب المادي من طرف الرئيس الأمريكي التاجر، وساحة لمواجهة العدو الاستراتيجي من طرف منتظر وراثة الملك السعودي.
ولا حاجة للاستغراب والاستنكار لأن الموقف الأمريكي المنكفئ عبر سنوات الثورة السورية لا يجعل أي لا مبالاة بجوهر القضية السورية نتيجة غير منطقية بالنسبة إلى الأمريكي، ولأن العبث بالقضية السورية عبر دعم فصائل إسلامية شوهت الثورة السورية ومسخت نبل أهدافها يجعل من الوارد جدًا أن يضرب السعودي صفحًا عن معاناة السوريين.
ما نريد أن نسلط الضوء عليه هنا هو عجزنا كمعارضة سورية عن إدراك أن الكيانين الأمريكي والسعودي كيانان لا يأبهان لمطالبنا، وضعف ذاكرتنا الذي تمثل في نسيان حجم الوحشية الأمريكية التي حاصرت الشعب العراقي اثني عشر عامًا وحولته إلى لاجئين، ثم مزقت الدولة والمجتمع العراقيين، وسذاجتنا في التعويل على النظام السياسي السعودي لمساعدتنا في الثورة ضد نظام استبدادي.
ومن السهل التدليل على هذه السذاجة بمجرد الانتباه إلى أن نظامًا كالنظام السعودي مصنوعًا بالطاقة النفطية التي ظهرت على كثبان الرمال لا يمكن أن ينظر بعين الرضا إلى ثورات الشعوب المطالبة بالحرية، ولا يمكن له أن يؤيدها إلا تأييدًا يحرفها عن مسارها نحو مسار لا يقضّ مضجعه.
وأن نظامًا كالنظام السعودي دأب منذ عقود على اللعب على تناقضات داخلية بين التوجهين الليبرالي والوهابي لا يمكن أن يفكر بإصلاح حقيقي خارج حدوده، وهو يقمع أي إصلاح جديّ داخلها.
وأن بنية قبلية متخلفة تتجمل بمظاهر حداثوية استهلاكية لا يمكن أن يرى أصحابها في ثورات الربيع العربي إلا أدوات لتعرية قبحه.
أما الأمريكي الذي لا يأبه لمأساتنا، والذي لهثت معارضتنا خلفه لإنقاذنا، فهو إذ يصدّع الرؤوس بحقوق الإنسان لا يقصد بالإنسان ما نفهمه نحن من معنى عام، وإنما يقصد به إنسانًا آخر لم نصل نحن بسبب بنيتنا المتخلفة -حسب قناعته- إلى مرتبته لكي نستأهل نيل حقوقه.
يمكن للموقفين أن يهزانا بعنف لكي نشرع في بناء موقف جديد سوري محض مصرّ على الخلاص من ربقة الاستبداد وحلفائه، ومتبصر بنوايا العابثين بسورية وبدماء أبنائها.
رئيس التحرير