اتفاق إدلب في موسكو.. طرفان رابحان وخاسر وحيد

أُعلن مساء اليوم الخميس في موسكو، عن اتفاق بين الرئيسين الروسي والتركي، لحل الأزمة في إدلب، بعد اجتماع بين الطرفين بمشاركة شخصيات من الحكومتين الروسية والتركية، استمر قرابة 6 ساعات.
الاتفاق الذي جاء عقب أيام من الشد والجذب بين الطرفين، عبر تصريحات المسؤولين الروس والأتراك، تمخّض عن وقف جميع الأعمال القتالية على طول خطوط التماس الحالية بين قوات النظام وفصائل المعارضة، منذ منتصف ليلة اليوم الخميس، إضافة إلى إنشاء ممر آمن بالتعاون بين وزارتي دفاع البلدين، بعمق 6 كيلو متر شمال الطريق الدولي حلب – اللاذقية (M4)، و6 كيلو مترات أُخرى في جنوبه.
كما نص الاتفاق على تسيير دوريات روسية تركية مشتركة، على الطريق الدولي حلب – اللاذقية بدءا من 15 آذار/ مارس، من طرنبة (2 كلم عن سراقب غرباً) حتى منطقة عين الحور.
وقبل الولوج في ماهية الاتفاق، لا بد من التذكير، أن الأسبوع الماضي شهد اهتزاز العلاقات بين الدولتين الضامنتين في “أستانا”، عقب مصرع العشرات من الجنود الأتراك، بهجوم للنظام السوري على ريف إدلب، أعقبه عمليات عسكرية تركية واسعة في المنطقة، بالاشتراك مع فصائل المعارضة السورية، كبدت قوات النظام خسائر فادحة في العدة والعتاد.
خسائر النظام، رافقها سكون عسكري ملحوظ لروسيا على الأرض، مكتفية بقصف المناطق المأهولة بصواريخ طائراتها الحربية، ورافقها أيضاً تصريحات رسمية تركية ملتهبة، صوّرت دخول القوات التركية في حرب ضروس مع النظام وجيشه، الذي بدت مسألة إنهاء وجوده في إدلب قاب قوسين أو أدنى من الحدوث.
تركيا وقبل أن يسافر رئيسها رجب طيب أردوغان إلى موسكو لعقد الاتفاق، أثارت ضجة دولية خلال أيام قليلة، مستخدمة اللاجئين كورقة “جوكر” فارقة في ميدان المناورات السياسية، والتي أتت أُكلها بسرعة قياسية، على شكل تصريحات سياسية داعمة لتركيا وموقفها في إدلب، من قبل مسؤولي الدول العظمى، مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، فضلاً عن حلف “الناتو”.
وبالنظر إلى هذا المشهد المعقد سياسياً، المشبع بالتحولات السريعة، يبدو الاتفاق التركي الروسي لا يتناسب مع إرهاصاته ودوافعه التي أدت إليه، فتركيا في هذا الاتفاق بدت وكأنها عقدت صفقة مع روسيا لا مصلحة واضحة وحقيقية للسوريين فيها، خصوصاً أن اللون الأخضر في الخارطة السورية انحسر في الواقع ولم يتسع، بيد أنها ربحت عودة الدفء السياسي بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية ووجدت فرصة ذهبية للعب ورقة اللاجئين للاستفادة القصوى منها، كما وطدت علاقاتها مع روسيا استناداً على مصالح ثابتة مشتركة بين البلدين، الأمر الذي أكده بوتين بتصريحات سبقت الاجتماع، وبذلك تكون استفادة تركيا من الاتفاق خارج حدود سوريا وليس في داخلها.
من جهة أُخرى، يبدو الاتفاق مربحاً بالنسبة إلى روسيا التي ستضع قدمها في بقعة سورية جديدة، إلى جانب قوات النظام التي قضمت هي الأخرى جزءاً جديداً من إدلب، يحتوي على معبر آمن لخروج المدنيين قرب سراقب!
حول هذا الموضوع يقول الكاتب الصحافي “أحمد طلب الناصر” لبروكار برس إن “الاتفاق بين تركيا وروسيا، سيصمد لفترة بسيطة فقط، طالما أن الروس ما زالوا يغرّدون بقصة الإرهاب والجماعات الإرهابية، والتي دائماً ما يضعونها ذريعة لخرق الهدن وضرب المدنيين”.
الاتفاق الجديد ألغى عملياً التهديدات التركية للنظام، بوجوب عودته لخطوط التماس المحددة في الاتفاقات السابقة، وارتكز -أي الاتفاق- على خطوط التماس التي رسمتها المعارك خلال الأيام الماضية.
يضيف الناصر أن “بوتين لا يمكن على الإطلاق أن يأمر النظام بالانسحاب من المناطق التي وصل إليها، وهذا كان سبب رفضه للقمة الرباعية الماضية في إسطنبول، وهذا أيضاً سبب مماطلته في عقد القمة الثنائية التي جرت اليوم، وذلك كي يمنح النظام الوقت الكافي للسيطرة على سراقب الاستراتيجية باعتبارها نقطة تقاطع الطريقين الدوليين”.
وأردف: “الرئيس التركي يبدو أنه استطاع أن يصنع ذريعة له كما يفعل بوتين، وذريعته هي النظام السوري الذي اتضح بأنه خارج الاتفاق تماماً، لكن أكثر من 50% من حديث أردوغان كان عبارة عن تهديدات موجهة للنظام السوري”.
الكاتب الصحافي “فراس علاوي” ذهب إلى أن الاتفاق اليوم بين بوتين وأرودغان، كان يحمل طابعاً روسياً واضحاً.
ويقول علاوي لبروكار برس إن “طول فترة اللقاء بين الرئيسين اليوم، تشي بصعوبة التوصل لاتفاق كامل، لذلك تم اللجوء لخارطة طريق وتحويل المشاكل التقنية للمختصين في وزارتي الخارجية والدفاع”.
وأكد على أن “الاتفاق بمضمونه كان أقرب للرؤية الروسية منه للتركية، إذ حافظ على الوضع القائم على الأرض ومنح حماية للطرق الدولية، وبالتالي فإن عقدة سراقب بقيت بيد الروس نهاية المطاف”.
الملفت في التصريحات التي أعقبت الاجتماع بين الرئيسين، كان تصريح الرئيس أردوغان، بوجوب إعادة وضع اتفاق جنيف بشأن سوريا، بعين الاعتبار، الأمر الذي أوحى بأنه إعلان تركي بالخروج من دائرة الرؤية الروسية للحل في سوريا، إلى الرؤية الدولية التي تتصدرها الولايات المتحدة الأمريكية.
يقول علاوي: “حاول الطرفان بعد الاجتماع إرسال رسائل لجميع الأطراف خاصة للولايات المتحدة والأمم المتحدة، وحاول اردوغان الضغط على الجانب الروسي من خلال الاشارة لمرجعية جنيف، وبذات الوقت مغازلة أميركا، وإيصال رسالة مفادها أن تركيا على استعداد للانخراط بتوافق ما حول سوريا”.
واختتم الكاتب الصحافي فراس علاوي قوله: “القمة أتت نتائجها أقل من السقف الذي توقعه السوريون، لكنه حافظ على حالة التوازن بين الطرفين، مع الإشارة إلى أن أردوغان ترك الباب مفتوحاً لاحتمالية التصعيد مع النظام السوري، وتحميله مسؤولية ما يحدث في إدلب”.
على ضوء ما سبق، من الواضح أن الاتفاق لم يأتِ بجديد بالنسبة لـ 3 ملايين سوري يقطنون في إدلب، بينهم آلاف النازحين والهاربين من بطش آلة النظام الحربية والطائرات الحربية الروسية، التي فتكت بالمئات من المدنيين خلال الأسابيع القليلة الماضية، فالاتفاق ثمّن العلاقات الثنائية بين روسيا وتركيا، وأبخس بشكل واضح مصلحة السوريين ومعاناتهم وأرضهم التي تزداد ضيقاً مع كل اتفاق ومؤتمر بين الدول صاحبة النفوذ في سوريا.
بروكار برس:5/3/2020