العربي الجديد:29/5/2020
يطرح الحوار بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وقوى أخرى في الشمال السوري، بمبادرة ورعاية أميركية وفرنسية، أسئلة عن أهدافه وتوقيته والغاية منه، وإلى أين يمضي، وما إذا كانت مخرجاته ستفترق عن مخرجات الحوارات السابقة التي تطبق، مع أنها تمّت برعاية رئيس إقليم كردستان السابق، مسعود البرزاني، في مدينتي أربيل ودهوك العراقيتين في عامي 2012 و2014، وسوى ذلك.
ويتلخص المسعى الأميركي في محاولة لإيجاد جسم سياسي، تمثيلي، موحد للقوى والأحزاب الكردية، يمكنه تمثيل أكراد سورية في أي مفاوضات أو تسويات سياسية مقبلة في سورية. ولذلك استعانت بساسة إقليم كردستان العراق من أجل حثّ المجلس الوطني الكردي على المشاركة في الاجتماعات مع حزب الاتحاد الديمقراطي (بي واي دي)، الذي تمتلك أوراق ضغط كثيرة عليه، لذلك لم يتردّد في قبول الانخراط في مبادرتها، الهادفة إلى إحداث تقارب سياسي بين القوى والأحزاب الكردية السورية، ووضع حدّ للقطيعة والتخاصم بينها.
ويبدو أن المستجدات في الملف السوري، وخصوصا التغيرات في مواقف الدول المتدخلة فيه، إلى جانب الوضع القلق في الشمال السوري، دفع كلا من حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي إلى الدخول في مفاوضات من أجل بناء تفاهمات وتعاون بينهما، على الرغم من سنوات الافتراق والقطيعة التي اعترت علاقاتهما سنوات عديدة، حيث تفرض تحدّيات كثيرة عليهما، تخص دورهما ومستقبلهما، السير باتجاه اتخاذ خطواتٍ نحو التقارب والتفاهم، يدفع باتجاهها الأميركيون والفرنسيون، وأثمرت عن إزالة “الإدارة الذاتية” العوائق أمام المجلس الوطني الكردي، من أجل فتح مكاتبه التنظيمية والحزبية في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومزاولة نشاطه السياسي والإعلامي والاجتماعي، من دون الحاجة إلى أي موافقات أمنية مسبقة، وذلك “في سبيل إزالة العقبات أمام عملية إعادة بناء الثقة بين كافة الفعاليات السياسية والإدارية”. إضافة إلى نظر “الإدارة الذاتية” في ظروف اختفاء شخصيات سياسية طالب المجلس الوطني الكردي بالكشف عن مصيرها.
ويقف خلف المساعي الأميركية توجه يقوده المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، يقضي بحثّ قادة حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي وقوات سوريا الديمقراطية على التوصل إلى تفاهم يفضي إلى وضع خطة جديدة في مناطق شرقي الفرات، وفي الوقت نفسه، الدفع باتجاه إحداث تقارب بينهم وبين تركيا، كي يخف التوتر بينهما، إلا أن تركيا لا تعترف إلا بالمجلس الوطني الكردي، وتسعى إلى تقويته بالتنسيق مع قادة كردستان العراق، مقابل رفضها الاعتراف أو التفاوض مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي تطالبه بفك ارتباطه بحزب العمال الكردستاني، وبضماناتٍ لتحوّله إلى حزب سياسي سوري وبأجندة سورية، لكن الفكاك من هذا الارتباط صعب، وبالتالي يجد قادة “الاتحاد الديمقراطي” أنفسهم في موقفٍ حرج، بعد أن تلقوا خسارات وضربات كبيرة، خصوصا بعد خسارتهم منطقة عفرين في العام 2018، ثم خسارتهم مناطق عديدة في معقلهم الرئيس في الجزيرة السورية، وخيبة أملهم من عدم حماية الولايات المتحدة لهم أمام الأتراك. ولذلك حاولوا تغيير الرايات، وراحوا يبحثون عن داعم لهم، واصطدموا بالشروط الروسية، القاضية بعودتهم إلى حضن نظام الأسد، عبر الدخول معه في مفاوضاتٍ، لم تثمر سوى الفشل.
وفي ظل عدم وضوح موقف الولايات المتحدة من مجريات الصراع على الشمال السوري، فإن التساؤلات تطاول المدى الذي سيصل إليه الحوار بين القوى السياسية الكردية، إذ تفيد تقارير عدة بأن الحوار يطاول مطالب تدغدغ المشاعر القومية الكردية، وتتطلب توافقات وطنية عامة، مثل الكونفيدرالية و”الإقرار الدستوري بالحقوق القومية المشروعة، وفق العهود والمواثيق الدولية”، و”تشكيل مرجعية كردية تمثل جميع الأحزاب والتيارات السياسية وممثلي المجتمع الكردي بسورية”، مع أن المهم بالنسبة إلى رعاة الحوار هو مناقشة القضايا الخلافية، والتوصل إلى تشكيل وفد كردي موحد، يمكنه المشاركة في أي اجتماعات أو مفاوضات مقبلة تخص المسألة السورية.
ولعل الأهم هو مناقشة ارتباط حزب الاتحاد الديمقراطي السوري وتبعيته لحزب العمال الكردستاني التركي، وضرورة اتباعه أجندة وطنية سورية بالتوافق مع مختلف مكونات الشعب السوري للخلاص من الوضع الكارثي وتحقيق طموحاته للخلاص من نظام الأسد، لكن أجندة الحوار لا تأخذ هذا المنحى المطلوب سورياً، كونها تركّز على تقاسم السلطة والإدارة في مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي وأذرعه المليشياوية، حيث يطالب المجلس الوطني الكردي بإدخال ما تسمى “بشمركة روج أفا”، التابعة له والموجودة في إقليم كردستان العراق، إلى المناطق التي تسيطر عليها “وحدات حماية الشعب” الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، إضافة إلى إعادة تأسيس إدارة جديدة، بمختلف سلاسلها العسكرية والخدمية والأمنية والاقتصادية، برعاية دولية، يكون المجلس الوطني الكردي شريكاً فيها، وهو ما يرفضه حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي).
وتقف تركيا ضد كل هذه المحاولات الأميركية والفرنسية، وربطتها بمحاولات روسية سابقة من أجل إضفاء الشرعية على وحدات حماية الشعب الكردية، بغية دمجها في مسار الحل السياسي للأزمة السوري، حيث اعتبر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أنه “بعد أن فشل إنشاء دويلة في المنطقة، تعمل الولايات المتحدة هذه المرّة على خطة الدمج في النظام السياسي، خصوصا أنهم يحاولون دمج المجلس الوطني الكردي مع وحدات حماية الشعب الكردية”، الأمر الذي يكشف قلق الساسة الأتراك من أن تفضي المحاولات إلى اتفاق يمنح شرعية سياسية ودولية لحزب الاتحاد الديموقراطي، المرتبط بحزب العمال الكردستاني المصنف منظمة إرهابية في تركيا. ويلتقي هذا الرفض مع رفض قوى سياسية كردية أخرى لأي اتفاقٍ يمكن أن يصل إليه الطرفان الكرديان، بوصفه اختطافاً للقرار الكردي وتمثيله في سورية.
قد يكون الأمر مختلفاً هذه المرّة، ولكن يبدو أن الحوار بين الطرفين الكرديين لن يثمر إلا عن توافقات هشّة تراعي مصالحهما وأجندتهما، ولن تختلف كثيراً عن ما توصلا إليه سابقاً في اتفاقات أربيل ودهوك التي لم تجد طريقها إلى التنفيذ. وبالتالي، لن تتعدّى مخرجاته مسألة ادعاء التمثيل الكردي، ولن تصب في خانة المصلحة الكردية السورية، إضافة إلى أن كل طرفٍ لا يثق بالطرف الآخر، نظراً إلى كبر الخلافات بينهما والأجندات المتعارضة. وعلى الرغم من امتلاك كل من الطرفين أسبابه ومسوّغاته للمضي في الحوار، إلا أن من الصعب توقع نجاح الساسة الأميركيين في فك ارتباط حزب الاتحاد الديمقراطي العضوي بحزب العمال الكردستاني، وتحويله إلى حزبٍ بأجندة سورية.