تمر ذكرى تحرير الرقة من سيطرة النظام هذا العام والحديث يعلو عن قرب معركتها الفاصلة، معركة التحرر من سيطرة الظلام والإرهاب.

في عام 2013 وتحديدًا في الرابع من شهر آذار حصلت الرقة على حريتها، وتمتعت بربيعها القصير جدا، استطاع أبناؤها وبناتها أن ينجزوا ما حُرم منه آباؤهم لعقود..، استطاعوا أن يعبروا عن حياتهم السياسية ومنتدياتهم الاجتماعية، ويمارسوا كل أنواع حرية الكلمة والتعبير، فهذا بالضبط ما قامت من أجله ثورتهم.. فلا رقيب عليهم سوى ضمائرهم.

هذا الربيع القصير حمل أيضا معه غيومًا كثيرة منها الأسود ومنها الأبيض، لكنها لم تكن تحمل الخير والسلام.. كانت تحمل الرصاص والعسف والظلم لتئد هذا الربيع وتمنعه من أن يكون أنموذجًا أخضر لكل سورية.

واستبد الظلم والظلام، وسقطت المدينة وأريافها تباعًا تحت سيطرة تنظيم الشر.

لقد اخطأنا كثيرًا، فجبهة النصرة ودولة الإسلام في العراق والشام “داعش” لم تكن تريد سورية وإنما تريد “خلافتها”، وأحرار الشام كانوا علنا مشروعا لأمتهم، واكتشفنا عجزنا عندما لم نستطع الدفاع عن الفاروق وأحفاد الرسول… لذلك هرب من هرب مخلفًا وراءه الشتائم وتحميل المسؤولية من أهله وذويه.

الكثير من منظماتنا وقوانا الثورية كانت تفخر بعلاقاتها مع المستقوين بأسلحتهم، ومالهم “مالنا المنهوب من البنك المركزي، وصوامع الحبوب وأنابيب النفط وسد الفرات – كهرباء سورية”، بكل أسف لأننا اختلفنا حول السياسة تركنا إدارة البلد لحملة رايات الظلام بكل اشكالها والوانها.

الآن.. وفي هذا الوقت يكثر الحديث عن استعادة المدينة –فأريافها خارج سيطرة التنظيم تقريبًا- ولكن ينتابنا الخوف الشديد، فالحزب الكردي لم يعد يخشى من إعلان علاقته بالنظام، عبر إعادته أو ريفها إلى ميلشياته الطائفية، والأتراك يبدون أكثر من مترددين في مسألة حسم تحرير الرقة، خاصة وأنهم تباطأوا كثيرا على أسوار مدينة الباب، والأمريكان لا يبدون حتى الآن قادرين على فهم أو بلورة القوى التي “سيستخدمونها”.

إن مجموع التناقضات التي تحيط بتحرير الرقة “الإعلامي” من داعش ليس سهلا ولا يمكن التفكير فيه ببساطة، ناهيك عن المخاطر التي قد تنشأ من دخول الميليشيات الكردية، او ميليشيات النظام الطائفية، أو القوات التركية.. فطريق الجميع لن يكون معبدًا بالورود بل بالعكس، ستكون البلد دمارًا وسيكون أهلها وساكنوها هم الضحايا.

إن التخلص من الظلاميين مهم جدا بكل تأكيد، ولكن سلامة أهالينا تظل الأهم، فلابد من إيجاد المسالك الآمنة لهم عندما يحين الوقت، ولابد من إيجاد المرافق اللازمة أيضا لكي يظلوا أحياء وبكرامتهم.

فتحريرنا الأول اشعرنا بالعزة والكرامة والحرية، ولا نريد أن يكون التحرير الآخر استمرارًا لعهد داعش بالذلة والمسكنة.